من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•تثير مبادرة إجراء استفتاء عام بمناسبة مرور 50 عاماً على احتلال المناطق [الضفة الغربية وغزة] معارضة من جميع الاتجاهات - من اليسار، ومن اليمين، وخاصة من جانب المتشائمين والمشككين والمتفرجين، هؤلاء الذين أجندتهم اليأس وحجتهم الأساسية أن كل شيء ميئوس منه.
•كل شيء سيصبح ميئوساً منه لو بقينا نتفرج ونتلعثم ونسخر من كل من يحاول على الرغم من كل شيء البحث عن حل للمسألة الوجودية المصيرية التي تواجهها إسرائيل: مستقبل علاقتنا مع جيراننا بصورة عامة، ومع الشعب الفلسطيني خاصة، الخاضع للسيطرة الإسرائيلية منذ 50 عاماً.
•يمكننا أن نفهم لماذا يعتقد اليمين أن استمرار الوضع القائم هو الأفضل، على الرغم من أنه يتعين عليه أن يسأل نفسه: هل يمكن الاستمرار في سياسة النعامة إلى الأبد؟ وهل من مصحلته حسم الموضوع مرة واحدة وإلى الأبد؟ أي مأسسة سياسة الضم والاستيطان التي يتبعانها.
•في مقابل اليمين، تستند معارضة الاستفتاء العام في أوساط واسعة من الجمهور الإسرائيلي تعارض استمرار السيطرة الإسرائيلية على المناطق [المحتلة] إلى الحجة القائلة بأن استفتاء من هذا النوع ليس مفيداً ويمكن أن يضر، فإذا أظهر الاستفتاء وجود أغلبية مع استمرار الاحتفاظ بالمناطق [المحتلة] في اطار دولة واحدة- فإنه سيسبب ضرراً، وإذا أظهر أنه توجد أغلبية تؤيد الانفصال إلى دولتين- فإن شيئاً لن يحدث لأن الحكومة ستواصل إجراء مفاوضات هدفها استمرار الوضع القائم إلى الأبد.
•وحدوث ذلك ممكن، مثلما تستطيع حكومة بريطانيا منع الخروج من الاتحاد الأوروبي بخلاف القرار الذي اتخذ في الاستفتاء العام. كما أن المفاوضات المنتظر أن تجريها بريطانيا مع دول أوروبية ليست أقل تعقيداً من المفاوضات التي من المنتظر أن تجريها إسرائيل بعد القرار المبدئي بإخلاء المناطق [المحتلة] من أجل قيام دولة فلسطينية.
•لماذا والحال كذلك يوصف قرار الشعب البريطاني في الاستفتاء بأنه ذو أهمية تاريخية وسيؤدي إلى تغيير راديكالي في موقف بريطانيا، بينما يوصف القرار الإسرائيلي بإنهاء الاحتلال بأنه عديم الأهمية؟ يبدو أن الذي يدّعي ذلك يتجاهل الأهمية التاريخية الكامنة في قرار الجمهور الإسرائيلي المتعلق بطابع دولة إسرائيل وعلاقاتها مع جيرانها. وفي اليوم الذي يلي اتخاذ القرار سيكون مطلوباً بذل جهد مكثف من أجل تنفيذه. إن الخطوات التي ستحدث بعد الاستفتاء العام ستشير للعالم كله، ومن ضمنه العالم العربي والجمهور الفلسطيني، بأن إسرائيل تتوجه نحو تغيير أساسي في شبكة علاقاتها الإقليمية.
•وحتى قرار رفض الخروج من المناطق وحل الدولتين سيكون له أهمية أكبر، فهو سيقوي اليمين وحركة الاستيطان مع كل ما ينتج عن ذلك. وستعلن إسرائيل أمام العالم نيتها الاستمرار في الاحتفاظ بالمناطق، وعملياً إقامة دولة واحدة بين البحر ونهر الأردن. وسيفرض عليها ذلك اتخاذ قرار بشأن نمط الحكم الذي سيقوم في دولة واحدة إسرائيلية - فلسطينية، كما سيتطلب قبل كل شيء جواباً على مسألة مواطنة الفلسطينيين، والحق في الهجرة الداخلية داخل الدولة الكبرى التي ستقام، وقضية المساواة في الحقوق وغيرها. وسيحكم المجتمع الدولي وفقاً للقرارات التي ستتخذ إذا كان ما سيقام هو الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أم أن الذي سيقام هنا هو دولة أبرتهايد.
•في النهاية، ينبغي التطرق إلى الحجة التي أثارها جزء لا بأس به من زعماء المواطنين العرب، والتي تقول إن المراهنة على الجمهور الإسرائيلي كي يحسم مصير المناطق [المحتلة] حيث يعيش كما هو معروف مليونا فلسطيني، هي من قبيل الغطرسة التي يتصف بها الاحتلال. هذا ما قاله عودة بشارات ("هآرتس" 12/9) عندما تساءل: "بأي حق يحدد مواطن إسرائيلي مصير الأراضي التي هي ملكنا؟" وهاجم صيغة المبادرة التي لا تذكر كلمة احتلال. ومن أجل الدقة فإن مطلب المبادرة هو: "بعد 50 عاماً من السيطرة الإسرائيلية على المناطق، حان الوقت كي نقرر: دولة ثنائية القومية أم دولتان، ضم المناطق أو الانفصال عنها؟ اتركونا نحن الإسرائيليين نقرر ونحدد مستقبلنا".
•من الواضح أن المقصود هو حسم إسرائيلي سيتطلب في جميع الأحوال مفاوضات مع الفلسطينيين الذين سيضطرون هم أيضاً إلى اتخاذ قرارهم. فإذا قررت إسرائيل المضي في حل الدولتين، فستكون هناك حاجة إلى اجراء مفاوضات مع الزعامة الفلسطينية المنتخبة. وإذا اخترنا الضم ودولة واحدة، سينتقل الصراع إلى مستوى آخر تماماً - صورة الدولة المشتركة. ولو كان هذا فعلاً هو القرار الإسرائيلي النهائي، فسيضطر الجمهور الفلسطيني إلى أن يختار ما إذا كان سيناضل من أجل قيام دولة مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل على الرغم من الاختيار الإسرائيلي، أم أنه سيفضل النضال من أجل المساواة الكاملة داخل دولة واحدة. وفي الحالين، يحاول الداعون الى إجراء الاستفتاء العام التوصل إلى حسم الموقف الإسرائيلي. ومن الواضح أنه ليس هدفنا وليس في مقدورنا إملاء رغباتنا على الطرف الآخر.
•لو توحد اليمين ضد الاقتراح ومنع الاستفتاء، فإن هذا سيكون دليلاً مهماً حيال تقدير اليمين لموقف الجمهور من مسألة مواصلة الاحتلال وحل الدولتين. ولكن لو كانت هناك أطراف من اليمين تفضل هي أيضاً طرح المسألة الأساسية التي تواجهها إسرائيل على الجمهور من أجل حسمها، فإن الاستفتاء العام سيحدث تغييراً تاريخياً. ونأمل ألا يكون زعماء الجمهور العربي هم الذين سيمنعون فرص التغيير المنتظر.