معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
تقديم
[على رفوف المؤسسة العسكرية الأمنية وثائق عديدة تعرّف "مفهوم الأمن القومي" لدى إسرائيل، وغالبيتها "مصنفة" سرية، وتعرض صورة واضحة ومتماسكة نسبياً عن استراتيجيا الجيش وعقيدته القتالية الرسميتين. ولكن عندما نعود إلى الحملات العسكرية الست الكبيرة الأخيرة، التي شنها الجيش الإسرائيلي ما وراء الحدود، نجد أنه خاضها وفقاً لأنماط متكررة مغايرة للاستراتيجيا والعقيدة الرسميتين. وعندما نربط هذه الأنماط ببعضها البعض، نجد أنها ترقى إلى مستوى عقيدة حرب ثانية غير مكتوبة.
رون تيرا يشرح في هذا المقال الذي ننشره أدناه على حلقات هذه العقيدة غير الرسمية].
•على رفوف المؤسسة العسكرية/الأمنية وثائق عديدة محفوظة تعرّف "مفهوم الأمن [القومي]" لدى إسرائيل، وغالبيتها "مصنفة" [سرية]. وفي القسم غير المصنف يمكن تعداد كتابات بن - غوريون التأسيسية في خمسينيات القرن الماضي، وكتاب الجنرال (احتياط) يسرائيل طال، ومحاولة الجنرال (احتياط) دافيد عِفْري صياغة مفهوم للأمن في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ومقتطفات سمح بنشرها من "تقرير لجنة مريدور"، وكتاب الجنرال (احتياط) بروفسور يتسحاق بن يسرائيل، ومنشورات تصف المسودة المعمقة، لكن "المصنفة"، التي أصدرها "مجلس الأمن القومي. ومؤخراً، نشرت وثيقة "استراتيجيا الجيش الإسرائيلي" بتوقيع رئيس هيئة الأركان العامة [غادي أيزنكوت] (لاحقاً استراتيجيا 2015). وعلى الرغم من أن مفهوم الأمن الخاص بإسرائيل لا يعنى فقط بالحرب وإنما أيضاً بالأمن الجاري، وبالحملات العسكرية بين الحروب. وبالعلاقات مع حلفاء وغير ذلك من الأمور، فإن معظم هذه المنشورات تعنى بمسألة كيف تحارب إسرائيل، مع تركيز أكبر على عقيدتها الذاتية [subjective] للانتصار في الحرب. والوثائق المذكورة أعلاه تعرض صورة واضحة ومتماسكة نسبياً لاستراتيجيا وعقيدة الجيش الإسرائيلي (على الأقل حتى ظهور مسودة مجلس الأمن القومي واستراتيجيا 2015، اللتين يلاحظ فيهما تغيير في التوجه).
•لكن بالنسبة للحملات العسكرية الست الكبيرة الأخيرة التي شنّها الجيش الإسرائيلي ما وراء الحدود، فقد خاضها بموجب أنماط متكررة، مغايرة للاستراتيجيا والعقيدة الرسميتين. وبالفعل، ثمة قاسم مشترك واسع بين حملات "محاسبة " (1993)، و"عناقيد الغضب" (1996)، وحرب لبنان الثانية (2006)، و"الرصاص المصبوب" (2008 -2009)، و"عامود سحاب" (2012)، و"الجرف الصامد" (2014). وسيشار إلى هذه الحملات الست مجتمعة في هذا المقال بتعبير "حملات يحكمها منطق المحاسبة". وهذا المنطق يهدف إلى صياغة قواعد اللعبة لسلوك الأطراف في الأوقات الاعتيادية التي تعقب المواجهة التي خيضت بواسطة ضربة عسكرية أو استزاف بالقوة النارية، وبممارسة ضغط غير مباشر، وكل ذلك من خلال تخصيص موارد محدودة والحد من المخاطر.
•ولو كان الأمر يتعلق بحالة مفردة لأمكن القول إن الأمر يتعلق بتقدير موضعي أو أنه انحراف عن العقيدة يستدعي تفحصه (مثلما حدث بالفعل في 2006). ولكن، بما أن إسرائيل والجيش الإسرائيلي تقيدا بأنماط سلوك نموذجي خلال ست حملات عسكرية على مر عقدين ونصف عقد من الزمن، يبدو أن الأمر لا يتعلق بخطأ وإنما بتطبيق عقيدة حرب ثانية جليّة (لا سيما وأن الجميع يعلم ماذا حدث في حملات "منطق المحاسبة" الست)، لكن هذه العقيدة لم تُصغ بشكل رسمي مما ولّد توترات متكررة بحكم تعارضها مع الوثائق الرسمية والتوقعات السائدة بشأنها في أوساط الجيش الإسرائيلي والجمهور.
•وبطبيعة الحال، لا بد من توضيح أن العقيدة الكلاسيكية صيغت أولاً وقبل كل شيء لمواجهة غزو خصوم دولتيين [جيوش نظامية]، بينما شنّت حملات منطق المحاسبة الست ضد خصوم غير دولتيين ضعفاء نسبياً، عملوا وفق منطق إلحاق أذى عام بدولة إسرائيل بواسطة إطلاق قذائف وصواريخ منحنية المسار من عمق أراضيهم، وليس بهدف تحقيق انتصار حاسم ضد الجيش الإسرائيلي أو احتلال أراض. وعلاوة على ذلك، يمكن الادعاء أنه في جبهة لبنان لا يوجد مكسب سياسي- استراتيجي مهم بمستطاع إسرائيل تحقيقه بشكل واقعي، ولذا غايتها السياسية - الاستراتيجية في لبنان كانت "سلبية" في جوهرها: تقليص الحاجة إلى الانشغال بهذه الجبهة إلى الحد الأدنى. ويمكن الادعاء أنه في جبهة قطاع غزة كانت غاية إسرائيل الحفاظ على الوضع السياسي - الاستراتيجي القائم، وليس إحداث تغيير فيه. وإذن، بالإضافة إلى محاولتنا في هذا المقال أن نربط بين عمليات إسرائيل العسكرية توصلاً إلى عقيدة متماسكة، ينبغي تحديد القرارات التي اتخذت في كل حالة على حدة، آخذين بعين الاعتبار ظروفها وسياقاتها الفريدة.
•ولا بد أيضاً من توضيح أن ادعاء الخروج عن العقيدة الإسرائيلية الكلاسيكية مبني على وقائع ونابع من محاولة تعقب أنماط سلوك متكرر ومميز وليس بالضرورة من قبيل النقد. وأساساً، إن قرار شن هجوم بري واسع (لم ينفذ في أي حملة من حملات "منطق المحاسبة") يجب أن يكون نابعاً من تقييم أن هكذا هجوم سيسهم بشكل ملحوظ في تحقيق النتائج المرجوة في ظروف وسياق كل مواجهة محددة، وليس من التزام تلقائي بعقيدة قتالية.