على مفترق طرق: سياسة إسرائيل حيال قوات الطوارئ الدولية في لبنان
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•في الآونة الأخيرة طرأ تغير على الموقف العلني لكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي حيال قوات حفظ السلام الدولية، يونيفيل، في لبنان. تطرق ضباط كبار إلى النشاطات العسكرية لحزب الله في لبنان، سواء من خلال إنتاج منظومات سلاح بمساعدة إيران أو من خلال جمع معلومات بصورة علنية ومحجوبة على طول خط الحدود. وبرز على هذا الصعيد التبادل الكلامي بين رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي وقائد اليونيفيل الجنرال مايكل بيري بشأن أداء قوات الأمم المتحدة في لبنان بمناسبة زيارة سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي في 11 تموز/يوليو. ووفقاً للتقارير، بعد أن أثنى الجنرال بيري على الهدوء السائد في المنطقة المسؤول عنها وقال إن لا حاجة إلى تغيير نشاطات اليونيفيل هناك، اختلف اللواء كوخافي معه في الرأي بقوله إن الجيش اللبناني يمنع قوات اليونيفيل من الدخول إلى المنطقة المبنية، وهو بذلك يساعد في استمرار نشاط حزب الله في المناطق المأهولة. وذُكر لاحقاً أنهم بحثوا في إسرائيل مع السفيرة هايلي امكانية تمرير قرار جديد في مجلس الأمن لإبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، وتوسيع صلاحيات قوات اليونيفيل لفرض تطبيق القرار 1701 الذي تستند إليه صلاحيات هذه القوة. وكانت الذروة في الانتقادات الحادة وغير المسبوقة التي نُقلت عن مسؤولين كبار في الجيش حيال اليونيفيل، وصفهم أن العلاقات مع هذه القوات في حالة أزمة صعبة: "قوات الطوارئ الدولية تساعد حزب الله... ليس هناك أي حاجة لاستمرار وجود كتائب اليونيفيل في المنطقة. ضررها أكبر من نفعها، فهي تفعل ما يريده حزب الله ولا تجرؤ على رفع رأسها والقيام بمهمتها.. ومن الأفضل أن تُخلي المنطقة." إن مجموعة هذه الملاحظات التي تعكس موقف المؤسسة الأمنية والحكومة الإسرائيليتين، تعبر أيضاً عن تغيير في سياسة إسرائيل بالمقارنة مع العقد الأخير.

•الثغرات في تطبيق القرار 1701 ليست جديدة، وهي تميّز عمل قوات اليونيفيل منذ إعادة تشكيلها بعد حرب لبنان الثانية وزيادة عدد قواتها من 2000 إلى 12000 شخص. ومنذ استقرار الوضع بعد الحرب بلور حزب الله قواعد عمل في جنوب لبنان مستغلاً خوف الدول المساهمة في هذه القوات من المس بعناصرها التي تخدم في اليونيفيل إذا أظهروا نشاطاً مبالغاً فيه عند القيام بمهماتهم مثلما حدث في هجوم حزب الله على الكتيبة الإسبانية في حزيران/يونيو 2007 الذي أدى إلى وقوع ستة قتلى. إن المبدأ الأساسي في تفسير التفويض الممنوح لقوات اليونيفيل، والذي هو أن تقوم الحكومة في لبنان والجيش اللبناني في المحافظة على سيادته على أرضه، يستخدم كتبرير دائم لعدم القيام بأي عمل مستقل.

•تظهر دراسة تقارير الأمين العام للأمم المتحدة المقدمة إلى مجلس الأمن منذ شباط/فبراير 2016 استمراراً في صيغ وأساليب التقارير المعروفة منذ العقد الأخير. في هذه التقارير تشيد الأمم المتحدة بالهدوء في المنطقة وبنجاح آليات التنسيق والاتصال في منع وقوع حوادث وفي حل المشكلات الجارية على طول الحدود، مثل ترميم بنى تحتية، وخروق من جانب مزارعين ورعاة لبنانيين. وتتحدث القوة المؤلفة من 10500 جندي وبضع مئات من المدنيين والعاملين المحليين عن تنفيذ 1300 عملية شهرياً (دوريات ومراقبة) من بينها حوالي عشرة بالمئة من العمليات برفقة الجيش اللبناني الذي ينشط لواءان له في المنطقة. ويقوم سلاح البحر اللبناني بمئات عمليات التفتيش، ولكن من دون العثور على شيء. وتشدد الأمم المتحدة في تقاريرها على الكمية في النشاطات على حساب النوعية، وتشيد باستمرار الهدوء بين الطرفين.

