معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•من دون مراسم رسمية وبعيداً عن أعين الإعلام، توصلت مصر و"حماس" في مطلع 2017 إلى سلسلة تفاهمات أمنية وسياسية واقتصادية هدفها أن تستخدم كقاعدة لتحسين العلاقات بينهما. في نهاية كانون الثاني/يناير قام نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، وعضوا المكتب السياسي موسى أبو مرزوق وروحي مشتهى، بزيارة استمرت عدة أيام إلى القاهرة اجتمعوا خلالها مع مسؤولين أمنيين مصريين على رأسهم رئيس الاستخبارات المصرية اللواء خالد فوزي. وقام وفد أمني من "حماس" ضمّ ممثلاً رفيعاً من الذراع العسكرية "عزالدين القسام" بزيارة متابعة في مطلع شباط/فبراير. وشكلت زيارات الوفدين الرسميين ذروة عمليات جس نبض غير رسمية جرت خلال تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2016 وشملت زيارات إعلاميين وأكاديميين ورجال أعمال من غزة إلى مصر.
•وبحسب تقارير صحافية، وافق الوفد السياسي [للحركة] على مطالب القاهرة المتعلقة بمنع تهريب السلاح وتسلل مقاتلين في منطقة الحدود بين غزة وسيناء، ومنع استخدام عناصر الجهاد المتطرفين غزة قاعدة للتحضير لهجمات ضد قوات الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء. وشدد بيان أصدرته "حماس" على حرصها على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" المصرية، كما ألمح إلى التزام الحركة بعدم اتخاذ موقف في الصراع الدائر بين نظام السيسي وحركة الإخوان المسلمين. وتطرقت المحادثات المشتركة إلى قائمة المطلوبين التي قدمتها مصر إلى "حماس"، وإلى وضع آلية متفق عليها لفتح معبر رفح، وتوسيع علاقات التجارة بين مصر وغزة، ووقف الهجمات الإعلامية، وتوسط مصر بين "حماس" وإسرائيل، وبينها وبين حركة "فتح".
•الانعطافة التي ظهرت ملامحها في الفترة الأخيرة في علاقات مصر مع حركة "حماس" هي حصيلة وجود مصالح مشتركة للطرفين على عدد من الصعد:
•على الصعيد الأمني - اعترفت مصر التي نزفت دماء المئات من جنودها في سيناء، بأهمية التعاون مع "حماس" من أجل حسم الصراع ضد فرع تنظيم "داعش" في سيناء، الذي يستخدم غزة قاعدة للتدريب وكمصدر لتهريب وسائل قتالية ومقاتلين وجرحى في الاتجاهين. من جهتها، "حماس" معنية بمنع قيام علاقات بين جهات سلفية - جهادية تتآمر ضد سلطتها في قطاع غزة وشركائهم الأيديولوجيين في سيناء.
•على الصعيد السياسي - مصر مهتمة بتحسين مكانتها كطرف إقليمي مؤثر في قطاع غزة، قادر على توحيد الصفوف الفلسطينية وإعداد الأرضية لاستئناف عملية السلام. وفي نظر القاهرة، من الأفضل فحص إمكانات التوصل إلى تفاهمات متبادلة مع "حماس" على خوض صراع مع الحركة لن يؤدي إلى شيء، ومن الممكن أن يدفعها إلى أحضان خصوم مصر الإقليميين مثل تركيا وقطر وإيران، ويقرر أن تكون وظيفتها عنصراً مخرباً مؤيداً للإخوان المسلمين في مصر وعائقاً في وجه تسوية سياسية مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر مهتمة بترسيخ نفسها كوسيط مقبول في محادثات المصالحة الفلسطينية الداخلية بين "حماس" و"فتح"، وفي أوقات الأزمة وصفقات الأسرى المستقبلية بين "حماس" وإسرائيل.
•ثمة جانب سياسي آخر في خلفية التقارب بين الطرفين له علاقة بالأزمة التي اندلعت في الأشهر الأخيرة بين القاهرة ورام الله في أعقاب عودة الحرارة إلى علاقات السلطة مع قطر وتركيا، وعدم استعداد محمود عباس لضم محمد دحلان، المقرب من مصر، إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
•على الصعيد الاقتصادي، تُظهر مصر انفتاحاً أكبر بكثير من الماضي حيال توسيع علاقات التجارة مع قطاع غزة، وهي خطوة من شأنها أن تساهم في تحسين حياة سكان القبائل في سيناء، الذين تضرروا كثيراً من إغلاق أنفاق التهريب إلى غزة. يضاف إلى ذلك أن تنظيم حركة البضائع الشرعية عبر معبر رفح سيساهم في التخفيف من الضائقة الاقتصادية في الجانب المصري، وسيساهم في دفع السكان هناك إلى الوقوف مع النظام في حربه على فرع تنظيم "داعش" في سيناء. في المقابل، ثمة مصلحة أيضاً لـ"حماس" في تحسين العلاقات مع مصر نظراً لكون معبر رفح الحدودي القانوني هو المنفذ الوحيد للقطاع إلى العالم الذي لا يخضع لسيطرة إسرائيل.
