سنة على موجة الإرهاب الفلسطيني- عواملها وتوصيات بشأن سياسة مواجهتها
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•في تشرين الأول/أكتوبر 2015 بدأت موجة إرهاب الأفراد التي ترافقت بصورة متقطعة أيضاً مع إطلاق نار وهجمات منظمة نفذتها البنية التحتية التابعة لـ"حماس" في الضفة الغربية. امتازت موجة الإرهاب هذه بالتقلب، وشهدت فترات هدوء وفترات انفجار. ومن المهم التشديد على أن ما يبدو علناً من هذه الظاهرة محدود جداً بالمقارنة مع حجمها الإجمالي. فبالاستناد إلى تقارير، أُحبطت مئات الهجمات قبل وقوعها خلال هذا العام، ومن المعقول الافتراض أنه من دون مساعي الإحباط الإسرائيلية والفلسطينية على السواء، سيكون نطاق هذه الظاهرة أوسع وأشد عنفاً بكثير.

•وبالإضافة إلى التقلب، تمتاز موجة الهجمات بحلقات متتالية: فالهجمات من أفراد تؤدي إلى رد إسرائيلي- وفي معظم الحالات إلى مقتل المهاجم. وهذه النتيجة تؤدي إلى زيادة الشعور باليأس والرغبة بالانتقام وسط الفلسطينيين، وهلمّ جراً. في الواقع، إن  الطرفين في مأزق. ويمكن أن نعزو فترات الهدوء أو الانخفاض في حجم الهجمات إلى مساعي إحباط الهجمات التي تقوم بها الأجهزة الإسرائيلية والفلسطينية معاً، أو كل واحدة منهما على حدة، كما يمكن أن نضيف إلى ذلك الحرص الإسرائيلي على استخدام رد على الهجمات يميز بين السكان غير المتورطين في الإرهاب والذين يقومون به، وتقليص هامش الاحتكاك بين القوات الأمنية الإسرائيلية والسكان الفلسطينيين. لكن عملياً بقيت هذه الظاهرة واحتمال التصعيد وما ينطوي عليه ذلك من انفجار واسع النطاق على حالهما: إن الانخفاض في الهجمات هو نتيجة معالجة عوارض الظاهرة وليس أسبابها. وفي ظل غياب رد فعلي على العوامل التي أدت إلى نشوء هذه الموجة، يمكن الافتراض أنها ستستمر بسماتها الحالية وتقلباتها، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار احتمال حدوث تدهور خطير نتيجة فقدان السيطرة أو نتيجة رد قاس بصورة خاصة. ويمكن أن ينشأ فقدان السيطرة من انهيار السلطة الفلسطينية أو من تراجع كبير في أداء أجهزتها الأمنية ونوعية التعاون الأمني بينها وبين إسرائيل. 

•إن حجم موجة الهجمات وتعقيدها لا يسمحان ظاهرياً بالإشارة إلى سبب واحد أساسي لحدوثها، فهناك دوافع مختلفة للهجمات التي نفذها أشخاص مختلفون. لكن يبدو أن هناك قاسماً مشتركاً بين هذه الهجمات هو عبارة عن تضافر عدد من الأسباب والعوامل.

•فمن بين العوامل الخارجية لموجة الهجمات يمكن الإشارة إلى الإلهام المتمثل بتنظيم "داعش" ورؤيا الخلافة، بالإضافة إلى الإلهام (المتأخر) "للربيع العربي". وعناصر هذا الإلهام تتعزز وتقوى من خلال المنصة التي تقدمها شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تعمل هذه الشبكات على تعريف الجيل الشاب على "متع الغرب" وروح العصر (حقوق الفرد، الديمقراطية، حق تقرير المصير وغيرها)، وتصور بألوان داكنة ويائسة واقع الحياة التي يعيشها جيل الشباب. وفي الوقت عينه تقدم شبكات التواصل الاجتماعي للجيل الشاب رداً على اليأس وصعوبات الحياة اليومية من خلال ما تقترحه أطراف راديكالية من نوع تنظيم "داعش". ويجري هذا كله في واقع من الصراع الإثني – القومي المستمر الذي لا تلوح نهايته في الأفق، ومن الاحتكاكات اليومية بمستويات مختلفة من العنف بين السكان الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية. إن تضافر هذه العوامل يزيد من الحاجة إلى التحرك من أجل القيام بشيء.

•ومن بين العوامل الداخلية يمكن الإشارة إلى اليأس من الزعامة الفلسطينية بعد عجزها عن تحقيق الأهداف الوطنية، مثل إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال السياسي وضمان مستقبل أفضل على الصعيد الفردي وبخاصة للشباب، بالإضافة إلى خيبة أمل عميقة من تدني أداء السلطة الفلسطينية، ومن الفساد والعجز عن تأمين الأمن الفردي وتطبيق القانون والنظام. 

