محاكمة الجندي أزاريا تقسّم المجتمع الإسرائيلي
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

– NRG

•وزير الدفاع موشيه يعلون بدا غاضباً في نهاية آذار/مارس 2016، بعد مرور بضعة أيام على حادث إطلاق النار في تل رميضة، حيث قتل الجندي إليؤر أزاريا "مخرباً" يحتضر. لقد حصل يعلون على نتائج التحقيق العسكري الذي أجري على الأرض، واستشاط غضباً على الجندي الذي، بحسب رأيه، لم يتصرف وفق المعايير الأخلاقية للجيش الإسرائيلي. يعلون استعاد ما حدث دقيقة بدقيقة، ووصل صوته إلى السماء عندما روى كيف "طلب الجندي من رفيقه أن يمسك له خوذته ثم توجه إلى المخرب الملقى على الأرض وأطلق النار على رأسه". يومها سألت يعلون هل يدعمه رئيس الحكومة مئة في المئة، وهل الدعم كامل؟ أجابني يعلون: "بالتأكيد، ليس هناك أي شك".

•لكن رئيس الحكومة لم يتمسك بدعم يعلون طويلاً. وكما هو معروف، أدرك نتنياهو بحسه الحاد أن ما يجري هو معركة سياسية، واجتماعية، ومدنية، وقضائية، وأن عليه أن يتخذ موقفاً. وأدرك نتنياهو أن أغلبية الجمهور اليميني الذي هو في الواقع جمهوره، يؤيد ما قام به الجندي أزاريا، ففي رأيهم أنه أطلق النار وقتل مخرباً جاء ليقوم بهجوم، ولا مجال هنا لرأي آخر. وقرر نتنياهو أنه لا يستطيع التصدي لهذا الجو وبدأ ينضم إليه، وبقي موشيه يعلون وحيداً في المعركة. فيما بعد بدا سهلاً على نتنياهو إقالة يعلون من منصبه كوزير للدفاع، وعيّن مكانه أفيغدور ليبرمان الذي حوّل محاكمة أزاريا إلى بطاقة سياسية حتى قبل استلامه مهماته في الكرياه [مقر وزارة الدفاع في تل أبيب].

•لقد قسمت محاكمة أزاريا المجتمع الإسرائيلي في عدة اتجاهات، فاليمين في أغلبيته الساحقة وقف إلى جانب الجندي. وليس هناك اليوم عضو كنيست من الليكود أو من البيت اليهودي أو من إسرائيل بيتنا، يتجرأ على الوقوف ضد ما فعله لأن مستقبلهم السياسي إن فعلوا ذلك سيكون موضع شك كبير. لقد وصف عضو الكنيست أورن حزان (من الليكود) أزاريا بأنه "بطل"، واقترحت عضو الكنيست شولي مُعلم (من البيت اليهودي) منحه وساماً. أما موشيه فايغلين الذي أنشأ حزباً سماه "هوية" فقد ذهب للتظاهر مع أنصاره في ساحة رابين دفاعاً عن أزاريا. ويدعي فايغلين أن أزاريا يستحق وساماً أخلاقياً لأنه وجه تحذيراً واضحاً إلى الإرهابيين الفلسطينيين. وبرأيه، فإن انخفاضاً كبيراً طرأ على عدد الهجمات بالسكاكين منذ إطلاق أزاريا النار، وفقط حدث ذلك بسبب ما فعله.

•ما يزال يعلون يمثل أقلية في اليمين، والمقصود أشخاص يرغبون في المحافظة على صورة إنسانية للجيش الإسرائيلي حتى في زمن الصراع مع الأعداء الأكثر قسوة ووحشية لأنه من دون ذلك "يتحول الجيش الإسرائيلي إلى داعش"، كما قال يعلون في الفترة الأخيرة. وانضمت هذه الأقلية إلى أنصار اليسار الذين أدانوا ما قام به الجندي. وارتفعت حرارة الحوار بين الطرفين طوال الأشهر الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، واشتد التحريض وتأرجحت النعوت بين "خونة" (للمعارضين للجندي) و"قتلة" (للمؤيدين له). ويمكننا بعد المحاكمة كتابة فصل آخر حول الاستقطاب السياسي في إسرائيل.

