المساعدة التي يقدمها الجيش الإسرائيلي إلى سكان قرى الجولان ليست بدافع من حب الغير
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

•إن المهمة الأهم للجيش الإسرائيلي هي الدفاع عن الدولة، وإعداد قواته لحرب محتملة. لكن من بين جميع المهمات الأخرى التي يقوم بها الجيش، تبدو المهمة التي عُرضت للمرة الأولى بصورة علنية وشاملة يوم الأربعاء الأكثر وقعاً طيباً وتشجيعاً. إن نشاط إدارة "حسن الجوار" الذي يقوم به الجيش في هضبة الجولان لمساعدة سكان القرى في الجانب السوري من الحدود يستحق الثناء.

•منذ سنوات تعتذر إسرائيل من عدم تقديمها مساعدة كافية إلى مواطني سورية من ضحايا الحرب الأهلية الدموية التي تدور على مسافة قريبة من حدودنا. وتنتشر هنا وهناك أخبار عن جرحى سوريين يتلقون العلاج في المستشفيات في إسرائيل، لكن الأفكار بشأن استيعاب عدد رمزي من أولاد اللاجئين السوريين في إسرائيل رُفضت.

•الآن كشف الجيش الإسرائيلي عن الحجم الكامل لنشاطه في الحدود السورية، وما عرضه أمام الإعلام بالتفصيل يثير الإعجاب: النيات الطيبة، والاهتمام المعني بالتفاصيل الصغيرة للمساعدة، والنتائج الأولية. ويشارك في المجهود أيضاً منظمات مساعدات إسرائيلية ودولية وبعض وزارات الحكومة، لكن من الصعب التفكير بهيئة رسمية أخرى في إسرائيل باستثناء الجيش الإسرائيلي قادرة على تحمل عبء مشروع كبير من هذا النوع، وبهذا القدر من الفعالية، وخلال فترة زمنية تقلّ عن عام.

•لا يعمل الجيش في الجولان انطلاقاً من دوافع حب الغير. ففي مواجهة الحدود الإسرائيلية، في القطاع الممتد على مسافة نحو 40 كيلومتراً (من القنيطرة في الشمال وحتى حدود جيب تنظيم داعش في منطقة مثلث الحدود مع الأردن) طولاً وبعرض 15 كيلومتراً، يعيش نحو 200 ألف مواطن سوري. وخلال فترة الحرب انقطعت علاقتهم بنظام الأسد ولم يعودوا يحصلون على أي خدمة من دمشق.

•توجد نحو ثماني قرى وبلدات في هذه المنطقة يسيطر عليها خليط كبير من تنظيمات مسلحة تابعة للمتمردين وميليشيات محلية وحتى مجموعات تتماهى مع جبهة النصرة، وفروع لتنظيم القاعدة في سورية. لا يوجد في هذه البلدات حكم مركزي موحد، وهناك نقص خطير في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، والخدمات الصحية ضئيلة، وتوقفت تماماً خدمات أساسية كانت تقدمها الدولة في السابق مثل الطبابة والتعليم. 

•الحاجة التقت مع فرصة. في الجيش الإسرائيلي رأوا إمكانية لإبرام صفقة مع سكان المنطقة: تملأ إسرائيل الفراغ الناشئ وتقدم المساعدة. في المقابل، تعمل الميليشيات المحلية على المحافظة على الهدوء على طول الحدود، وتبعد عن السياج الحدودي التنظيمات الأكثر تطرفاً. وفي المدى البعيد، من المحتمل أن تساهم المساعدة المقدمة إلى السكان في تحسين صورة إسرائيل في نظر أشخاص اعتادوا أن يروا فيها عدواً شيطانياً.

