•يضيف قصف نفق المتفجرات التابع للجهاد الإسلامي والتوتر الذي نشأ في أعقابه، بعداً مباشراً لمعالجة الواقع المعقد في قطاع غزة. إن الدرس الأساسي من الوضع الناشئ بعد عملية المصالحة، والذي ظهر جلياً على خلفية حادثة أول من أمس، هو أن على إسرائيل ألا توهم نفسها بأن عملية المصالحة الظاهرية بالإضافة إلى جهودها لتحسين نوعية الحياة في غزة، سيؤديان إلى كبح التهديد الإرهابي عليها من القطاع. إنّما في المدى القصير، يمكن أن يشكلا عاملين كابحين لتجسّد هذا التهديد، بالإضافة إلى عنصر رادع أساسي، وهو قوة إسرائيل المحفورة جيداً في ذاكرة الغزاويين منذ عملية "الجرف الصامد".
•إن مشكلة إسرائيل الحقيقية هي التأكد من أن أبو مازن والأميركيين لن يغريهم الاعتقاد بأن "المصالحة - الهشّة" والتخفيف من الضائقة الاقتصادية يمكنهما تغيير الوضع تغييراً جوهرياً من دون نزع القدرات العسكرية والإرهابية من جميع تنظيمات الإرهاب. يجب على إسرائيل استغلال حادثة النفق للتأكد من عدم تآكل موقف السلطة الفلسطينية والأميركيين، المعارض "للمصالحة –الهشّة"، وأنهما سيبدآن بكبح التطورات على الأرض. تخيلوا ماذا كان سيحدث لو أن القصف حدث بعد انتقال الصلاحيات إلى يد السلطة. ماذا سيكون موقف أبو مازن، وماذا سيقول الأميركيون لو كان الأمر كذلك؟
•وفي الوقت عينه يجب استغلال الحادثة لإقناع مصر أيضاً بأن موقفها القائل بأنه يجب تأجيل معالجة القدرات الإرهابية في إطار المصالحة إلى موعد غير محدد، هو موقف محفوف بالمخاطر بالنسبة إليها أيضاً.
•إن الضغوط المتضادة التي تتعرض لها "حماس" هي التي دفعتها إلى محاولة الدفع قدماً بأفكار مبتكرة تتيح لها من جهة التخفيف من ضغوط مصر وأبو مازن عليها، ومن جهة ثانية لا تلزمها المّس بهويتها كحركة تلتزم الكفاح ضد إسرائيل وتمثل جمهوراً جزء كبير منه يرى في هذا الكفاح هدفاً لوجوده، وذلك على خلفية التحريض المستمر والقرب من إيران.
•من هنا ولدت فكرة "المصالحة- الهشّة" بتأييد من المصريين الذين من المفترض أن يحصلوا في المقابل على وقف المساعدة التي تقدم من القطاع إلى عناصر داعش الذين ينشطون في سيناء. إن المخرج المفضل بالنسبة إلى "حماس" والجهاد الإسلامي من الضائقة التي يعانيان منها حالياً هو محاولة الرد بواسطة هجمات من الضفة أو من القدس، لذا يتعين على إسرائيل مضاعفة جهودها لإحباط مثل هذا التهديد، وفي المقابل المحافظة على الاستعداد في مواجهة غزة.
•تعكس حادثة هذا الأسبوع أيضاً العلاقة الوثيقة بين التنظيمات الإرهابية في غزة. إن "حماس" والجهاد الإسلامي وتنظيمات راديكالية أخرى تتبنى وجهة نظر واقعية في ما يتعلق بأسلوب عملها المفضل في هذه المرحلة، وتنسّق وتتعاون فيما بينها: إنها تستخدم هويات مختلفة لإعطاء "حماس" القدرة على إنكار مسؤوليتها المباشرة عن الأحداث التي تشكل تحدياً لإسرائيل. وفي المقابل هناك مجموعات أكثر تطرفاً تعلق أهمية كبيرة على مواصلة دعمها للمتطرفين في سيناء. وهذه التوترات هي التي أدت على ما يبدو إلى اغتيال أحد كبار المسؤولين عن الأمن في "حماس". يتعين على إسرائيل مواصلة اعتبار "حماس" مسؤولة عما يجري في القطاع، وعدم السماح لها بالتهرب من المسؤولية.
•تكشف حادثة النفق أيضاً عمق التأثير المؤذي للتدخل الإيراني في غزة. إيران ليست ملزمة بالاتفاقات بين "حماس" ومصر، وهي تبذل كل ما في وسعها لتعزيز القدرة الإرهابية للتنظيمات في غزة في مواجهة إسرائيل، وربما أيضاً لدفعها إلى ممارسة الإرهاب. وعلى الرغم من اظهار طهران تفهمها لحاجة "حماس" إلى انتهاج سياسة أكثر مرونة، فهي تسعى إلى تعزيز قوتها وقوة الجهاد للتأكد من أن الحركة لن تضطر إلى الذهاب بعيداً في تنازلاتها ولتستطيع المحافظة على هويتها الإرهابية. يتعين على إسرائيل أن تكشف هذا التدخل وتمنع بمساعدة من مصر، تطوره. وهذا يشكل مجالاً إضافياً تستطيع إسرائيل من خلاله أن تستخدم حادثة النفق، لتقوم بتعزيز التعاون مع دول سنية براغماتية.