روسيا تسعى إلى المصالحة بين "حماس" و"فتح" لإنقاذ الأسد وإضعاف إيران
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•نهاية أسبوع حافل مر به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فخلال زيارته الشرق الأوسط لمدة3 أيام التقى الملك السعودي سلمان، وملك الأردن عبد الله، وأجرى محادثات هاتفية مع الرئيس المصري السيسي، وحاول رأب الصدع بين دول الخليج وقطر، وتوحيد الموقف من الأزمة في سورية، وإنهاء النزاع الداخلي- الفلسطيني بين "فتح" و"حماس".

•في مؤتمر صحافي عقده مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كشف لافروف عن أن روسيا "تجري اتصالات مع دول عربية لها علاقات مع 'حماس' من أجل إعادة الطرفين [فتح وحماس] إلى اتفاق المصالحة الموقع بينهما، والذي يتضمن تأليف حكومة فلسطينية موحدة". بعد مرور يومين على ذلك، أعلنت "حماس" استعدادها لحل المجلس الإداري الذي أقامته في غزة، والتوصل إلى اتفاق لإقامة حكومة فلسطينية موحدة. من المبكر أن نحبس أنفاسنا في انتظار تحقيق هذا الإعلان فعلياً، لكن التدخل الجديد لروسيا في النزاع موضوع يستحق الاهتمام.

•خلافاً للاتفاقات التي جرى التوصل إليها بين مصر و"حماس" قبل حوالي شهر، والتي تقضي بإنشاء مجلس إداري في غزة يتولى رئاسته محمد دحلان، عضو "فتح" وخصم محمود عباس، ويضم أعضاء من "حماس" إلى جانب أعضاء من "فتح"، تتحدث "حماس" من جديد عن إقامة حكومة فلسطينية موحدة.

•هل يلغي هذا الاعلان الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في مصر؟ وفقاً لكلام جهات في "حماس"، يدور الحديث حول مرحلتين متوازيتين. يواصل المجلس الإداري إدارة الاتصالات مع مصر بواسطة دحلان من أجل التوصل إلى فتح معبر رفح بصورة دائمة، وربما هذا الشهر. تمويل العمليات الجارية للمجلس سيأتي من اتحاد الإمارات الذي خصص لهذه الغاية نحو 15 مليون دولار وصلت مع تعهدات بدفع مبالغ مشابهة في الأشهر القريبة. وفي الوقت عينه تستأنف "حماس" اتصالاتها مع السلطة الفلسطينية من أجل تحديد توزيع المهمات والتحضير للانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. 

•التدخل الروسي في النزاع الداخلي الفلسطيني وفي النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس منفصلاً عن الاستراتيجية الروسية في المنطقة، خصوصاً عن إدارة الأزمة في سورية التي انتقلت حصرياً إلى يد روسيا. الأردن والسعودية ومصر، وليس أقل منها تركيا وإسرائيل، تعترف بأن الدولة العظمى الوحيدة القادرة على إحداث معجزة في سورية هي روسيا، وتسعى كل دولة من هذه الدول حالياً إلى الحصول منها على ضمانات لتأمين مصالحها. 

•يختلف الأردن مثل إسرائيل، مع روسيا بشأن مكانة إيران في سورية. حالياً لا ينتشر الجيش السوري في المنطقة الجنوبية من سورية، لكن يتخوف الأردن من تغير الوضع، وعلى ما يبدو حصل على تعهد من لافروف أنه حتى لو دخل الجيش السوري إلى مناطق محاذية للأردن، فهو لن يسمح لقوات مؤيدة لإيران من بينها ميليشيات شيعية أجنبية وحزب الله، بالإنتشار معه في منطقة الحدود. في المقابل طلبت روسيا من الأردن تعزيز علاقته بالنظام السوري، وفتح معابر الحدود بين البلدين، ولاحقاً، استئناف العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد. 

•حالياً توظف روسيا التي أحدثت ثورة عسكرية في وضع نظام الأسد وفي حجم المناطق التي يسيطر عليها، أغلبية جهودها في خطوات دبلوماسية يمكن أن تمنح الأسد شرعية عربية ودولية، من هنا تنبع أهمية الخطوات الدبلوماسية التي يقوم بها لافروف في الشرق الأوسط. وستختبر هذه الخطوات في نهاية الأسبوع في أستانا عاصمة كازاخستان، حيث سيجتمع أطراف من الحكم وممثلون عن المعارضة للمرة السادسة. وإذا نجحت هذه الجولة، سيكون من الممكن تحديد موعد للقاء جديد في جنيف للبحث في اتفاق سلام.