•إن الواقع الاقتصادي الصعب في المناطق الفلسطينية لا يسمح للشباب بأن يجدوا مكاناً لهم في سوق العمل. والمشكلة أكثر حدة بين الشباب المتعلم. وبالإضافة إلى ذلك يمر المجتمع الفلسطيني بعملية تغير متسارعة على مستوى الأجيال، تتجلى في ضعف المصادر التقليدية للسلطة التي شكلت في الماضي آلية لكبح العنف وفرض الطاعة. فقد تآكلت سلطة الأهل وكذلك سلطة "شيوخ العشيرة"، وكذلك المصادر التقليدية للسلطة الاجتماعية التي تميز بها المجتمع الفلسطيني (مؤسسة المخاتير ونظام التعليم - مكانة الأستاذ كنموذج). يضاف إلى هذا كله التآكل في المؤسسات السياسية أو المؤسسات الحاكمة، والصعوبات في فرض القانون والنظام. وفي غياب بديل، مثل الانضمام إلى بنية تحتية إرهابية منظمة بسبب الضربة القاسية التي تلقتها منظمات الإرهاب في الضفة الغربية، يتصاعد الإحباط والعنف والتحريض على إرهاب الأفراد.

•لا يعكس العنف بالضرورة شعوراً وطنياً أو دينياً، فهو في أحيان كثيرة تعبير عن اليأس الشخصي والضائقة الاجتماعية. وتحولت حادثة الطعن إلى نوع من آلية "تطهير اجتماعي": شبان تضررت صورتهم الشخصية والاجتماعية يقومون بهجوم في محاولة لتطهير اسمائهم وترميم مكانتهم. 

•ونظراً إلى أن الأفراد الذين يقومون بهجمات يعرفون أنهم سيموتون، يمكن أن نرى في أعمالهم نوعاً من التضحية. صحيح أن البعض منهم ترك وصايا واضحة طلبوا فيها ألا تُنسب أعمالهم إلى سبب وطني أو ديني، ولكن الأجواء المحيطة، أي الاحتلال الإسرائيلي والطريق السياسي المسدود، هما اللذان يصوغان السياق الوطني - الديني الذي يمكن أن يشعل الإرهاب المنظم والأكثر خطورة.

•ليس في إمكان إسرائيل معالجة جميع المشكلات الأساسية والعوامل التي تقف وراء إرهاب الأفراد، لكنها تستطيع التخفيف من بعض هذه العوامل بهدف تقديم رد جزئي على أسباب الظاهرة وليس على عوارضها فقط. ويجب أن نولي أهمية كبيرة للمحافظة على مستوى منخفض من الاحتكاك مع السكان المدنيين ومواصلة الامتناع عن العقوبة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع إسرائيل أن تساهم مساهمة كبيرة في تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وتعزيز قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم.

•على صعيد التفكير البعيد المدى، وفي ظل استمرار الجمود في العملية السياسية، تستطيع إسرائيل أن تحدد من جديد أنواع المناطق في الضفة الغربية بالتنسيق مع الفلسطينيين، أو بصورة مستقلة إذا كان التنسيق لا ينفع. وعلى سبيل المثال تستطيع إسرائيل أن تحدد مجدداً المنطقة ج، وبدلاً من التعامل معها في إطار واحد، يمكن تصنيفها ضمن عدد من المناطق: مثلاً تحديد مناطق معدة للتطوير السياحي، وأخرى للتطوير الزراعي ومن أجل المنتزهات، ومن أجل الصناعة ومن أجل تطوير البنى التحتية. وهذا التمييز بين مناطق ج يتيح لإسرائيل المحافظة على السيطرة على المناطق الضرورية لتأمين حاجات الأمن والمستوطنات، وفي الوقت عينه يتيح لها تجهيز مناطق معينة ببنى تحتية اقتصادية ضرورية من أجل تطوير السوق الفلسطينية بطريقة تزيد من المنطقة الواقعة تحت سيطرة فلسطينية كاملة (منطقة أ). علاوة على ذلك، تستطيع إسرائيل البدء بتطبيق نموذج اتفاق الكهرباء الذي وقع في المدة الأخيرة مع السلطة الفلسطينية في مجالات أخرى مثل المياه، والمجارير، والمحافظة على البيئة والمواصلات، وتعطي المزيد من الصلاحيات والمسؤوليات للسلطة. ومثل هذه الاتفاقيات ستساهم في تحسين أداء السلطة وقدرتها على الحكم، كما ستقلص من فرص انهيارها، وربما تنجح في تعزيز الدعم الشعبي لها بعد التآكل الكبير الذي طرأ على هذا الدعم خلال هذه السنة. 

 

•إن خطوات من هذا النوع يمكن مع مرور الوقت أن تغير الأجواء وتساهم في دفع العالم العربي البراغماتي والمجتمع الدولي إلى استئناف العملية السياسية وتهيئة شروط أفضل من أجل معاودة هذه المفاوضات........