•بالإضافة إلى ذلك تقدم القوة تقارير عن نشاطات روتينية لـ"مصورين مدنيين" (أي نشطاء حزب الله بلباس مدني) على طول الخط الأزرق، بما في ذلك عبور إلى الجانب الإسرائيلي، وعن مجموعة حوادث تتحدث عن سوء معاملة من جانب مدنيين منظمين لدوريات اليونيفيل وقطعهم الطريق عليها ومهاجمتها بالعصي والحجارة مما ألحق ضرراً بالآليات، وعن تهديدها بالسلاح، والاستيلاء على أجهزة إلكترونية وخرائط. وتوصف هذه الحوادث في اللغة التي تستخدمها الأمم المتحدة "بسلوك غير ودي"، وأحياناً "خطر"، لكن يبرز الحرص على عدم اعتبارها نشاطات عسكرية ممنوعة، كما يبرز الحرص على عدم نسبتها إلى حزب الله. 

•بالنسبة إلى سلاح حزب الله الذي يعتبر المشكلة الجوهرية في القرار 1701، تذكر التقارير (بصيغة ثابتة كل 3 شهور) ادعاءات الجيش الإسرائيلي بشأن البنية التحتية العسكرية ونشاطات حزب الله في جنوب لبنان، وفي مقابلها تعرض التقارير نظام المراقبة في اليونفيل، قائلة "وفقاً للتفويض الممنوح لها لا تبحث القوات عن السلاح في ممتلكات خاصة إلاّ في حال وجود دلائل موثوقة تدل على خرق القرار 1701، ووجود خطر مباشر لأنشطة معادية من هذه الأماكن.. وعندما تكون هناك معلومات موثوقة.. فإن اليونيفيل بالتعاون مع الجيش اللبناني تصرّ على العمل بكل الوسائل وفي إطار التفويض الممنوح لها.. وحتى الآن لم تحصل اليونيفيل على ولم تجد، دلائل تدل على نقل سلاح غير مسموح به إلى المناطق الواقعة في نطاق مسؤوليتها". لقد بقيت هذه الصيغة على حالها أيضاً بعد وقوع عشرات حوادث إطلاق النار على إسرائيل من جنوب لبنان، بما في ذلك إطلاق صواريخ في كانون الثاني/يناير 2015 (مما أدى إلى مقتل جنديين) والصواريخ في كانون الأول/ديسمبر 2015. وعملياً امتنعت اليونيفيل دائماً عن استخدام القوة للقيام بمهمتها، كما امتنعت عن الدخول إلى ممتلكات وأراض هي "ممتلكات خاصة" والبحث فيها. وهذا ما جرى أيضاً في حوادث مثل انفجار مخازن للسلاح تابعة لحزب الله، وعندما اصطدمت قوات اليونيفيل نفسها بنشطاء مسلحين، وأيضاً عندما امتنعت عن التحرك بعد حصولها على معلومات دقيقة نقلها إليها مرات كثيرة الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك في الوقت الفعلي لحدوث ما يستدعي تحركها.

•في تقرير الأمم المتحدة العائد إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2016، تُذكر شكاوى السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة من تعاظم قوة حزب الله، وكذلك تصريحات كبار المسؤولين في حزب الله المتعلقة بزيادة عدد الصواريخ التي يملكها الحزب بدعم من إيران، ما يشكل خرقاً لقرار مجلس الأمن في هذا الشأن. لكن في ضوء اتفاق بين الطرفين بأن تعاظم قوة حزب الله هو حقيقة فعلية، تمسك التقرير بالصيغة القانونية التي تقول إن الأمم المتحدة "ليست في موقع يسمح لها بتأكيد ذلك بصورة مستقلة". لذلك، واستمراراً، فإن بنود التقارير التي تعالج موضوع السلاح الممنوع في لبنان تُخصص لأمور ثانوية مثل سلاح الصيادين وإطلاق النار في الأعراس وفي الجنازات.

•يرسم هذا الوضع بوضوح الواقع الأمني في جنوب لبنان، حيث رسخ حزب الله قدرة عسكرية واسعة النطاق، ومنع اليونيفيل عن كشفها، ومؤخراً يبذل جهداً أقل في إخفائها، ومن جهة أُخرى يرسم عدم استعداد الأمم المتحدة لإعلان هذا الوضع بصورة رسمية ومواجهته، لا في صوغ التقارير ولا في استخدام قواتها.

•إن أهداف إسرائيل في مواجهة لبنان ما تزال في جوهرها، بما له صلة بموضوعنا، على حالها: منع الهجمات على إسرائيل، وإبعاد المواجهة المقبلة، وإبطاء تعاظم قوة حزب الله وتقليصها (وأيضاً كجزء من نفوذ إيران)، والمحافظة على العلاقات مع المجتمع الدولي، وتوفير الشرعية لإسرائيل كي تقوم بعملية عند الضرورة. 