•بيد أن جهد روسيا الساعي إلى بناء جدار دعم عربي لمساعيها في سورية بحاجة إلى التغلب على عقبتين كبيرتين: الأولى الخلاف بين دول الخليج ومصر من جهة، ومن جهة أخرى قطر، والثانية المواجهة السياسية بين السعودية وإيران. وبعد فشل الولايات المتحدة في التوصل إلى مصالحة السعودية مع قطر، وهي محاولات شارك فيها الرئيس دونالد ترامب مشاركة فعالة، وفي أعقاب السبات الذي دخلت فيه الولايات المتحدة بشأن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، تستخدم روسيا هذين النزاعين كرافعة من أجل الدفع قدماً بمصالحها.

•هنا تبرز أهمية "حماس"، التي لا تعتبر عاملاً استراتيجياً قادراً على التأثير في السياسة الإقليمية، لكن عندما تتحول إلى أداة في المعركة الدائرة بين السعودية وإيران، فهي تصبح عاملاً حيوياً يجب تجنيده لصالح الصراع الأكبر. 

•لقد زادت "حماس" هذه السنة من عملية جس النبض مع إيران التي تعهدت بمساعدة الحركة. ووفقاً لتقارير في وسائل الإعلام العربية قامت إيران بتحويل نحو 20 مليون دولار إلى فرع الحركة في لبنان، بالإضافة إلى استئناف التدريبات العسكرية على يد حزب الله، ومن وقت إلى آخر تصدر تصريحات عن نشطاء في "حماس" في قطاع عزة وفي الخارج، تتحدث عن أن العلاقة مع إيران على وشك أن تُستأنف في وقت قريب، أو أن إيران اقترحت تقديم مساعدة اضافية.

•لا تنسجم هذه التصريحات مع دبلوماسية "حماس" التي تهدف إلى تحسين العلاقة مع مصر، وهي تدل على اشتداد الانقسام بين قيادة كتائب القسام التي تسعى إلى استئناف العلاقة مع إيران، والقيادة السياسية برئاسة إسماعيل هنية ويحيى السنوار، التي تعمل على تحسين العلاقات مع مصر والعالم العربي. في داخل إيران أيضاً، يوجد انقسام بين المحافظين الراديكاليين والحرس الثوري بشأن مسألة مساعدة "حماس". وبينما تضغط قيادة الحرس الثوري لاستئناف المساعدة، يعارض الراديكاليون ذلك بذرائع سياسية مثل أن "حماس" خانت سورية وهي لا تستحق المساعدة.

•من هنا تأتي الأهمية التي توليها روسيا للمصالحة الداخلية الفلسطينية، التي ستوقف تجدد تقارب "حماس" مع إيران، مما سيرضي تطلعات السعودية ودولة الإمارات ومصر ويجعلها تدعم شرعية الأسد.

•إذا نجحت روسيا في تحقيق هذه المصالحة، فإنها تستطيع أن تسجل لنفسها انتصاراً مزدوجاً. فمن جهة ستظهر بأنها الدولة الوحيدة التي يمكنها حل النزاعات في المنطقة، كاستمرار لنجاحها في سورية. ومن جهة ثانية ستساهم بشكل كبير في كبح نفوذ إيران، إذ على الرغم من المصالح المشتركة لروسيا وإيران في بقاء الأسد، إلا إن روسيا غير متحمسة لنفوذ ايران في المنطقة.

 

•يبقى السؤال التالي وهو: كيف سيتعين على إسرائيل أن ترد على هذا التحرك الروسي؟ تعارض اسرائيل بشكل تقليدي الوحدة بين "فتح" و"حماس" لأن الانقسام يمكنها من الإدعاء بأن محمود عباس لا يمثل الشعب الفلسطيني كله، ولذا لا يمكنه أن يكون شريكاً (إضافة إلى الذرائع المعتادة الأخرى مثل اتهامه بالتحريض ودعم "الإرهاب"). ويمكّنها من الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، أيضاً من إدارة سياسة قمع مزدوجة في المنطقتين. ولكن اذا قررت روسيا أن المصالحة الفلسطينية الداخلية حيوية بالنسبة لمصالحها الإقليمية، ستجد اسرائيل صعوبة في التمسك بمعارضتها، ولا سيما أنها تحتاج إلى تعهدات روسية تتعلق بالتمركز الايراني في سورية. ومن هنا يأتي صمت اسرائيل على خطوات روسيا، وهو صمت مصحوب بالصلاة من أجل ألاّ يتفق الفلسطينيون فينقذوا بذلك إسرائيل من الحاجة إلى اتخاذ موقف.

 

 

المزيد ضمن العدد 2693