الأزمات في أوروبا فرصة لصناعة السلاح الإسرائيلية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً في الطلب الأوروبي على وسائل قتال من أنواع مختلفة بسبب التحديات الأمنية الكبيرة التي واجهتها القارة. وأدى هذا الاتجاه إلى ارتفاع كبير في التصدير الأمني من إسرائيل إلى دول أوروبا، ومن المتوقع ان يزداد هذا في السنوات المقبلة، خاصة إلى دول أوروبا الشرقية. ويفرض هذا التطور على إسرائيل سلوكاً حذراً للحوؤل دون وقوع مواجهة دبلوماسية مباشرة مع روسيا التي هي العامل الأساسي وراء التسلح الأوروبي.

•في العام 2015 شكلت أوروبا الهدف الثاني من حيث الحجم لتصدير السلاح الإسرائيلي، فقد تضاعف حجم الصفقات الأمنية مع إسرائيل من 724 مليون دولار في العام 2014 إلى 1,6 مليار دولار في 2015. واستمر هذا الاتجاه في سنة 2016 بحيث وصل حجم صفقات التصدير إلى دول أوروبا إلى 1,8 مليار دولار، مما يفوق التصدير إلى دول أميركا الشمالية (1,265 مليار دولار) وأميركا اللاتينية (550 مليون دولار)، وأفريقيا (275 مليون دولار)، لكنه يبقى أقل من التصدير الأمني إلى دول آسيا (2,6 مليار دولار).

•تشكل الزيادة في شراء السلاح الإسرائيلي جزءاً من الارتفاع العام في الميزانيات الأمنية في دول أوروبا التي ارتفعت خلال العامين 2015-2016 بمعدل 3%. وكانت مشكلات الارهاب وتدفق اللاجئين إلى أوروبا من العوامل التي أدت إلى زيادة التصدير الأمني الإسرائيلي إلى دول تلك القارة في هاتين السنتين. لقد زودت إسرائيل دولاً مختلفة بأجوبة تكنولوجية لمعالجة التسلل، ومحاربة الإرهاب، وللدفاع السيبراني الذي تحولت وسائله إلى عروض مجموعة أسلحة مهمة أكثر فأكثر في ترسانة شركات إسرائيلية. وكانت المكونات المهمة في اتفاقات التصدير الأمني في عام 2016 هي: تحسين طائرات ومنظومات جوية (20%)، ورصد ومعدات بصرية (18%)، صواريخ ومنظومات دفاع جوي (15%)، ذخيرة وأسلحة (13%)، رادارات (12%)، منظومات استخباراتية ومعلومات وسايبر (8%)، طائرات من دون طيار (7%).

•حدث التغير الكبير بصورة خاصة في أوروبا الغربية، حيث تحولت الدول هناك من مصدرة للسلاح إلى دول مستوردة مركزية. يحدث هذا الاتجاه في ألمانيا، بعد البرودة التي طرأت على العلاقات مع أهم دولتين كانتا تزودان القارة الأوروبية بالسلاح طوال القرن العشرين وهما بريطانيا والولايات المتحدة. فالبريكسيت، والشكوك إزاء موثوقية التعهدات الأميركية للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بعد كلام الرئيس ترامب بأن على الدول الأعضاء في الحلف زيادة ميزانيتها للإنفاق الأمني بنحو 2% من اجمالي الناتج المحلي، هي التي كانت في خلفية اعلان المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بأن "على أوروبا حالياً أن تدافع عن نفسها". بموازاة ذلك يدور نقاش في ألمانيا بشأن زيادة القوة العسكرية للاتحاد الأوروبي، وهذه هي السياسة التي تقودها وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون ديرلاين. بالاضافة إلى ذلك، برزت في الأشهر الأخيرة في الصحف الألمانية وفي البرلمان والحكومة الألمانيين دعوات إلى تطوير قدرة نووية بهدف ردع روسيا.

•من بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، فقط بريطانيا، وبولنده، واليونان، وأستونيا تلتزم بالهدف الذي وضعه الرئيس ترامب. من جهتها اعلنت ألمانيا رسمياً في 2016 أنها تنوي تحقيق هدف زيادة 2% من اجمالي الناتج المحلي إلى ميزانية الدفاع. في المقابل أعلنت ألمانيا وفرنسا أخيراً زيادة في التعاون الأمني بينهما ويتضمن ذلك تطويراً مشتركاً لطوافات هجومية من طراز Airbus Tiger، وصواريخ جو - أرض، وكذلك نيتهما القيام بشراء مشترك لدبابات ومدفعية. بالإضافة إلى ذلك بحثت الدولتان في السنة الأخيرة إمكانية التعاون في تطوير طائرة حربية جديدة تحل محل الحاجة لشراء طائرات F-35 أميركية. وهذه التطورات تتيح لإسرائيل أيضاً المجال لزيادة التصدير الأمني إلى هذه الدول الأساسية، من خلال التعاون القائم حالياً معها في مجال تطوير الطائرات من دون طيار والصواريخ والفضاء.

