هل يمكن اعتبار توقيع "اتفاق المصالحة" في القاهرة منعطفاً في الساحة الفلسطينية؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•في 12 تشرين الأول/أكتوبر وقع في القاهرة وفدا المفاوضات من "فتح" و"حماس" اتفاق مصالحة جديداً خلاصته الالتزام بتنفيذ اتفاق المصالحة الموقع بين الحركتين سنة 2011. في إطار هذا الاتفاق وافق الطرفان على إقامة حكومة وحدة وطنية، تكون حكومة تكنوقراط، من دون مشاركة شخصيات سياسية. كما وافق الطرفان حينذاك على أن تجري خلال سنة انتخابات رئاسية وللمجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية وكذلك للمجلس الوطني الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، تشرف عليها لجنة انتخابات مركزية مؤلفة من قضاة يوافق عليهم الطرفان. كما اتُفق على انضمام "حماس" إلى منظمة التحرير الفلسلطينية، وأن تواصل السلطة في هذه الأثناء السيطرة الأمنية على الضفة الغربية، و"حماس" على قطاع غزة، وأن تُشكل لجنة أمنية مشتركة للتنسيق بين الطرفين، وإطلاق المعتقلين الفلسطينيين لديهما.

•تضمن الاتفاق تعهدات ملموسة وجدولاً زمنياً للتنفيذ في ما يتعلق ببنود الاتفاق التي تتعلق بانتقال السلطة المدنية في قطاع غزة إلى الحكومة في رام الله، وتسوية وضع موظفي القطاع العام الذين وظفتهم "حماس" في غزة، والسيطرة على المعابر، ورفع العقوبات التي فرضتها حكومة رام الله ضد القطاع. 

•في المقابل، وفي ما يتعلق بالبنود التي تسمى "موضوعات وطنية"، ومن بينها مصير الذراع العسكرية لـ"حماس"، وانضمام "حماس" إلى منظمة التحرير واجراء انتخابات عامة للبرلمان والرئاسة، هناك فقط تعهدات بإجراء مفاوضات بشأنها.

•إن اتفاق المصالحة هو نتيجة مبادرة مصرية مدعومة من الأردن والسعودية والإمارت في الخليج، ودول أخرى تنتمي إلى الكتلة السنية البراغماتية. وتهدف المبادرة إلى خدمة مصالح مصر والكتلة السنية عامة، وقطع علاقة "حماس" بحركة الإخوان المسلمين، وبالدول التي تؤيد الحركة، قطر وتركيا، ومنع انجرار "حماس" إلى حضن إيران والحؤول دون تعاون بين "حماس" والمجموعات الجهادية، وخصوصاً الموجودة في شبه جزيرة سيناء، وتفادي نشوب عنف بين إسرائيل و"حماس" يمكن أن يتسبب بتحويل الانتباه عن المشكلات الأساسية التي تعانيها الكتلة السنية، وهي الإسلام الجهادي، والإخوان المسلمين، وإيران، والإضرار بقدرة هذه الدول على مواجهتها، وأيضاً بالتعاون مع إسرائيل، وأخيراً ترميم مكانة مصر الحالية في العالم العربي من خلال استئناف دورها المركزي في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية.

•في مرحلة أولى نجحت مصر في تحقيق هدف ابعاد "حماس" عن الإخوان المسلمين وعن المجموعات الجهادية عندما نشرت "حماس" ورقتها السياسية الجديدة التي قطعت فيها العلاقة مع حركة الإخوان المسلمين، وتعهدت بوقف الصلات مع المجموعات الجهادية التي تنشط في سيناء، وبالتعاون مع مصر في محاربتها. في مرحلة ثانية جرى التوصل في القاهرة إلى اتفاق مصالحة بين "فتح" و"حماس"، بين أمور أخرى، من خلال استخدام ورقة المواجهة بين الزعامة في رام الله ومحمد دحلان. إن الأخبار التي ظهرت في وسائل الإعلام الفلسطينية بشأن الدور المركزي الذي كان من المفترض أن يلعبه دحلان في غزة، دفعت هي أيضاً قيادة السلطة الفلسطينية إلى مفاوضات جدية من أجل التوصل إلى اتفاق مصالحة. بالنسبة إلى محمد عباس ورفاق دربه فإن إبعاد دحلان عن أي دور في الساحة الفلسطينية شرط لا بد منه. ويبدو أن قدرة دحلان على جمع مساعدة مالية معينة من الإمارات لم تكن كافية لمواجهة معارضة عباس الشديدة له، وكما هو معروف، لا يوجد لدحلان أي دور في الاتفاقات التي جرى التوصل إليها بين "فتح" و"حماس".

