صراع مصر ضد الإرهاب في سيناء: تحالف مع العشائر، وتعاون مع إسرائيل؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

•في أعقاب عدم نجاح مصر في محاربة الإرهاب السلفي الجهادي في سيناء، وانزلاق هذا الإرهاب إلى قلب مصر نفسها، تنتقل مصر إلى مرحلة جديدة في محاربة الإرهاب تتميّز بتعبئة العشائر البدوية في سيناء لمحاربة "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وخطة لتحسين الوضع الاقتصادي في سيناء، والتعاون الوثيق مع إسرائيل. وبينما تسلط الأضواء على العنصر الأول، فإن التعاون الأمني مع إسرائيل المرتبط بظروف محددة، يمكن أن يتوقف عندما تُحل مشكلة مصر في سيناء. 

•هدفت الهجمات القاسية التي شهدتها مصر وأسفرت عن مقتل عشرات الأبرياء، إلى الاستهزاء بوعود نظام السيسي بتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين، كما ألقت بظلالها على المساعي الكبيرة التي يبذلها النظام لجذب السياحة والاستثمارات إلى مصر. وقد دفع الفشل المستمر في القضاء على الإرهاب السلطات المصرية إلى اختبار وسائل جديدة وأكثر فعالية، وذلك مع بلورة الإدراك بأن الحصول على تعاون السكان من أبناء العشائر البدوية في سيناء يشكل شرطاً أساسياً وضروياً للقضاء على تنظيم "داعش". ولهذه الغاية اتُخذت خطوتان أساسيتان: في المدى القصير، تشكيل ائتلاف من العشائر البدوية للمساعدة في محاربة التنظيمات الجهادية السلفية التي تنشط في سيناء؛ وفي المديين المتوسط والبعيد، تشجيع مشاريع تحقق الرفاه المادي للسكان البدو في شبه جزيرة سيناء، مما سيجعل من الأسهل على الدولة المصرية الحصول على ولائهم.

•يضاف إلى هاتين الخطوتين التفاهمات الأولية التي توصلت إليها مصر في مطلع 2017 مع "حماس" لكبح تهريب سلاح ومقاتلين بين سيناء وقطاع غزة. وفي المقابل، تواصلت العمليات العسكرية المصرية في سيناء، التي في إطارها تتعاون مصر مع إسرائيل تعاوناً تكتيكياً صامتاً.

•شهدت الأشهر الأخيرة دخول لاعب جديد إلى المعركة- قوة مسلحة من العشائر المحلية تعمل بالتنسيق مع الجيش المصري وتحظى بدعمه اللوجستي. في 31 آذار/مارس عُقد مؤتمر شارك فيه زعماء عشائر في سيناء أعلنوا في نهايته أنهم يقفون متحدين في دعم الجيش المصري في محاربة الإرهاب في سيناء. ورداً على ذلك، في 16 نيسان/أبريل، هاجمت ولاية سيناء مقر زعامة عشيرة الطرابين في رفح، فأطلقت صاروخاً عليها، وأحرقت سيارتين كانتا تقلان حمولة من السجائر المهربة. وأدى الهجوم إلى نشوب اشتباكات مسلحة بين أفراد العشيرة ومقاتلي ولاية سيناء، نجح خلالها أفراد العشيرة في خطف عدد من نشطاء جهاديين رداً على خطف رجل أعمال بدوي.

•وعلى خلفية العنف المتصاعد بين عشيرة الطرابين وأنصار ولاية سيناء، أعلنت أربع عشائر بدوية، الطرابين والسواركه والتياهه والرميلات، إنشاء حلف ضد ولاية سيناء. وأعلن الشيخ إبراهيم العرجاني من عشيرة الطرابين أن العشائر اتفقت على تطهير سيناء من عناصر تنظيم داعش "بالتنسيق مع قوات الجيش المصري".

•إذا تأكد أن التحالف مع العشائر قادر على الاستمرار وفعال في مواجهة عناصر ولاية سيناء، فإن هذا يمكن أن يبشر بمنعطف في المعركة من شأنه أن يساعد في تقليص قوة ولاية سيناء، وأيضاً في توجيه ضربة حاسمة ضدها. 