•كما برزت في أوروبا الشرقية أيضاً زيادة مهمة في الصادرات الأمنية على خلفية التخوف من العداونية الروسية. فالأزمة في أوكرانيا في 2014 والرد الروسي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أثارا مشاعر الحذر لدى عدد من دول أوروبا الشرقية ودفعها لأن تدرك أن عليها تحمل مسؤولية أمنها. أضيف إلى ذلك صعود أحزاب اليمين القومي في بولنده وهنغاريا، والتي عبرت عن رغبتها في الانفصال عن التبعية للاتحاد الأوروبي، وتقوية الشعور بالاعتداد القومي، بين أمور أخرى، من خلال بناء القوة العسكرية. لذا من المتوقع زيادة المشتريات العسكرية لدول أوروبا الشرقية في السنوات المقبلة، سواء السلاح الثقيل (طائرات، مدرعات، صواريخ) أم وسائل للحماية من هجمات سيبرانية التي تبدو السلاح المفضل لدى روسيا. في المدة الأخيرة جرى إعلان تعاون أمني واستخباراتي بين أستونيا وفنلندا، اللتين تقعان بالقرب من حدود روسيا. كما أن العداونية الروسية موجودة أيضاً في خلفية التعاون الأمني بين دول البلطيق، أستونيا، لاتفيا وليتوانيا.

•حالياً تجري عمليات تسلح واسعة النطاق في بولنده ورومانيا وأستونيا وفنلندا وهنغاريا، وتستفيد إسرائيل منها. ففي السنوات الأخيرة استثمرت بولنده أكثر من 14 مليار دولار في الإنفاق العسكري، وذلك من أجل هدف واضح هو التسلح في مواجهة روسيا. وضمن هذا الإطار جرى التوقيع على صفقة بين بولنده وشركة ألبيت، تزود بموجبها الشركة بولنده بمنظومات دفاعية ضد قذائف مدفعية وضد صواريخ قصيرة المدى من نوع "مقلاع داوود" (العصا السحرية)، وتقدر الصفقة بنحو مليار دولار. في موازاة ذلك أعلنت حكومة هنغاريا في مطلع هذا العام أنها تنوي مضاعفة نفقاتها الأمنية حتى عام 2026. ومن المحتمل أن تحصل إسرائيل على جزء من الصفقات كحصيلة مباشرة للزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى بودابست في تموز/يوليو الماضي. كما تشارك ليتوانيا في اتجاه التسلح، فقد باعت شركة رفائيل الجيش هناك أسلحة متطورة بقيمة 100 مليون دولار.

•إن التحديات التي تواجهها دول أوروبا، من هجرة وإرهاب والشكوك في موثوقية التعهدات الأميركية في مقابل العدوانية الروسية، كل ذلك يشير إلى أنه في السنوات المقبلة ستواصل تلك الدول توجهها نحو التسلح الأمني. 

 

•يتعين على إسرائيل استغلال هذه الفرصة من أجل تعزيز العلاقات الثنائية مع دول أوروبا، خاصة مع أوروبا الشرقية. ولقاءات رئيس الحكومة نتنياهو مع زعماء من دول أوروبا الشرقية في تموز/يوليو الماضي يمكن أن تشكل قاعدة لتعزيز هذه العلاقات. بالإضافة إلى ذلك إذا كانت إسرائيل تنوي فعلاً تقوية مكانتها كمزود حيوي للسلاح لدول أوروبا، فإنه يتعين عليها انتهاج سياسة حذرة لدى اعطائها الموافقة على التصدير الأمني، فتصاعد التوتر بين دول أوروبا الشرقية الآخذة في التسلح وروسيا يمكن أن ينعكس على علاقة إسرائيل بموسكو، ويمكن أن يكون لذلك، من بين أمور أخرى،  انعكاسات أمنية سلبية في ضوء استمرار الوجود الروسي في سورية. والمطلوب في الوقت عينه أيضاً مراعاة شيء من السرية في التجارة الأمنية مع دول أوروبا الغربية، في ضوء تراجع مكانة إسرائيل العامة في هذه الدول.

 

 

المزيد ضمن العدد 2677