•على الورق تبدو خطط تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا والأردن ومصر صفقات خيالية. لكن قبل المبالغة في التوقعات، يجدر تخصيص بضعة دقائق لمراجعة دروس الماضي غير البعيد فيما يتعلق بصفقات كهذه. في الأسابيع الأخيرة جرى الكشف عن تفاصيل كثيرة لها علاقة بإحدى أكبر قضايا الفساد التي شهدها القرن الأخير - صفقة استيراد الغاز من مصر بواسطة شركة EMG التي أنشأها يوسي ميمان وشريكه المصري حسين سالم.
•تدل هذه الصفقة على أن الغاز الذي يجري الحصول عليه بثمن زهيد وبطريقة غير شريفة وفاسدة يُدفع ثمنه غالياً في نهاية الأمر. كما تدل على عدم وجود قيمة للاتفاقات بين حكومتي إسرائيل ومصر وللتعهدات المصرية بضمان التزود بالغاز، وعلى أن الحكومة الإسرائيلية لن تساعد مستهلكي الكهرباء الإسرائيليين إذا اعتقدت أنها بذلك يمكن أن تعرض علاقاتها الاستراتيجية للخطر.
•لقد أفلست شركة EMG بعد أن توقفت شركات غاز حكومية مصرية فجأة عن تزويدها بالغاز في سنة 2012. أمّا الشكاوى التي رفعتها الشركة ضد الحكومة المصرية وضد شركات الغاز الحكومية فقد جرى النظر فيها في عدد من دول العالم، وصدرت أحكام في بعضها لصالح شركة EMG وأُمر بأن يُدفع لها مئات الملايين من الدولارات.
•في سنة 2011، وفي قمة نشاط شركة EMG، كان لديها عقود لتزويد المستهلكين الإسرائيليين- وعلى رأسهم شركة الكهرباء - بقيمة نحو 20 مليار دولار. ولم تمنع حقيقة عدم امتلاك هذه الشركة أي رصيد سوى أنبوب غاز واتفاق سري حصري لاستيراد الغاز من مصر، أي جهة مؤسساتية في إسرائيل من شراء 4,2٪ من أسهمها، بقيمة أسطورية تقدر بـ2,2 مليار دولار. ووفقاً للمداخيل المتوقعة من اتفاقات الغاز منحت المصارف، وعلى رأسها مصرف ديسكونت، قرضاً سخياً إلى مجموعة أمبيل، الشركة العامة التابعة لميمان، والتي احتفظت بنحو 12٪ من أسهم EMG.
•لكن قصة الغرام الإسرائيلية - المصرية انتهت بانفجار، وبصورة أدق بـ 12 انفجاراً في المنشآت وفي مختلف أقسام الأنبوب على طول الشبكة التي تنقل الغاز المصري في سيناء. ولدى وقوع الانفجارات الأولى سارع المصريون إلى إصلاح الضرر وإلى معاودة التزويد بالغاز، لكن تغيير النظام في مصر وضع حداً لمحاولات الإصلاح هذه.
•وفي نيسان/أبريل 2012 ألغت مصر من طرف واحد اتفاق الغاز مع EMG على الرغم من "مظلة اتفاق" سياسي وُقع سنة 2005 بين وزير البنى التحتية آنذاك بنيامين بن- إليعيزر ونظيره المصري، تعهدت فيه الحكومة المصرية بضمان تزويد إسرائيل بالغاز.
•لقد كلفت هذه المغامرة مستهلكي الكهرباء في إسرائيل ما بين 15 و20 مليار شيكل، والجزء الأكبر من هذا المبلغ كان ضرورياً من أجل إنقاذ شركة الكهرباء من الإفلاس الفوري بعد أن بقيت من دون غاز واضطرت إلى شراء السولار من أماكن أخرى بتكلفة مرتفعة تقدر بعدة مليارات من الدولارات. وبهذه الطريقة تعرض مستهلكو الكهرباء إلى زيادة في تعرفة الكهرباء تقدر بنحو 30٪، كما تقلصت مدخرات التعويضات لمواطني إسرائيل إلى نحو 350 مليون شيكل، وكان مصرف ديسكونت يصارع من أجل تحصيل قرض بـ70 مليون دولار من شركة أمبيل.
•ووفقاً للتقارير، ونظراً إلى عدم وجود طرف إسرائيلي رسمي مستعد لمتابعة المسألة، قدمت شركة الكهرباء شكوى تحكيم وحصلت على مبلغ يقدر بـ1,7 مليار كتعويض - لكن المحاولات لتنفيذ الحكم لا تجري بسرعة في ضوء الأهمية الاستراتيجية لعلاقات إسرائيل مع مصر.
•إن الفساد العميق الكامن في الصفقة بين شركة EMG وبين السلطات المصرية كشفته المعطيات خلال التحكيم، وهو يتمثل في أن الثمن الذي وافقت عليه مصر لبيع الغاز إلى شركة EMG كان يتراوح بين 0,75 و1,5 دولارات للوحدة. الأمر الذي فيه خسارة لمصر، والذي يُظهر أن الجمهور المصري هو مَن يدعم أرباح EMG وكل المقربين منها والذين لهم علاقة بها. وقد كانت هذه التهمة هي الأساس في محاكمة الرئيس المصري حسني مبارك.
•هذا السعر الذي لا يوازي شيئاً أتاح لـشركة EMG الفوز بالحصة الأكبر في مناقصة شركة الكهرباء في مواجهة شركة يام- تاتيس الإسرائيلية، ومخزون الغاز الفلسطيني التابع لـBG. أمّا الشركات الإسرائيلية الذي رفعت صوتها عالياً فقد حصلت في نهاية الأمر على نصف قيمة العقد بعد أن تعهدت بأن تكون عروضها موازية للعرض المصري. وفي سنة 2009 رفعت مصر سعر الغاز إلى 3 دولارات، لكن الجمهور الإسرائيلي واصل الاستفادة من الأسعار المنخفضة التي دفعتها شركة الكهرباء إلى الشركات الإسرائيلية.
•من هذه الناحية على الأقل، استفاد مستهلكو الغاز في البلد من الفساد ومن محاولة سرقة الشعب المصري. ويبدو أن هذه هي النقطة المضيئة الوحيدة في كل هذه القصة.