•في النقطة الزمنية الحالية، وفي ضوء أهدافها، تقف إسرائيل أمام خمسة بدائل عمل أساسية: أ- السعي نحو تنفيذ فعلي للقرار 1701 ومهمة اليونيفيل كما يحددها التفويض الممنوح لها؛ ب- استمرار الوضع القائم؛ ج- تقليص عدد قوات اليونيفيل؛ د- إخراج قوات اليونيفيل وإبقاء قيادة المهمة ومكاتب التنسيق والاتصال؛ هـ- إنهاء مهمة اليونيفيل ووجودها في لبنان.

•إن احتمال تحقق البديل (أ) هو موضع شك لأن الظروف السياسية لا تسمح بتغيير مهمة اليونيفيل، ولن تسمح الدول المساهمة لنفسها بتحمل مخاطر كبيرة لتنفيذ هذه المهمة. ومع ذلك فإن إدارة ترامب تبدي نشاطاً في الأمم المتحدة، بما في ذلك القيام بخطوات لتقليص الميزانيات التي تقدمها للأمم المتحدة وقوات حفظ السلام. فالولايات المتحدة تموّل نحو 30% من ميزانية قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة البالغة نحو 8 مليار دولار، وهي مهتمة بتقليص هذا التمويل بصورة كبيرة. إن معدّل الميزانية السنوية لليونيفيل في العقد الأخير هو نحو 515 مليون دولار. وقد اقترح طاقم تقويمي في الأمم المتحدة مؤخراً تقليص 13 مليون دولار، لكن الولايات المتحدة تسعى إلى تقليص 100 مليون دولار. تسمح هذه الظروف بعلاقة مريحة أكثر لمناقشة مطالب إسرائيل من الأمم المتحدة ومن اليونيفيل، بدعم الإدارة الحالية في الولايات المتحدة.

•من الواضح أن البديل (ب) ليس مرغوباً من جانب كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي، لكن من الصعب أن نفهم من تصريحاتهم إذا كان هدفهم هو تحسين أداء اليونيفيل أو جعل عدد هذه القوة يتناسب مع استعدادها للقيام بمهمتها، أي تقليص عديدها أو إنهاء مهمتها. 

•لدى تحليل البدائل والمفاضلة بينها يجب أن نفحص انعكاسات كل بديل على الجوانب التالية: هامش حرية الحركة في حزب الله في أعقاب تغيير محتمل لليونيفيل، علاقة حزب الله بالجيش اللبناني، مقدار الشرعية التي لإسرائيل بصورة عامة وبصورة خاصة لدى نشوب مواجهة مستقبلية مع لبنان، علاقة إسرائيل مع الدول المساهمة، تركيبة قوات اليونيفيل وحجم مشاركة دول غربية أساسية فيها، حرية التحرك العسكري في الأيام العادية وفي أوقات الطوارئ، استعداد المجتمع الدولي للقيام بمهمة تهدئة في محيط إسرائيل في المستقبل. والأهم من كل ذلك، ما إذا كان جوهر التغير في مبادرة إسرائيل سيعتبر كخطوة تصعيدية مخططة من جانبها، ويقرب المواجهة القادمة.

•ختاماً، منذ العام 2006 تقوم قوات اليونيفيل بنجاح بمهمتها في تقليل الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي ولبنان بواسطة آليات تنسيق واتصال، وهي بذلك تساهم في المحافظة على الهدوء ومنع نشوب مواجهات. ومع ذلك، امتنعت على الدوام عن مواجهة الخروق الأكثر أهمية للقرار 1701، وهي المكلفة الإشراف على تطبيقه، ونعني بذلك ترسّخ حزب الله عسكرياً واستمرار نشاطه في منطقة تقع ضمن مسؤوليتها. إن معقولية تغيير القرار 1701، ومهمة اليونيفيل أو طريقة عملها، تبدو منخفضة جداً في المدى المنظور. لذا ثمة مجال لبلورة سياسة محدثة وواقعية للوضع الذي ترغب فيه إسرائيل في لبنان، وعدم الاكتفاء بتصريحات في الاعلام.

•وحتى إذا قررت إسرائيل العمل على تقليص عدد قوات اليونيفيل في لبنان بما يتلاءم مع طبيعة نشاطها، فمن المهم إجراء حوار مهني وجدي عبر القنوات الملائمة مع قيادة الأمم المتحدة، ومع الدول المساهمة الصديقة، وبتنسيق وثيق مع الولايات المتحدة التي غيرت في الآونة الأخيرة مقاربتها تجاه مؤسسات الأمم المتحدة ونشاطاتها. وثمة شك كبير في أن التصريحات العلنية الحادة التي سمعناها مؤخراً من جانب مسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي يمكن أن تدفع قدماً بأهداف إسرائيل في مواجهة الساحة الشمالية ومع شركائها في الساحة الدولية.