•الحرب السورية التي دخلت عامها السادس أوجدت واقعاً جديداً وربما روتيناً جديداً في منطقة الحدود السورية.
•يستمر وصول جرحى سوريين إلى إسرائيل، ونشهد في الأيام الأخيرة حملة أخرى يقوم بها مواطنو إسرائيل من أجل مساعدة أطفال سوريين. لكن هذا "الروتين الجديد" والهش في مرتفعات الجولان بدأ يتصدع، وبدأنا نشاهد نتائج المنعطف الذي حدث بعد معركة حلب لدينا أيضاً في الجانب الآخر من الحدود.
•إن الأطراف المعتدلة في هضبة الجولان السوري - هي أطراف تعلمنا التعرف إليها خلال السنوات الخمس الأخيرة - تجد نفسها في وضع جديد مختلف في منطقة الحدود. ومن دون تدخل، يبدو أن زمن الأطراف المعتدلة التي ما تزال موجودة في المنطقة سينتهي في المستقبل. وسيكون البديل وجود جيران جدد من الميليشيات الشيعية ومن تنظيم حزب الله، مما يفرض تفكيراً إسرائيلياً سريعاً قبل تغيّر الواقع على الأرض أمام بصرنا.
•شكل احتلال مدينة حلب - والمشاهد القاسية التي رافقته - مرحلة مهمة في المعركة التي يخوضها النظام السوري (بدعم روسي وإيراني) من أجل إعادة سلطة الأسد إلى ما كانت عليه. ويجري استغلال زخم الانتصار من أجل مواصلة المعركة التي يبدو أن المرحلة القادمة منها ستركز على معالجة أمر التنظيمات المسلحة الموجودة جنوب دمشق وفي جبهة هضبة الجولان ودرعا وصولاً إلى حدود إسرائيل. منذ بضعة أيام يقصف النظام منطقة وادي بردى، الواقعة إلى الغرب من العاصمة وجنوبها، وهي المنطقة التي تشكل مصدر المياه الأساسي للعاصمة دمشق وضواحيها.
•يوجد بين قوات المعارضة للنظام السوري عدد من المجموعات بينها تحالف فضفاض من القوى المعتدلة والميليشيات المحلية والمنشقين عن الجيش السوري، وهو يحمل اسم "الجبهة الجنوبية"، وكان في الماضي يحظى بدعم الولايات المتحدة من خلال مركز العمليات العسكرية الموجود في عمان (MOC). ليست الجبهة الجنوبية التنظيم الأكثر قوة، وهي تعاني مثل المجموعات الأخرى في الفترة الأخيرة من انشقاقات كثيرة واغتيالات لكبار قادتها. وتنسق الجبهة عسكرياً مع سائر التحالفات المحلية من ميليشيات ذات توجه إسلامي مدعومة وممولة من دول إسلامية سنية مثل السعودية وقطر. لكن مع ذلك، يواصل أنصار المعارضة المعتدلة حمل "راية الثورة" التي أشعلت الثورة السورية ويخوضون منذ أربعة أعوام حرب بقاء في مواجهة التفوق الجوي للجيش السوري من جهة، وفي مواجهة الميليشيات "الداعشية" التي توحدت تحت راية "جيش خالد بن الوليد" وفصائل مختلفة على علاقة بتنظيم القاعدة.
•وبخلاف اهتمام إسرائيل بما يجري في سورية عامة وبحلب خاصة، والذي يركز على المعاناة الإنسانية في الدولة المجاورة، فإن الاهتمام الإسرائيلي بهضبة الجولان السورية ينبع من دوافع استراتيجية وتكتيكية من الوزن الثقيل، فشريط جبل الشيخ السوري والقرى المتاخمة له منطقة ذات أهمية استراتيجية عليا بالنسبة إلى المجموعات الإيرانية وبالنسبة إلى حزب الله والحكم السوري. وتنبع أهمية هذه المنطقة من كونها ممراً يربط بين لبنان وهضبة الجولان ويشرف على طريق القنيطرة- دمشق، وأيضاً من إمكانية إقامة جبهة إيرانية إضافية (وحتى مفضلة) في مواجهة إسرائيل.
•إن السيطرة على هذه المنطقة مصلحة إيرانية واضحة، وخلال السنوات الأخيرة كان يمكن مشاهدة نشاطات إيرانية يقظة، وأيضاً وجود ضباط إيرانيين كبار كان بينهم القائد الكبير في الحرس الثوري علي مهدي، الذي اغتيل في عملية منسوبة إلى إسرائيل.
