•قبل مناورة الجبهة الخلفية الوطنية هذا الأسبوع، نشرت الصحف صورة الحرب المقبلة التي تهدف المناورة إلى الاستعداد لمواجهتها. ويتبين منها بحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي بأنها ستكون حرباً صاروخية، ونوعاً من تكرار لحرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، وعملية عمود سحاب والجرف الصامد.
•يبلغ حجم الترسانة الصاروخية التي لدى حزب الله و"حماس" وسورية وإيران قرابة 230 ألف صاروخ، جزء منها (نحو 5%) صواريخ بعيدة المدى وبعضها ذو قدرة كبيرة وبالغة الدقة. ويتوقع الجيش إطلاق ما بين 1000 و1500 صاروخ يومياً على إسرائيل، مما سيؤدي إلى سقوط آلاف الاصابات في أماكن مأهولة ومئات الاصابات بين السكان المدنيين. كما يبدو أن الجيش يستعد لاحتمال أن يحاول عناصر من حزب الله وحركة "حماس" مهاجمة مستوطنات ومواقع عسكرية على طول الحدود.
•يتضح من هذا كله أن إسرائيل لم تعثر بعد على حل جذري للتحدي الأمني الذي تواجهه منذ عقدين- أي تهديد صواريخ حزب الله و"حماس". صحيح أن إسرائيل استطاعت أن تحقق استمرار الهدوء على طول حدودها الشمالية وحتى الجنوبية، لكن ثمن هذا الهدوء- والردع المتبادل الذي يسود بين إسرائيل وحزب الله و"حماس"- هو التعاظم الكبير إلى الضعفين بل إلى ثلاثة أضعاف، لنوعية السلاح وكميته لدى التنظيمين. وجرى هذا كله تحت الأنظار الساهرة لإسرائيل التي فضلت تأجيل المواجهة والمحافظة بأي ثمن على التهدئة والهدوء حتى حلول يوم الغضب.
•يطرح الحديث عما جرى في المناورة سؤالاً عن مدى واقعية وقوع حرب طاحنة من هذا النوع. قبل كل شيء ليست هناك مصلحة لأي طرف في المنطقة، لا حزب الله ولا "حماس"، في إشعال الحدود والانجرار نحو حرب شاملة ضد إسرائيل. كما أن المناورة لم تشمل التدرب على الرد الإسرائيلي القاسي في حال التعرض لهجوم. ومن المنتظر أن يكون حجم الضرر الذي يلحق بالسكان الشيعة في جنوب لبنان أكثر إيلاماً بكثير مما شهده هؤلاء في حرب لبنان الثانية، أو ما عرفه سكان قطاع غزة في جولات المواجهة السابقة مع إسرائيل.
•بيد أن الشرق الأوسط معتاد على نشوب حروب لا يرغب فيها أحد. يكفي حادث ما أو خطأ في التقدير كي يؤدي إلى تدهور يسبب فقدان السيطرة. وفي الواقع، فإن إطلاق صواريخ سورية على طائرات إسرائيلية الأسبوع الماضي يدل على ثقة متزايدة بالنفس فى الجانب الآخر من الحدود. ومن المحتمل أن نصر الله وليس الأسد وحده، يشعر بثقة أكبر بالنفس مع عودة روسيا إلى المنطقة للقتال إلى جانبهما في سورية وتقديم الدعم والتأييد لهما.
•إن الإشارة إلى روسيا مهمة في هذا الموضوع، فموسكو سيكون لها دور حيوي في أي تدهور في المستقبل نحو الحرب، ونأمل أن يكون هذا الدور إيجابياً ويساعد في الاستقرار. في العام 1967 كان الاتحاد السوفياتي وراء تدهور المنطقة نحو الحرب. لكن منذ ذلك الحين، وخاصة في الأعوام الأخيرة، يبدو أن روسيا والولايات المتحدة فقدتا قدرتهما على التأثير في ما يجري في المنطقة، واليوم عادت روسيا لتلعب دوراً أساسياً فيها.
•تملك موسكو شبكة علاقات جيدة مع إسرائيل ومع سورية وإيران، وبصورة غير مباشرة مع حزب الله. وبما أنه ليس لدى روسيا أي مصلحة في وقوع مواجهة يمكن أن تلحق الضرر بمصالحها في المنطقة وبمن تعتبرهم حلفاء لها (بمن فيهم إسرائيل)، فمن الطبيعي أن تكون قادرة على العمل للحؤول دون حدوث تدهور، ودفع الطرفين إلى التوقف قبل السقوط في الهاوية. ومعنى ذلك تقييد حرية تحرك إسرائيل إذا كانت أفعالها لا تتطابق مع رغبة موسكو.
•لكن في المحصلة، فإن قوة إسرائيل لن تكون في الدفاع عن الجبهة الخلفية وفي استيعاب الضربات وصمود السكان المدنيين، لأننا بالدفاع لا ننتصر في الحرب. لذا يتعين على إسرائيل أن تستعد لتوجيه ضربة إلى العدو يكون من الصعب عليه بعدها استعادة قوته، ضربة تتيح لإسرائيل أن تفرض شروط انهاء المواجهة؛ وبخلاف المواجهات السابقة، تكون ضربة تمنع العدو من استعادة قوته بسرعة ومن البدء بالعد العكسي في انتظار المواجهة المقبلة.