•لقد جعلت محاكمة أزاريا أخلاق الجيش الإسرائيلي موضع خلاف وطني وشعبي للمرة الأولى في تاريخ الدولة. يدّعي مؤيدو الجندي أن الجيش الإسرائيلي يقوم على حقيقة بسيطة "من جاء ليقتلك سارع إلى قتله" وليس "جاء ليقتلك فسارع إلى إنقاذه". بينما يقول معارضو الجندي أن القول "جاء ليقتلك فسارع إلى قتله" صحيح، لكنه ليس هذا ما حدث. وحول هذه النقطة يدور جزء كبير من النقاش القانوني: هل كان المخرب يشكل خطراً على الجنود الموجودين من حوله حين قتله أزاريا، أم أنه كان غير قادر على الإيذاء؟ هل أطلق الجندي أزاريا النار انتقاماً أم لأسباب قهرية عملياتية؟

•لقد جر النقاش الجيش إلى دوامة، وإصدار الحكم غداً سيزيد من هذه الدوامة، فالجنود محتارون بشأن ما هي الطريقة الأفضل كي ينفذ الجيش مهمته، وماذا يجب أن يفعلوا كي لا يجدوا أنفسهم على مقاعد الاتهام. وحتى موقف أغلبية القادة من رئيس الأركان ومن هم دونه مرتبةً لم تسهل المهمة على الجنود. فالعديد منهم وقفوا مع الجندي بصورة تلقائية، وتماثلوا فعلته وتبنوا المبادرة المرفوضة التي أقدم عليها. وخلال المحاكمة دافع العديد من الألوية السابقين في الجيش الإسرائيلي عن أزاريا. فمن الذي على حق؟

•ومن أجل زيادة البلبلة أدلى رئيس الأركان غادي أيزنكوت اليوم بتصريح جديد قال فيه "جندي في الـ18 من عمره هو جندي محارب، وليس ابننا جميعاً". مبدئياً هذا صحيح. أزاريا ليس ابننا كلنا. الجيش الإسرائيلي يمثلنا كلنا. لكن هذا الكلام تسبب بمواجهة حادة بين قادة الجيش وعائلة الجندي.

•الرصاصة الوحيدة التي أطلقها أزاريا والمحاكمة التي أعقبتها أشعلت من جديد الصراع ضد النخب، بالإضافة إلى العداوة السياسية الحتمية. إن قادة الجيش، وكبار المؤسسة القضائية، ومحكمة العدل العليا، ورؤساء الأكاديميا والمعلقين والقانونيين والكتاب والفنانين، وحتى الذين أيدوا أوباما ضد ترامب، شكلوا عصبة يسار موحدة [فيما يتعلق بموقفهم من الحدث]. حاول محامو أزاريا حتى اللحظة الأخيرة استغلال مواقف مسبقة اتخذها كبار المسؤولين في الجيش ضد الجندي، وادعوا أنهم حاكموه محاكمة ميدانية، وهم يطالبون اليوم بتشكيل لجنة تحقيق في هذا الشأن.

 

•حتى الإعلام تحول إلى مؤسسة مكروهة في نظر اليمين بعد محاكمة أزاريا. الهجوم العنيف على الصحافي أمنون أبراموفيتس الذي جاء إلى المحكمة العسكرية في يافا، دليل على الجو الخطر الذي تفاقم درجة أخرى. وحتى اللهجة الطائفية المعروفة ببشاعتها تسللت إلى النقاش الحاد الدائر منذ شهر آذار/مارس الماضي. لديّ شعور بأن هذا الحوار سيزداد حدة إذا أدين الجندي، أو صدر في حقه حكم قاس. وستأخذ الادعاءات بالتمييز الطائفي مكانها في الاحتجاج الكبير الذي سينشأ هنا.