•ذكرت تقارير صحافية من موسكو الأسبوع الفائت أن قاذفات استراتيجية روسية من طراز "توبوليف 22" مرابطة في مطار همدان في غرب إيران انتقلت إلى هذا المطار لقصف أهداف تابعة للمتمردين والسكان الذين يؤيدونهم في سورية. وتشكل هذه الخطوة لبنة أخرى في مدماك تعزيز التحالف الاستراتيجي بين موسكو وطهران الذي بدأ في أيلول/ سبتمبر 2015 ويهدف إلى مساعدة الرئيس بشار الأسد.
•وإزاء ذلك كان هناك في العالم من رفع حاجبيه اندهاشاً من استعداد إيران للسماح لروسيا بمرابطة طائرات قتالية متقدمة على أراضيها، نظراً إلى أن الواقع في الشرق الأوسط يشير إلى أن الدول التابعة أو الضعيفة التي تطلب الدفاع عنها هي فقط التي تسمح لقوة عظمى بالتواجد في أراضيها. وهذه الصفة لا تنطبق على إيران التي تظهر دائماً كدولة تفخر باستقلالها وفي الوقت عينه كدولة صاحبة ذاكرة تاريخية طويلة تشمل فترة الاحتلال الروسي المتواصل لمناطقها الشمالية.
•لكن من وجهة نظر طهران يبدو أن مرابطة طائرات روسية في أراضيها تقوّيها في وجه الولايات المتحدة وخصومها الإقليميين بما في ذلك إسرائيل. والحديث لا يدور حول حماية وخضوع بل عن تعاون قوتين عظميين - الأولى روسيا باعتبارها قوة عالمية، والثانية إيران باعتبارها قوة إقليمية - تتقاسمان الاستراتيجية والأهداف المشتركة في المنطقة.
•ولا شك في أن هذه الخطوة الإيرانية- الروسية موجهة أساساً ضد واشنطن، ومع ذلك كان الرد الأميركي متردداً بحسب ما هو متوقع من الإدارة الأميركية الحالية برئاسة باراك أوباما التي لا يدفعها شيء، ولا حتى الفوضى الإنسانية التي تحدث في سورية لفعل أي شيء والخروج من الجمود والشلل اللذين فرضتهما على نفسها. ويتأكد يوماً بعد يوم أن هذه الإدارة ببساطة لا تريد سماع أي شيء عن الشرق الأوسط، وكل خطواتها في هذه المنطقة باتت خاضعة لرؤية ضيقة ووسائل الإعلام وليست مبنية على نظرة تاريخية بعيدة المدى.
•إن ثمن هذه الشراكة الإيرانية - الروسية والشلل الأميركي يدفعه المدنيون في سورية، وتتم جبايته الآن في مدينة حلب في شمال الدولة التي تتعرض للقصف الروسي. وبينما تتحدث موسكو عن إصابة أهداف لتنظيم "داعش" فإن الصور التي تصل من هناك لا تترك مكاناً للشك أن من يصاب نتيجة القصف الروسي لمدن سورية هم المتمردون والسكان الذين يؤيدونهم. لو كانت إسرائيل تسمح لنفسها بأن تفعل في لبنان وغزة ولو بنسبة واحد بالألف مما يفعله الروس في سورية لكان العالم كله ثارت حميّته.
•في غضون ذلك اكتشفت روسيا ما سبق أن اكتشفته إسرائيل أيضاً، وهو أن القصف الجوي غير كافٍ، وأن الجيش السوري الذي يعتمد الروس عليه من أجل خوض المعارك البرية بات مُستنزفاً وبإمكان المتمردين الصمود في وجهه. وبناء على ذلك لا تستبعد روسيا إمكان القيام بخطوة سياسية تضمن لها تحقيق أهدافها في سورية من دون الغرق في أتون الحرب الأهلية الدائرة في هذه الدولة.
•ثمة احتمال بأن تدفع إسرائيل أيضاً ثمن هذا التحالف المتزايد بين موسكو وطهران. صحيح أنه على المدى البعيد يمكن أن تجد روسيا وإيران نفسيهما في مواجهة السؤال بشأن ما إذا كانت سورية الأسد بعد الانتصار على المتمردين ستكون برعاية إيرانية أم روسية، لكن المشكلة من ناحية إسرائيل تظل كامنة في حقيقة أن إيران تعزز مكانتها وحصانتها في المنطقة في وجه أي خطوة ضدها، سواء كانت أميركية أم إسرائيلية. وفي الآونة الأخيرة جرى حديث حول انتشار قوات إيرانية في جنوب دمشق ليس بعيداً عن منطقة الحدود مع إسرائيل. فضلاً عن ذلك، فإن حزب الله باعتباره ضلعاً ثالثاً في التحالف الإيراني - الروسي يزداد قوة. فهو يكتسب تجربة عسكرية عملانية ويحصل على سلاح متقدم، وبصورة غير مباشرة يحصل على اعتراف موسكو حتى لو لم يقر الروس بذلك.
•واضح أن موسكو لا تعمل بوعي وعن قصد ضد إسرائيل بل على العكس، لكن إيران وحزب الله ليسا كذلك، وحتى لو كانت نيات روسيا حيال إسرائيل إيجابية فإن خطواتها في المنطقة تعزز التحدي من طرف إيران وحزب الله الذي تواجهه إسرائيل. ويبقى السؤال: هل تستطيع روسيا في ظل حدوث توتر أو حتى مواجهة بين هذه الأطراف الحؤول دون ذلك؟ إن الجواب على ذلك موجود لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.