•استيقظت الحدود الإسرائيلية- السورية هذا الأسبوع فجأة، بعد هدوء استمر لأشهر طويلة. فالإطلاق العشوائي للقذائف والصواريخ في المعارك الدائرة في الجانب السوري من الحدود انزلق إلى الجانب الإسرائيلي بحجم ووتيرة أثارا تساؤل كثيرين في إسرائيل عما إذا كان النظام السوري بات يشعر أكثر من أي وقت مضى بأنه "انتصر" على المتمردين ضده، ويريد أن يبعث رسالة ردع وتهديد إلى إسرائيل.
•جاء الرد الإسرائيلي على انزلاق النار من سورية كما في الماضي في الحد الأدنى، ومن أجل تسجيل موقف. هاجمت طائرات سلاح الجو مواقع سورية أُطلقت منها الصواريخ والقذائف في اتجاه إسرائيل، لكن ما جرى هو هجوم بلا إصابات ولا أضرار حقيقية في الجانب السوري من الحدود، وبالتالي فالمقصود هو تمرير رسالة تحذير لا أكثر.
•المفاجأة كانت أن السوريين لم يستوعبوا الهجوم الإسرائيلي كما كان يحدث في الماضي، وأطلقوا صواريخ في اتجاه الطائرات الإسرائيلية المهاجمة، وسارعوا أيضاً إلى إعلان أنهم أسقطوا طائرة حربية وطائرة من دون طيار إسرائيليتين. إن الحماسة القتالية التي أظهرتها وسائل الاعلام في دمشق ذكّرتنا بسورية مختلفة، سورية التي عرفناها قبل نشوب الثورة والحرب الأهلية في هذه الدولة- سورية التي تحرّض على الحرب وتعمل على تأجيج الخواطر والأجواء.
•من الواضح إذن أن هذه ليست سورية الجريحة التي تعودنا عليها في السنوات الأخيرة، والتي لم تأخذها إسرائيل أبداً في الحسبان عندما تحركت في الأراضي السورية ضد انتقال السلاح إلى تنظيم حزب الله في لبنان مثلاً.
•ثمة تفسير محلي وموضعي للسخونة على طول الحدود الإسرائيلية- السورية، يتصل بالمعارك التي يخوضها النظام ضد المتمردين من أجل السيطرة على هضبة الجولان السورية وعلى منطقة الحدود مع إسرائيل، حيث ما يزال النظام يحتفظ ببعض القرى الدرزية في شمال الهضبة. وتوجد هذه القرى في مقابل القرى الدرزية الواقعة تحت سيطرة إسرائيل. ويحاول كل من النظام وخصومه تسجيل نقاط أخيرة قبل دخول الهدنة في سورية حيز التنفيذ، التي ستجمد لفترة ما خطوط الحدود الحالية التي تفصل بين الأطراف المتقاتلة في سورية.
•وعلى الرغم من ذلك، ثمة أهمية لحقيقة أنه بينما تسود التهدئة في مختلف أنحاء سورية، حتى لو كانت تهدئة موقتة وهشة، يختار النظام الحدود مع إسرائيل تحديداً لقعقعة سيوف حرب اعلامية، ولكي يظهر عدم اكتراثه حيال انزلاق النار إلى الجانب الإسرائيلي من الحدود.
•يبدو أنه بعد سلسلة الإنجازات التي سجلها النظام في الأسابيع والأيام الأخيرة، أصبح بشار الأسد مقتنعاً بأن الزمن يلعب لصالحه وأنه على المدى البعيد سيتمكن من هزيمة أعدائه. ويمكن تفسير ثقة الأسد بنفسه بالدعم الروسي الذي يحظى به، بالاضافة إلى استمرار الدعم من جانب حزب الله وإيران.
•كما تبرز ثقة الأسد بنفسه من خلال استعداده لتحدي المجتمع الدولي ومواصلة الضغط الذي يمارسه ضد المتمردين في سورية. ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة، عاد الأسد إلى استخدام السلاح الكيميائي الذي ما زال لديه، ويمكن أن نرى في ذلك دليلاً على أن الأميركيين "توقفوا عن العد" منذ وقت طويل.
•من المحتمل أن تكون الاشتباكات في هضبة الجولان مسألة محلية محدودة، لكن من الأفضل أن تتابع إسرائيل ما يجري في الجانب السوري من الحدود عن كثب، كي لا تفاجأ بأن الأسد لم يعد الشخص الذي تعودنا عليه، وأصبح واثقاً من نفسه، متسلحاً بالدعم الروسي للانتقام من أعدائه ومن الذين في رأيه يدعمونهم.