•إن المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في الرياض عاصمة السعودية، بمشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هو فرصة للسلام الكامل، وأيضاً خطر على المدى البعيد إذا ضاعت هذه الفرصة. لقد نقل ترامب رسالة مهمة من خلال سابقة انتقاله مباشرة من الرياض إلى مطار بن غوريون في إسرائيل.
•وعلى الرغم من الفرح الشديد الذي ساد في السعودية بعد الدعم غير المحدود الذي أبداه الرئيس الأميركي الجديد للسعودية وموقفه الواضح ضد إيران، فإن المعطيات في ذلك البلد لا تُبشر بالخير. ومن غير المتوقع حدوث تغير في العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية تسمح بحدوث الانعطافة السياسية المرجوة. وبين فرص ومخاطر، وسلام وحرب، هل ثمة مجال للتفاؤل؟
مؤشرات إيجابية
•هل الملك سلمان بن عبد العزيز الذي وصل إلى الحكم قبل عامين ونصف العام يبشر بسلام قريب آتٍ؟ لقد طُرح الاقتراح السعودي للسلام منذ مطلع الألفين، وقريباً سيمر 20 عاماً من دون تحقيقه ومن دون بحثه بجدية من الطرفين. وفي أساس الاقتراح هناك المبدأ الذي يسمى بالعربية "سلام شامل وكامل"، أي أن على إسرائيل أن تعطي كل شيء- تتنازل عن المناطق التي احتلتها في سنة 1967، وتقدم حلاً عادلاً للاجئين الفلسطينيين مقابل الحصول على تطبيع كامل مع العالم العربي، التي تتباهى السعودية بتمثيله.
•منذ ذلك الحين وحتى اليوم ازدادت المصالح المشتركة بين السعودية وإسرائيل في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية. فقد أظهرت الثورات في العالم العربي مساعي إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة كقوة عظمى شيعية. وثمة تخوف مشترك في السعودية وإسرائيل من القوة الصاعدة لإيران. وروسيا هي حليف لإيران والنظام السوري المخلص لإيران. وفي المقابل، فإن إسرائيل والسعودية هما أهم حليفين للولايات المتحدة في المنطقة. والدولتان حليفتان مركزيتان، الأولى على الصعيد الاستراتيجي، والثانية على الصعيد الاقتصادي بصورة أساسية. وتتعرض إسرائيل والسعودية للتهديد ليس فقط من جانب العالم الشيعي والأذرع التابعة لإيران حزب الله في لبنان والمتمردون الحوثيون في اليمن، بل أيضاً من جانب تنظيمات إرهابية سنية – "حماس" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
مؤشرات سلبية
•لقد كانت قرارات القمة الإسلامية موجهة ضد إيران وضد إرهاب داعش. ووقعت السعودية مع الولايات المتحدة اتفاقات غير مسبوقة لشراء سلاح. وستقيم القمة في السنة المقبلة "الائتلاف الاستراتيجي الشرق أوسطي" الذي ستكون قيادته في الرياض. وسيبلغ عديد القوة العسكرية في البداية 34 ألف جندي، وستكون مسؤولة عما يسمى "إحلال السلام"، و"محاربة الإرهاب". وستشكل هذه القوة عملياً استمراراً مباشراً للائتلاف السابق الذي أنشأه السعوديون لمحاربة الحوثيين في اليمن، الذين يهددون طرق النفط. صحيح أن أهداف هذه القوة تبدو إيجابية على المدى القصير، لكن لا أحد يعرف ماذا ستكون أهدافها في السنوات المقبلة.
•أكثر من مرة اعتبرت الدول السنية المعتدلة عمليات إسرائيل في المناطق [المحتلة] "عمليات إرهابية". ونذكّر أنه في المرات السابقة التي أُنشئت فيها قوة عربية كبيرة مشتركة أدى ذلك إلى حرب شاملة ضد إسرائيل- حرب 1948، وحرب الأيام الستة حزيران/يونيو 1967، وحرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]. صحيح أن الظروف تغيرت منذ ذلك الوقت تغيراً جذرياً، لكن الوضع في الشرق الأوسط مائع ولا يمكن توقعه.
•تحرص السعودية على عدم إقامة علاقات علنية مع إسرائيل، وعلى الصعيد الدعائي، يصوّر رجال الدين في السعودية إسرائيل بشكل لا يقل سلبية عما تفعله إيران. هذا الواقع، بالإضافة إلى قوة رجال الدين في الدولة السعودية التي أقيمت بالاستناد إلى الأيديولوجيا الوهابية المتطرفة، يطرحان علامات استفهام بشأن جدية اقتراح "السلام الكامل". بالإضافة إلى ذلك تقرر في قمة الرياض تشكيل قيادة في الرياض "لمحاربة التطرف وتشجيع التعاون والتسامح بين الأديان". فهل يمكن التعامل بجدية مع قرار من هذا النوع في دولة تطبق فيها قوانين الشريعة الإسلامية؟
هل ثمة مكان لتفاؤل في إسرائيل؟
•يبدو أنه لا توجد فرصة كبيرة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية في هذا الوقت. فالأحزاب اليمينية في الحكومة الإسرائيلية ستعمد إلى إسقاط الحكومة إذا دعا رئيس الحكومة إلى نقاش جدي للتقدم في المفاوضات وإعطاء الفلسطينيين مناطق [محتلة].
•وفي الجانب الفلسطيني أيضاً ليس هناك جديد منذ عشرة أعوام. الانقسام الداخلي الفلسطيني ما يزال في ذروته وليس هناك اتفاق بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و"حماس" في قطاع غزة على أي موضوع، وبخاصة على موضوع المفاوضات مع إسرائيل. ولا يستطيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يلتزم أمام إسرائيل بالسلام مع غزة التي لا يسيطر عليها. وحتى "حماس" ليست مستعدة أبداً للاعتراف بالاتفاق بين السلطة وإسرائيل على أساس حدود 1967، لأنها لم تغير مواقفها الجهادية منذ قيامها قبل 30 عاماً.
•مع الأسف الشديد، وعلى الرغم من التهديد الإيراني الذي يشمل إسرائيل والعالم السني، فإن الشروط السياسية هي اليوم أسوأ مما كانت عليه في فترة اتفاق أوسلو، لأنه على الرغم من التصريحات الجميلة في الإعلام، لا توجد عملياً إرادة أو رغبة بين زعماء الطرفين في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني للتوصل إلى اتفاق. والوصاية السعودية لا تستطيع المساهمة في الدفع قدماً بالسلام.
•بناء على ذلك، وبسبب قرار المحور السني اشتراط التقدم الدبلوماسي على المستوى العربي الشامل بالتقدم على المستوى الفلسطيني، فإن مبادرة ترامب على الأغلب ستفشل مثل المبادرات التي سبقتها - مبادرة أوباما، وبوش، وكلينتون وغيرهم.
•ومع ذلك، فالسلام مع السعودية يمكن أن يشكل منعطفاً في علاقات إسرائيل بدول المنطقة. وربما، وخلافاً لكل التوقعات، فإن المفاوضات مع الفلسطينيين يمكن أن تؤدي إلى منعطف مع دول الخليج ومع السعودية. ونذكّر بأن المفاوضات مع الفلسطينيين في عملية أوسلو التي فشلت في النهاية، هي التي سمحت باتفاق السلام الذي وُقع مع الأردن في تلك الفترة.