•في الاجمال، عباس وحركة "فتح" راضيان عن اتفاق المصالحة. وبالنسبة إليهما، فإن توقيع الاتفاق، وفي هذا الإطار حرمان دحلان من القيام بأي دور، هو انتصار تحقق نتيجة استعدادهما الجازم لاتخاذ تدابير قاسية ضد قطاع غزة، وحرمانه من موارد مالية والتسبب بتفاقم الوضع هناك. إن تنفيذ البنود التي جرت الموافقة عليها كلها سيسمح بعودة وجود أمني واسع للغاية للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، يشمل أولاً حملة السلاح الذين يعملون في المجالات المدنية، الشرطة الزرقاء، وحدات الأمن الداخلي، والاستخبارات العامة، وسيكون هناك نحو 20 ألف شخص تابعين لحكومة السلطة. ثانياً، اضطرت "حماس" إلى إبعاد قواتها عن المعابر، بما في ذلك معبر رفح، واستبدالها بقوات تابعة للسلطة، على ما يبدو من الحرس الرئاسي. لكن بالنسبة إلى أعضاء "فتح" ما يزال هناك تحد صعب تطرحه الموضوعات التي تسمى "الموضوعات الوطنية"، وخاصة تحقيق هدف "حكومة واحدة، وسلاح واحد"، أي خضوع جميع العناصر المسلحة لسيطرة السلطة.

•اضطرت "حماس" إلى الموافقة على هذا الاتفاق بسبب تفاقم الوضع في قطاع غزة في أعقاب الخطوات التي اتخذتها السلطة وشاركت فيها إسرائيل. كما أثر على "حماس" اعتمادها على مصر التي تسيطر على المخرج الوحيد للقطاع الذي لا يخضع لسيطرة إسرائيل، وكذلك تفاقم النزاع بين الدول السنية بزعامة السعودية وقطر مما أدى إلى قطيعة بين "حماس" والمصدر الأساسي لمساعدتها المالية. كما لعبت التغييرات التي طرأت على زعامة "حماس" دوراً مهماً، فقد انتُخب إسماعيل هينة رئيساً للمكتب السياسي للحركة بدلاً من خالد مشعل، وانتُخب يحيى السنوار من الذراع العسكرية زعيماً للحركة في قطاع غزة. وكانت النتيجة عملياً انتقال مقر قيادة "حماس" إلى غزة وتحول يحيى السنوار إلى شخصية مهيمنة. وبخلاف التقديرات التي سادت إسرائيل بعد انتخاب السنوار، والتي مفادها أن هذا الانتخاب معناه سيطرة الذراع العسكرية على الذراع السياسية، وانتهاج السنوار سياسة أكثر كفاحية، فإن شخصيته المهيمنة تسمح عملياً للذراع السياسية بفرض إرادتها على الذراع العسكرية. وتجلى ذلك في تصريح السنوار بأنه "سيكسر عظام" الذين يعارضون خطواته. لقد تبنى السنوار سياسة براغماتية وعقلانية. ووفقاً لتحليله للوضع فإن مفتاح حل مشكلات غزة موجود في مصر وليس في إيران، وهو يتصرف وفقاً لذلك.

•التوقيت الحالي لاتفاق المصالحة هو أيضاً ملائم بالنسبة لسلوك إدارة ترامب وحكومة إسرائيل. ويبدو أن طاقم المفاوضات الأميركي برئاسة جيمس غرينبلات يؤيد عملية المصالحة ويدفع نحو تحقيقها، على افتراض أن ذلك سيزيل عقبة من أمام العملية السياسية الإسرائيلية - الفلسطينية. كما صرحت اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة في 19 أيلول/سبتمبر بأن هناك حاجة إلى إعادة القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وكان من الواضح أن مثل هذه الخطوة ستكون ممكنة فقط من خلال اتفاق مصالحة بين المنظمتين. لقد ردت حكومة إسرائيل أيضاً على الاتفاق باعتدال نسبي، وعلى الرغم من تصريحاتها ضد الاتفاق، فهي لم تتخذ أي خطوة عملية ضد السلطة بعد التوقيع. ويبدو أن عدم وجود رد يعود بصورة أساسية إلى عدم الرغبة بالدخول في مواجهة مع إدارة ترامب ومع السيسي، لكن هذا أيضاً يكشف ادراكاً داخل إسرائيل بأن الاتفاق سيساهم في استقرار الوضع في قطاع غزة، ومنع جولة عنف اضافية بين إسرائيل و"حماس".