•المساعدة التي تستطيع العشائر تقديمها يمكن أن تكون من خلال تقديم المعلومات الاستخبارية (التي هي أساسية لحرب فعالة ضد الإرهاب)، والامتناع عن إيواء عناصر من ولاية سيناء، وسد قنوات التهريب وإغلاقها، والمشاركة في القتال نفسه. لكن على الرغم من ذلك ثمة خطر في أن السلاح الذي تعطيه الدولة حالياً للعشائر قد يتحول في المستقبل ضد السلطة الحاكمة، أو قد يستخدم لتصفية حسابات داخلية بين العشائر. 

•من أجل تقليص المخاطر وبناء علاقات من الثقة المتبادلة مع العشائر، يتعين على مصر استكمال هذه الخطوة بخطوات حازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية في شبه جزيرة سيناء، ومعالجة الشعور بعدم الانتماء الذي يشعر به المواطنون البدو الذين عانوا لسنوات طويلة من الإهمال والإقصاء.

•بينما التحالف الذي أقامه النظام المصري مع العشائر في سيناء علني لكنه هشّ. فإن التعاون مع إسرائيل وفقاً لتقارير صحافية، سري ومزدهر. يجب أن تكون لإسرائيل مصلحة مباشرة في تحسين السيطرة الأمنية والمدنية في شبه جزيرة سيناء، وفي زيادة فاعلية المعركة التي تخوضها مصر ضد الإرهاب، سواء لأن ولاية سيناء بادرت إلى القيام بعمليات إرهابية ضد إسرائيل، أو لأنها أطلقت صواريخ وتهدد بإطلاق المزيد، أو لأن هذه التنظيمات يمكن أن تشكل جزءاً من تحالف عسكري مع "حماس" لدى نشوب مواجهة عسكرية في المستقبل في غزة. وفي ضوء هذه المصلحة الإسرائيلية- المصرية المشتركة، سمحت إسرائيل للجيش المصري بأن يُدخل إلى مناطق منزوعة السلاح قوات أكبر مما هو مسموح به وما اتفق عليه في الملحق العسكري لاتفاقية السلام. ووفقاً لـ مقال نشر في "بلومبرغ"- لم تؤكده إسرائيل ومصر، لكنهما لم تكذباه أيضاً- فإن درجة الثقة بين الدولتين وصلت إلى حد أن إسرائيل تزود مصر بتكنولوجيا عسكرية واستخباراتية عملانية، وتستخدم في سيناء طائرات من دون طيار بموافقة القاهرة.

•لكن، على الرغم من تحول إسرائيل ومصر إلى شريكين غير رسميين في محاربة الإرهاب، فإن الطبيعة الدقيقة لهذه العلاقات محصورة بمجموعة قليلة من العسكريين، ولم تصل حتى الآن إلى نقطة تشكل منعطفاً نوعياً في علاقات السلام. ويظهر ذلك من خلال عدم حصول إسرائيل على تقدير علني وسط الرأي العام المصري على مساهمتها في محاربة ولاية سيناء. والأمر المنافي للعقل اتهام إسرائيل في الصحف الرسمية من وقت إلى آخر بأنها هي التي تقف وراء تنظيمات إرهابية تنشط في سيناء. 

•من الواضح أن النظام المصري يشعر بعدم الارتياح حيال التعاون العسكري مع إسرائيل في سيناء، ويعتبره ضرورة لا يرغب فيها فرضتها على مصر مصالح موقتة في نقطة زمنية محددة ويمكن أن تزول لحظة تسمح الظروف الأمنية بذلك. وبالفعل، تحرص القيادة المصرية على عدم منح العلاقات الأمنية مع إسرائيل بعداً استراتيجياً بعيد المدى. علاوة على ذلك، ما تزال مصر تتحفظ على توجيه الثقة التي نشأت بين المستوى العسكري المصري- الإسرائيلي في سيناء نحو ساحات عمل أخرى تربط الدولتين فيها مصالح مشتركة، ناهيك عن أن يكون المقصود تعاوناً مدنياً في مجالات الاقتصاد، والعلوم، والثقافة.

•هذا الوضع يفرض محافظة القدس على يقظتها حيال التآكل الذي طرأ في السنوات الأخيرة على الملحق العسكري لاتفاقية السلام، والمترافق مع تعاظم كثيف في قوة الجيش المصري