•إسرائيل التي هدفت سياستها والخطوط الحمراء التي وضعتها إلى إبقاء الحرب بعيدة عن حدودها، ليست معنية بأن تضعف الأطراف الأكثر اعتدالاً التي ما تزال موجودة في المنطقة والتي تلتزم أهدافاً مشابهة: إبعاد عناصر الحكم السوري وكذلك العناصر الإسلامية عن هضبة الجولان السورية. لكن ما كان يمكن فعله بصعوبة من دون مساعدة قبل معركة حلب - المعركة التي أبقت الجنوب خارج الدائرة المركزية للحرب في سورية - لا يمكن القيام به بعدها. وقبل نحو أسبوع جرى استدعاء كبار الشخصيات في قرى جبل الشيخ إلى لقاء مع رئيس فرع الاستخبارات [السوري] في بلدة سعسع حيث وُجّه إليهم إنذارٌ: إما إلقاء السلاح والانضمام إلى النظام السوري، أو التنحي جانباً والسماح لقوات الأسد بالسيطرة على القرى.
•أمام السّنة الذين يعيشون في جبل الشيخ السوري حالياً ثلاث إمكانيات فقط. الأولى: إلقاء السلاح والانضمام إلى المشروع الإيراني- الأسدي؛ الثانية: الدخول في كنف التنظيمات السنية التي تزاداد تطرفاً، ومواصلة النضال ضد النظام؛ والإمكانية الثالثة - التي يؤيدها كثيرون - مواصلة القتال ضد النظام وضد الأطراف المتشددة التي تقترب من المنطقة.
•بعد الضغط الكبير الذي مارسه النظام على التنظيمات المسلحة، أعلن هذا الأسبوع أن عدداً قليلاً من الميليشيات المسلحة بدأ بتسليم سلاحه إلى نظام الأسد في قرية الصنمين الواقعة شمالي درعا. وتحدث تقرير مصور عرضته قناة الميادين القريبة من حزب الله عن "رغبة الأهالي في حل النزاع بطرق سلمية"، وقيل إن نحو 800 بندقية وقطعة سلاح سلمت إلى النظام. هذه الكمية الصغيرة من السلاح تشير إلى أن أغلبية القوات لا تثق بالنظام- لكن ذلك يمكن أن يكون نذيراً بما هو آت.
•من الجهة الأخرى من الحدود، أعلنت ميليشيات وداي بردى والقابون والقلمون الشرقي واتحاد قرى جبل الشيخ إقامة هيئة عسكرية مشتركة بقيادة موحدة بهدف "التصدي لأي خرق من جانب نظام الأسد لتفاهمات التهدئة ووقف إطلاق النار التي جرى التوصل إليها سابقاً". ويعتبر قيام هذه القيادة بشرى جيدة بالنسبة إلى قوات المعارضة المعتدلة التي عانت حتى الآن من الانشقاقات والانقسامات التي استغلها نظام الأسد جيداً. لكن هل في إمكان مثل هذه الهيئة مواجهة قوات الأسد المدعومة من الحرس الثوري الإيراني وميليشيات شيعية عراقية وأفغانية ومن حزب الله اللبناني؟
•لا بدّ أن يكون عناصر التنظيمات المقاتلة متفائلين جداً أو يائسين جداً للمشاركة في القتال في وقت تميل فيه الكفة بصورة واضحة ضدهم. ويبدو أن عناصر المعارضة في هذه المرحلة يائسون فعلاً ولا سيما أن طلبهم للمساعدة - بما فيه الموجه علناً إلى إسرائيل - لم يلق استجابة.
•يتعين على إسرائيل أن تكون قلقة جداً لسببين: الأول سبب إنساني، ففي ما يتعلق بحلب كان في إمكاننا الاكتفاء بالنظر من بعد، لكن الأمر يتعلق هنا بجيران حقيقيين يستطيعون عند الخطر الوصول إلى السياج في هضبة الجولان الإسرائيلية والمطالبة بالغذاء والمأوى والأمن. حينها لا يمكننا الوقوف موقف المتفرج.
•السبب الثاني أمني، فحزب الله والإيرانيون يطمعون بالسيطرة على قطاع الحدود في هضبة الجولان. ويبدو أن الوحيدين الذين يقفون في مواجهتهم هم الميليشيات المعتدلة و"الجيش السوري الحر". فهل تستطيع إسرائيل السماح بسقوط قطاع الحدود السوري في قبضة حزب الله؟
•ليست هذه معضلة بسيطة. إن تقديم المساعدة للمتمردين المعتدلين معناه تدخل آخر لإسرائيل في الحرب السورية. لكن هذه الحرب لم تعد حرباً بين السوريين أنفسهم - فهي باتت حرباً يستغلها أسوأ أعدائنا من أجل غرز وتد على سياجنا الحدودي. ويبدو أن إسرائيل هنا لا يمكنها الوقوف موقف المتفرج.