•حجم المساعدة كبير بصورة مدهشة. نحو 3000 جريح عولجوا في مستشفيات إسرائيل، ونحو 600 ولد كل واحد منهم برفقة شخص بالغ، دخلوا إلى إسرائيل من أجل فحوص طبية وعمليات جراحية. ومنذ كانون الثاني/يناير هذه السنة، تنقل مساعدة إلى الجانب السوري خمس مرات أسبوعياً، تتضمن أدوية ومضادات للالتهابات، وأجهزة لتخطيط القلب، وغذاء للأطفال، ومنتجات غذائية أساسية، وألبسة وبطانيات، ومولدات كهربائية وسولار، كما ساعد الجيش الإسرائيلي أيضاً في إعادة بناء مستوصفات وصفوف للتعليم تضررت خلال القتال.

•يحصل الأولاد السوريون الذين يدخلون إلى إسرائيل على" يوم من المتعة"، بالإضافة إلى المعالجة الطبية، ويعودون إلى منازلهم مع ملابس جديدة. قائد الفرقة الإقليمية في الجولان العميد يانيف عشور فهم الحاجة إلى ذلك عندما انتظر في البرد القارس في الساعة 4.30 قبل الفجر الوفد الأول من الأمهات والأولاد، ورأى الأولاد يصلون بسراويل قصيرة. وقدم رئيس الأركان اقتراحاً خاصاً به، وهو تزويد الأولاد بملابس رياضية وكرات قدم.

•في حزيران/الماضي استبدلت المساعدة المرتجلة بإدارة منظمة يترأسها ضابط برتبة مقدم تم استدعاؤه من مكتب منسق الأنشطة في المناطق [المحتلة]. العميد عشور، الذي ساهم في إنشاء الإدارة التابعة لفرقته، عاد في السنة الماضية بعد فترة دراسية أمضاها في كلية الأمن القومي في بريطانيا، حيث سمع هناك عن أهمية استخدام وسائل "القوة الناعمة". وفي محادثة مع ضباط من شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية سمع منهم كيف ضيّع الأميركيون فرصة تنظيم نشاط مدني واسع النطاق بعد غزوهم العراق سنة 2003، وأقنعه ذلك بصورة نهائية بالحاجة إلى رفع مستوى النشاطات لمساعدة القرى السورية.  

•توجد في الخلفية بالطبع تقارير منشورة في الاعلام الأجنبي، وآخرها ما نشرته مجلة "وول ستريت جورنال" قبل شهر، عن قيام إسرائيل بأمور أخرى في الجولان السوري. ووفقاً لهذه التقارير التي لم تكذبها القدس، يجري نقل وسائل قتالية وعتاد إلى بعض تنظيمات المتمردين.

•وبالرغم من ذلك، يبدو أن التقدم يجرى بحذر، فالضباط والجنود الإسرائيليون لا يعبرون الحدود بغرض تقديم المساعدة المدنية. ويجري نقل الشحنات إلى سورية واستقبال الجرحى والأولاد على طول السياج الحدودي، وبعد فحص أمني للتأكد من أن المساعدة لن تتحول إلى فخ للجنود الإسرائيليين.

•عندما سُئل عشور عن الشبه مع "الجدار الطيب" الذي أقيم في المطلة في نهاية السبعينيات والمنطقة الأمنية التي احتلتها إسرائيل من دون تفكير كاف في جنوب لبنان، لم يتبنّ هذه المقارنة. من الصعب رؤية الجيش الإسرائيلي في الوقت الحالي يقترح على الحكومة إنشاء مواقع في الجانب السوري من الحدود، على الرغم من التحذيرات من اقتراب قوات تابعة لإيران وحزب الله من المنطقة. وإذا تبين أن وقف اطلاق النار الذي أعلن في جنوب سورية عملية ناجحة، ستحتاج إسرائيل إلى حلفائها في القرى على طول الحدود كي تتأكد من أن الإيرانيين والميليشيات الشيعية الخاضعة لها لن تتسلل قريباً من أراضيها تحت غطاء اتفاق بلورته روسيا والولايات المتحدة.