•لقاء القمة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي ترامب فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الدولتين. وستكون في المستقبل وثيقة أكثر من الماضي، مع تنسيق مواقف، وخطوات تقارب، وعلاقات حميمة بين الحكومتين في القدس والبيت الأبيض. وبالإضافة إلى الكيمياء الشخصية، وتماثل أيديولوجية جذري بين الزعيمين - وهذا له أهمية في مثل هذه المسائل- فإن الذي ساهم في نجاح اللقاء تحرر ترامب من جميع المسلمات والافتراضات الأساسية التي شكلت قاعدة لسياسة واشنطن في القضايا الجوهرية فيما يتعلق بالشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة.
•وقد أثارت القمة، وخاصة في وسائل الإعلام، حماسة كبيرة حيال ما بدا كانسحاب إسرائيلي، بمباركة ترامب، من الالتزام بحل الدولتين، وفي الوقت عينه كتراجع الولايات المتحدة، بتشجيع من إسرائيل، عن سياستها، التي تعود إلى سنوات طويلة، الرافضة كلياّ للمشروع الاستيطاني في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] الذي كانت ترى فيه عائقاً مركزياً في وجه السلام.
•إن نتائج التغيير في السياسة الأميركية دراماتيكية، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل بل قبل كل شيء للطرف الفلسطيني. فبضربة واحدة يدمر ترامب كل بنية الاستراتيجية الفلسطينية التي سادت في العقدين الأخيرين، والتي تقوم في الأساس على تدويل النزاع ومحاولة استخدام الأطراف والمؤسسات الدولية للضغط على إسرائيل، وفي نهاية الأمر فرض حل عليها ينسجم مع المصالح الفلسطينية، وإذا لم يحدث ذلك تفرض على إسرائيل عقوبات سياسية واقتصادية، ويعامل زعماؤها كمجرمي حرب يجب أن يحاكموا أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وقد كانت ذروة إنجازات هذا التوجه الفلسطيني تبني مجلس الأمن قبل شهر قراراً يدين المستوطنات، أُقر بسبب قرار الولايات المتحدة تحت إدارة أوباما الامتناع عن استخدام الفيتو.
•حالياً هناك شك كبير في ما إذا كان الفلسطينيون يستطيعون مواصلة المسار الذي ساروا فيه حتى الآن أم لا. إن إصرار ترامب على وقف الخطوات التي تتخذها المؤسسات الدولية، ينسجم مع وجهة نظره العامة تجاه هذه المؤسسات التي تموّل أغلبيتها واشنطن بسخاء، لكنها تشكل عبئاً على الولايات المتحدة وعقبة في طريقها، وفيها أطراف معادية تعمل على تخريب مصالح أميركية حيوية.
•لهذا السبب تحديداً، من المثير للاهتمام رؤية أن العالم العربي كان قليل الاهتمام بقمة واشنطن ونتائجها، وكأن تغيير ترامب توجّهه حيال مشكلات المنطقة لا علاقة له بالدول العربية، بل وربما هو يخدم أهدافها. وفي الواقع، فإن توجهاً جديداً حيال مشكلات المنطقة، يختلف عن توجه الرئيس أوباما، يتلاءم مع مصالح مصر التي شبعت، انتقادات مريرة وجهها إليها الأميركيون بسبب طرد مرسي من السلطة في تموز/يوليو 2013، وحتى مع مصالح السعوديين الذي يطالبون بموقف أميركي أكثر حزماً ضد إيران.
•لقد أدار العالم العربي ظهره للقضية الفلسطينية التي ما تزال تشغل اهتمام جزء من الجمهور العربي. إنها يمكن دائماً أن تستخدم كأداة فاعلة من أجل تخفيف الضغط وتوجيه النقد إلى أغلبية الأنظمة العربية أو إلى الغرب. لكن مضى الزمن الذي كانت فيه الدول العربية مستعدة لأن تدفع بعملة محلية والتضحية بمصالحها من دون حساب أو تفكير من أجل القضية الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفلسطينيين حالياً منقسمون بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وحتى هذه الأخيرة غير مستعدة لتبني وجهة نظر واقعية تدفع قدماً بمصالحها.
•في غياب الدول العربية تجندت أوروبا للوقوف ضد خطوات ترامب، واعتبرتها خطوات يمكن أن تقوض محاولات الأوروبيين للقيام بدور ما في السياسة الإقليمية. لكن من دون الولايات المتحدة، وفي ضوء بوادر الانهيار الداخلي للاتحاد الأوروبي، لم تعد أوروبا عنصراً ذا أهمية.
•بقي أصحاب القضية، الفلسطينيون، المطالبون اليوم بإعادة درس سياستهم. لقد اختارت "حماس" طريقها عندما عينت يحيى السنوار، أحد كبار مسؤولي ذراعها العسكرية زعيماً لها في غزة. ولكن في المقابل، في إمكان السلطة الفلسطينية أن تختار تعليق آمالها على استئناف محادثات السلام مع إسرائيل، التي أثبتت في الماضي أنها الأداة الأفضل من أجل إحراز تقدم، لكنها إذا واصلت الانتظار فيمكنها أن تكتشف أنها تأخرت عن الموعد.