•بدأ الأمر بتسريب خبر لصحيفة كويتية عن إقامة مصانع للسلاح الإيراني في لبنان، واستمر مع إعلان رسمي لرئيس الاستخبارات العسكرية اللواء هارتس هيلفي أكد فيه التفاصيل، وتطور مع ما نشرته "يديعوت أحرونوت" أمس عن المعضلة التي تواجهها المؤسسة الأمنية بشأن هل يتعين عليها مهاجمة المصنع أم لا، ووصل إلى حد تصريح وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ظهر أمس بأن "إسرائيل لا تنوي المبادرة إلى حرب". هذه هي باختصار لعبة الأدمغة الكبيرة التي تدور في هذه الأيام بين هاكرياه [مقر هيئة الأركان العامة للجيش الإسرئيلي]، ومكاتب الحرس الثوري الإيراني في طهران، ومخبأ زعيم حزب الله حسن نصر الله في لبنان. وفي نهاية الأمر، فإن هدف اللاعبين الثلاثة هو منع الحرب، ولكن رسم خطوط حمراء واضحة للطرف الآخر.
•ويتبيّن لنا لدى الربط بين كل التفاصيل الجديدة التي تكشفت في الأيام الأخيرة أن مَن بادر إلى إقامة المصانع هم الإيرانيون وليس حزب الله، وليس واضحاً البتة إلى أي حد يهم التنظيم الشيعي إقامة مصنع سلاح يمكن أن يورطه في مواجهة مع إسرائيل. إن الحرس الثوري الإيراني الذي قلّص قبل أكثر من عام حجم المساعدة المالية التي يقدمها إلى حزب الله، فهم أن أسلوب شحن السلاح ليس ناجعاً في ضوء عمليات العرقلة المنسوبة لإسرائيل. واختار الإيرانيون لأسباب اقتصادية وعسكرية خيار إنشاء مصانع سلاح على أرض لبنان، انطلاقاً من معرفتهم بأن هذا بمثابة "بطاقة تأمين". فالجيش الإسرائيلي لم يلجأ إلى شن هجمات في لبنان، لا ضد شحنات سلاح كانت تصل إلى هناك، ولا ضد منظومات سلاح موجودة هناك.
•من الممكن تقدير أن المصانع هي في المراحل الأولى من إنشائها. ووفقاً لتصريحات رئيس الاستخبارات العسكرية هليفي، ورئيس الأركان غادي أيزنكوت، فلدى الجيش صورة استخباراتية جيدة بشأن استعدادات حزب الله في لبنان، ويمكن افتراض أن هذه الصورة ستبقى موجودة في كل مراحل التخطيط وبناء المصانع.
•لقد اختار وزير الدفاع بالأمس القول إنه "يفكر مثل رئيس الاستخبارات العسكرية، وأن إسرائيل تعرف كيف تتصرف". ومن المعقول افتراض أنه جرى في المقابل تمرير رسائل تهدئة إلى حزب الله مفادها أن إسرائيل لا تنوي شن هجوم. ليس واضحاً كيف سيستقبل الطرف الثاني التصريحات والرسائل المختلفة، لكن يجب أن نتذكر أن ليبرمان لم يعتد رسم خطوط حمراء بصورة رسمية، وهو يفضل عدم التهديد، وإذا دعت الحاجة سيهاجم. لقد أضاف ليبرمان "المصانع لن تصدأ"، غامزاً بذلك من قناة موشيه (بوغي) يعلون، الذي صكّ هذا التعبير عندما تطرق إلى صواريخ حزب الله (وهي بالفعل لم تصدأ بل أطلق القسم الأكبر منها على إسرائيل في حرب لبنان الثانية). ومن المعقول افتراض أنه في جميع الأحوال، فلن تهاجم إسرائيل المصانع خلال المراحل الأولى من إنشائها لأسباب عسكرية (ستنتظر إسرائيل إلى أن ترى ما هي المصانع التي أقيمت وماذا تنتج)، ولا قبل أن تستنفد المجال الدبلوماسي. في هذه الأثناء، الضغط موجه إلى دولة لبنان التي لها السيادة على أرضها. بالنسبة إلى إسرائيل لبنان هو المسؤول عن إنشاء المصانع مثلما هو مسؤول عن الضرر الذي ستلحقه الحرب به.
•يركز حزب الله جهده على زيادة قدرته النارية، حجماً ومدى ودقة، أي ما يسمى "ثلاثية نارية". وبالنسبة إلينا، إنشاء مصنع في لبنان، ينقل مركز الثقل من سورية إلى لبنان مع "بطاقة ضمان" في وجه الهجمات، وهذا بمثابة حل أمثل لكنه بعيد التحقيق.
•أين يوجد حزب الله اليوم؟ لقد راكم الحزب تجربة عسكرية كبيرة من خلال القتال في سورية، وتعرف إلى أسلحة جديدة وقدرات متطورة، وعمل ويعمل ضمن أطر قتالية في التدريب واستخدام النار. وكل هذا أعّده من أجل تحقيق أهداف الحرب المقبلة: الغزو البري، إطلاق صليات صواريخ، والقتال تحت الأرض.
•على الرغم من ذلك، فإن نصر الله غير معني بالدخول في حرب ضد إسرائيل أيضاً بسبب غرقه في الوحل السوري، ولأنه منذ اغتيال مصطفى بدر الدين قبل أقل من سنة، ليس لدى حزب الله رئيس أركان.
•يعتقد ليبرمان أنه منذ حرب لبنان الثانية التي وصل إليها الجيش الإسرائيلي غير مستعد لأنه كان غارقاً في وحل الانتفاضة الثانية، تغيرت موازين القوى. فهناك فجوة كبيرة في مواجهة حزب الله تتجلى في وتيرة النيران، ودقة المعلومات الاستخباراتية، وفي جميع المجالات الأخرى تقريباً.
•وفي النهاية، إن التخوف الحقيقي هو من حدوث خطأ في التقدير - تفسير غير صحيح للوقائع والرسائل التي يجري نقلها - يمكن أن يؤدي إلى تصعيد غير مخطط له. وعلى ما يبدو، فإن هجوماً مباشراً وفقاً لجميع المعطيات ليس مطروحاً، لكن يمكن تقدير أن إسرائيل لن تمتنع عن ذلك. إن الهجوم هو السبيل الوحيد لإحباط إنشاء معمل، ولقد شاهدنا في الماضي حوداث نجحت خلالها يد مجهولة في تخريب منشآت مشابهة بواسطة فيروسات هاجمت كمبيوترات، أو مهندسين لاقوا حتفهم في ظروف غامضة.