•لقد انتهت المحاولات السابقة للمصالحة بين "فتح" و"حماس" بالانهيار حتى بعد توقيع الاتفاقات وبدء تطبيقها، وذلك بسبب رؤية الطرفين شبكة العلاقات بينهما كلعبة خاسرة كل ربح فيها لطرف هو خسارة للطرف الآخر، وكل منهما معني بالاتفاق فقط لأن تطبيقه سيؤدي في نهاية الأمر إلى هيمنته المطلقة. وقد أدت هذه الدينامية إلى انهيار، أو عدم تطبيق، محاولات سابقة لتسوية العلاقات بين المعسكرين، وأيضاً بسبب عدم الاتفاق على "الموضوعات الوطنية" ومن بينها:

أ‌-مسألة خضوع ذراع "حماس" العسكرية للحكومة الفلسطينية. تسعى "حماس" إلى واقع يشبه الوضع القائم في لبنان، حكومة مركزية في بيروت، في مقابلها يحتفظ حزب الله بميليشيا مسلحة غير خاضغة للحكومة المركزية. تصر زعامة السلطة على تطبيق مبدأ سلطة واحدة مع سلاح واحد، وفي هذه الأثناء جرى تأجيل النقاش في هذه المسألة. وهذه المسألة لها صلة أيضاً بعلاقة "حماس" مع إيران. فالذراع العسكرية للحركة تعتمد على المساعدة من إيران، واستمرار هذه المساعدة يفرض عليها مواصلة تطوير علاقاتها مع طهران.

ب‌-انضمام "حماس" إلى منظمة التحرير وقبولها بشروطها. "حماس" معنية بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية كخطوة تسمح لها بالسيطرة على المنظمة، بينما تسعى "فتح" إلى ضم "حماس" ضمن شروط تقييد وتقليص قدر الإمكان. 

ج- قضية الانتخابات، يؤيد الطرفان اجراء انتخابات للمجلس التشريعي وللرئاسة، لكن فقط ضمن شروط تضمن نجاحهما. من هنا الخلاف بشأن أسلوب الانتخابات.

•هناك ثلاثة سيناريوات محتملة. في السيناريو الأول يجري تنفيذ الاتفاقات التي جرت الموافقة عليها، لكن الموضوعات الوطنية المفتوحة تبقى موضع خلاف، وعلى الرغم من ذلك يقرر الطرفان عدم تحطيم الأواني. وبهذه الطريقة سينشأ توازن جديد في قطاع غزة حيث سيكون للطرفين وجود عسكري. وهذا الواقع سيكون شبيهاً جداً بالواقع في لبنان، على الرغم من ان الحكومة الفلسطينية ستظل معادية للذراع العسكرية في "حماس" وستحاول تقييد نشاطها، وستكون لها الحرية في إجراء مفاوضات مع إسرائيل. في السيناريو الثاني، سيؤدي عدم الاتفاق على هذه القضايا إلى انهيار الاتفاق وعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل توقيعه. وفي السيناريو الثالث، الذي حظوظه ضئيلة، يتوصل الطرفان إلى الاتفاق أيضاً على القضايا الوطنية وينفذانها.

•في جميع الأحوال، من الأفضل أن تواصل إسرائيل سياستها التي لا تعارض بصورة فعالة اتفاق المصالحة هذا، وتتعاون مع الولايات المتحدة ومصر والسلطة الفلسطينية. من الأفضل وجود وضع يكون للفلسطينيين فيه حكومة واحدة تمثلهم أمام إسرائيل، ويمكن أن يشكل ذلك فرصة أفضل للتقدم، ولو بصورة تدريجية ومحدودة، نحو تهدئة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وربما حله في المستقبل. كما أن السيناريو اللبناني هو أيضاً أفضل بكثير من الوضع الحالي، لأنه سيؤدي إلى استقرار قطاع غزة، وسيقيد أكثر النشاطات العسكرية لـ"حماس"، وسيكون معناه أن تمنح "حماس" الحكومة في رام الله قيادة العلاقات السياسية مع إسرائيل بما في ذلك المفاوضات معها.