•تستمد التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين مصر و"حماس" قوتها من المصالح المشتركة ومن عوامل ضغط وموازين ردع متبادلة. وهي تعبر عن براغماتية تلائم الفترة الزمنية الحالية، لكن لا يمكن تفسيرها في هذه المرحلة بأنها تعبير عن تغيير عميق واستراتيجي لأي من الطرفين: المرونة في الموقف المصري إزاء "حماس" لا تخفف من ضراوة الصراع الذي يخوضه النظام ضد الإخوان المسلمين؛ وفي الوقت عينه، فإن استجابة "حماس" إلى جزء من المطالب الأمنية المصرية لا تشكل تراجعاً عن التزاماتها الأساسية في الصراع ضد إسرائيل وعن مبادئ أيديولوجيتها الإخوانية. وبالإضافة إلى ذلك، ما تزال تسود بين الطرفين شكوك لا بأس فيها وريبة وعدم ثقة.
•من وجهة النظر الإسرائيلية، تشكل الانعطافة في العلاقات المصرية مع "حماس" اختباراً مهماً للتعاون الأمني الذي ازدهر في السنوات الأخيرة بين مصر وإسرائيل على خلفية مواجهتهما المشتركة للتحديات الإرهابية في سيناء وغزة. وفي إطار هذا التعاون، من واجب إسرائيل التأكد من أن التفاهمات الأمنية التي تبلورت بين مصر و"حماس" لا تتيح لـ"حماس" باباً "مشروعاً" لتهريب السلاح من خلال غض نظر مصري علني أو مضمر حيال تزايد قوتها الموجهة ضد إسرائيل. ومن أجل منع عودة العجز الذي طبع صراع نظام مبارك ضد أنفاق التهريب، يتعين على القدس أن توضح للقاهرة الفشل البنيوي- والخطير بالنسبة للمصريين- الذي يكمن في أي تسوية تمنح "حماس" تسهيلات على حساب أمن إسرائيل، ولا تتعامل مع محاربة الإرهاب في سيناء وغزة بشكل استراتيجي.
•في الوقت عينه، إذا كانت التفاهمات بين مصر و"حماس" تلبي احتياجات أمن في إسرائيل، فإنها يمكن أن تخدم مصالحها من عدة نواح: التخفيف من الضائقة الإنسانية في قطاع غزة التي يمكن أن تتدهور لتصل إلى إسرائيل، والتي يمكن أن يؤدي استمرارها إلى استخدامها كوقود لنشوب مواجهة عسكرية جديدة مع "حماس"؛ ثانياً، تقويض الصلات المتبادلة بين "حماس" والعناصر السلفية - الجهادية في سيناء التي تشكل تهديداً محتملاً على أمن إسرائيل وعائقاً في وجه جهود مصر لتحقيق الاستقرار الأمني الداخلي وإنعاش الوضع الاقتصادي؛ ثالثاً، تعزيز اعتماد "حماس" على مصر سيضعف الحافز لدى الحركة للتوجه نحو مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وسيقوي مكانة مصر كوسيط فعال قادر على إنهاء الأزمات المستقبلية بين "حماس" وإسرائيل بسرعة.
•في الخلاصة، إن موقف إسرائيل إزاء التفاهمات بين مصر و"حماس" يجب أن ينبع قبل كل شيء من نوعية الآلية الأمنية التي جرت بلورة تلك التفاهمات في إطارها. وعلاوة على ذلك، حسناً تفعل القدس والقاهرة إذا استغلتا فترة الحوار الاستراتيجي لتضعا هدفاً له بلورة تفاهمات بعيدة المدى تتعلق بمستقبل قطاع غزة من أجل إنشاء واقع جديد يخدم مصالح الدولتين.
•إن الأزمة المتعددة الأبعاد التي تعانيها "حماس" في الوقت الحالي، داخلياً وخارجياً، تسمح لإسرائيل ومصر بتحديد الخيارات المطروحة أمام الحركة بين خيار البراغماتية السياسية مقابل إعادة إعمار اقتصادي من جهة، أو التمسك بالكفاح العنيف مما يعني تعميق عزلة القطاع من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يجب الحرص بالقدر الممكن على ألا تؤدي كل التحسينات الاقتصادية التي تعطى للقطاع إلى تعزيز مكانة "حماس" بصورة غير مضبوطة - وتعزيز الخيار الإسلاموي الذي تمثله - على حساب حركة "فتح"، ويجب أن توجه هذه التحسينات بطريقة مكثفة وحكيمة ومنظمة نحو تحسين حياة السكان الغزاويين.