•أحداث الهجوم الأخير في سورية، إلى جانب حادث هذا الصباح (الثلاثاء) على حدود قطاع غزة، تعبير عن أحد أهم مراحل السياسة الخارجية والأمنية لدولة إسرائيل، هذه السياسة التي ينتقدها كثيرون صراحة من دون أن ينتبهوا إلى أن دولة إسرائيل تخوض حرباً شاملة يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، بصورة مدروسة وحكيمة، كي تضمن المحافظة على قوتنا هنا في غابة الشرق الأوسط.
•السياسة التي وفقاً لها كانت لإسرائيل "خطوط حمراء"، والتي كانت محجوبة، صارت في الأيام الأخيرة ظاهرة عندما فسر رئيس الحكومة ووزير الدفاع علناً جوهر الهجوم الأخير في سورية، الذي على إثره أُطلق صاروخ حيتس لاعتراض صاروخ سوري فوق وادي الأردن. ولم تمر أيام قليلة حتى علمنا بشأن إطلاق نار مركز لقوات الجيش الإسرائيلي على غزة استهدف أشخاصاً يزرعون عبوات ناسفة في الجانب الثاني من الحدود.
•ما هو جوهر هذه السياسة؟ بالإضافة إلى الإعلان عن خط أحمر، يرسم للطرف الثاني ما يعتبر في نظرنا غير محتمل، فإنها تنطوي أيضاً على إدراك مهم وأساسي: في هذا الوقت الذي يسود فيه عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، أمامنا فرصة ذهبية لبلورة قواعد لعبة للمحافظة على حدودنا في المدى القصير، والأهم من ذلك، بلورة الإطار الشامل في المدى البعيد. إن هذا أمر بالغ الأهمية في وقت لم تعد سورية في إطار الدولة التي عرفناها، ويحاول في حدودنا الجنوبية في سيناء تنظيم داعش تعزيز قبضته.
•أولاً، الشمال: قبل بضعة أيام تحدث قائد رفيع في سلاح البحر عارضاً أمامنا عمق الانتشار الروسي في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويضاف إلى ذلك حجم الانتشار الإيراني في سورية، الذي نواجهه منذ فترة. لقد بدأت قواعد اللعبة تتبلور، وتشكل سياسة إسرائيل منصة تتيح تأسيس علاقة استراتيجية جوهرية مع حكم بوتين، خلال استخدام القوة العسكرية ضد الإيرانيين بطريقة مدروسة. وبذلك، تتوفر شرعية دائمة لاستخدام القوة سواء ضد تهريب السلاح إلى حزب الله، أو في ما يتعلق بضرب البنية التحتية الإيرانية الموجودة على حدود سورية.
•ثانياً، الجنوب: منذ عملية الجرف الصامد برز تغير أساسي عندما ضيّقت مصر الخناق على "حماس"، وأمكن افتراض أن شبكة التهريب على الحدود بين مصر وغزة تضررت بصورة كبيرة، وقلصت مرونة عمليات "حماس" وشكلت "حافزاً" آخر مهماً لردع هذه العمليات. بالإضافة إلى ذلك، هناك الحرب التي تخوضها مصر ضد تنظيم داعش في سيناء، والأخبار التي تأتينا بها من حين إلى آخر من مصادر أجنبية عن "مشاركة" إسرائيلية في هذه الحرب، وكل ذلك يشير إلى جبهة جنوبية متوازنة تستند إلى تفاهم متبادل بين إسرائيل ومصر.
•يشير النموذجان السابقان إلى أن إسرائيل نجحت في تكريس توازن مهم للغاية في الشمال والجنوب، يتيح لها منع نشوء مشكلات في المدى المباشر ويؤثر في المدى البعيد. إن هذه السياسة هي التي تسمح لإسرائيل بأن تكون الدولة العظمى الثامنة في العالم، التي تحوز على الإعجاب بكل المقاييس الاقتصادية والاستراتيجية، وسط بحر هائج.
•حتى الآن كانت هذه السياسة هادئة ومحجوبة، ولكن في الأسبوع الأخير خرجت إلى العلن، والنتائج المترتبة عن ذلك يمكن أن تكون وخيمة. عندما يكون الخط الأحمر علنياً فإنه يتيح للطرف الثاني أن يتحدانا ويجبرنا أحياناً على عدم الالتزام بهذه "الخطوط". ليس صحيحاً دائماً مهاجمة كل هدف، لأن الاعتبارات متنوعة ولا ينبغي أن تقتصر على الجانب العسكري البحت. إن الطرف الثاني في وضع كهذا سيحاول إرباكنا، فيما حسابات الثمن- الفائدة ستفرض على إسرائيل ضبط النفس. ويعتبر ضبط النفس عند "جيراننا" ضعفاً.
•حتى الآن كانت سياسة استخدام القوة بالاستناد إلى العلاقات الدبلوماسية ممتازة، لكن الآن، وبعد أن تحولت إلى سياسة علنية، دخل بُعد جديد هو الحاجة إلى ضبط النفس هنا وهناك، وإلى أن نعرف كيف نشرح ذلك. يجب أن نتعلم من هذا كله أن هناك أموراً من الأفضل عدم التحدث عنها، ففي هذه اللعبة هناك عدة أطراف. ومن الأفضل مواصلة التحرك بتواضع تحت الرادار والامتناع عن التصريحات.