من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•عندما يتبدد غبار الضجيج والغباء الذي يحوط بإيرز بيطون [الذي طلبت منه وزارة التعليم وضع تقرير يظهر تراث يهود إسبانيا والشرق في الثقافة الإسرائيلية] وغيدي أورشار [المذيع في إذاعة الجيش الإسرائيلي الذي طُرد من وظيفته بسبب تعليقاته العنصرية ضد مساهمة اليهود الشرقيين]، وعندما يصمت الانتهازيون والمحرّضون، سيتبين لنا أن المجتمع الإسرائيلي يمر بالفعل بعملية عميقة ومهمة ويعاود تحركه من الغرب نحو الشرق.
•لقد أقيمت إسرائيل سنة 1948 بناء على أنماط واضحة لليهودية في وسط وشرق أوروبا. والمؤسسات والشخصيات والثقافة والتراث والقادة كلهم جاؤوا من هناك. لكن عندما أقيمت الدولة اتضح، للأسف، أن أغلبية الشعب التي كان من المفترض أن تسكن في هذه الدولة قد دمرت ولم يعد لها وجود. حينها قامت الثورة الصهيونية باستدارة دراماتيكية وتوجهت نحو يهود الدول الإسلامية. وذلك ليس كأمر مرغوب فيه منذ البداية، لكن كأمر اضطراري نشأ لاحقاً؛ قطع غيار بشرية للدولة الجديدة العطشى إلى يهود يسكنون فيها.
•وفي مقابل الوجوه المكفهرة لمؤسسي الدولة في مواجهة طوفان "المادة البشرية" غير المعروفة بالنسبة إليهم بزعامتها ولغاتها، كانت سعادة القادمين الجدد تقريباً لا حدود لها. وهكذا نقطة الالتقاء الأولى هي أيضاً نقطة الانقسام المفصلية. وفي الوقت الذي كانت فيه الصهيونية الأشكيازية تمرداً فظاً ضد الأم اليهودية، كانت يهودية الدول الإسلامية في معظمها تحقيقاً للصلوات والشوق لصهيون. صهيونية ثورية ضد يهودية تقدم وارتقاء.
•من أجل التجسير بين الطرفين أنشىء في صلب الهوية الإسرائيلية بوتقة صهر ساخنة. وحاولت المؤسسة [الصهيونية] بأقصى طاقتها صهر الجميع وصبهم في قالب عبري جديد لعموم الإسرائيليين. لكن مع مرور الزمن تبين أن بوتقة الصهر لم تنجح، والهويات لم تنصهر ولم تتلاشَ. وتواجه إسرائيل اليوم حروق الصهر، وتصارع بحثاً عن توازن بين هوياتها.
•هذا هو السياق العام الذي بين حين وآخر تثور في داخله الغرائز القبلية التي كان من أبرز الناطقين بإسمها المرحومان عوفاديا يوسف وديفيد طوباز، أو شلومو بنزيري وغيدي أورشار أطال الله في عمرهما. إن كلاً منهما من خلال عدم المبالاة بالعنصرية المتضمنة في كلامهما، يحاول أن يظهر تفضيله في ما يتعلق [بالهوية] الإسرائيلية المتأرجحة. لسنوات طويلة كانت إسرائيل أشكينازية في جوهرها، وشهدت علاقات قوة ذات مضامين عنصرية وعلى أساس عرقي. وبعد سنوات من هذا التشويه هناك من يدفعها الآن إلى الضفة الأخرى، وهذا ليس سيئاً بل قد يكون جيداً.
•لكن في حمأة التوتر البنيوي بين المؤسسين وبين المنضمين المتضررين تسير إسرائيل نحو الهلاك. لقد تحولنا إلى مكان منعزل، ابتعدنا عن مرافىء المغادرة في دول مسيحية وفي دول إسلامية، ولم نصل أبداً إلى الغاية المقصودة، أي مجتمع ديموقراطي ودولة ديموقراطية، على الرغم من أنهما يشكلان جزءاً طبيعياً من النسيج الجغرافي والثقافي للبيئة التي من حولنا. إن الهوس باقامة الجدران حولنا ليس مجرد ضرورة أمنية فقط، بل هو جهد متواصل لتخليد الانفصال عن المرفأ الشرق أوسطي الذي نرفض أن نرسو فيه.
• إن جزءاً من المسؤولية ملقى على عاتق الدول المجاورة، وجزءاً كبيراً ملقى على أكتافنا القومية. المؤسسون، الذين كانت لغتهم الييدش [مزيج من العبرية والألمانية التي كان يتحدث بها يهود أوروبا الوسطى] والروسية لم ينجحوا أبداً في التقرب من اليهود العرب وأيضاً من المحيط العربي. وعلى الرغم من أن الثقافة الأشكينازية ومؤسساتها هي جزء من علاقتنا الآخذة في التناقص مع الغرب، فإنها أيضاً جزء من الحواجز التي تفصل بيننا وبين جيراننا القريبين والبعيدين. آن الأوان لتفكيك بعض هذه الحواجز، وأن نبني شبكة تعامل مختلفة داخلياً وخارجياً.
•إن إسرائيل أكثر شرقية سيكون لديها ما تربحه. وأنا أؤمن بأن تنازل المكوّن الإشكينازي عن الهيمنة، على المجتمع الإسرائيلي، والاعتراف بالاجحاف الذي لحق بالقادمين من دول إسلامية، سيسمح بتهوية حيوية لأسس قديمة وفاسدة ولبعض الحقوق الزائدة التي كان يجب ألا تكون موجودة.
• في إسرائيل التي هي ملك ليهود عرب وغربيين، ستكون هناك أنظمة اجتماعية جديدة متساوية. وهي ستحترم تراث الجميع وكافة التقاليد الإسرائيلية، ومن بينها الشرقية والعربية. وإسرائيل المتجددة لا تستطيع الامتناع عن الحوار الضروري مع المجتمعات الإسلامية التي جاء منها الكثير من شعبنا.
•لقد جلب الأشكيناز معهم روحيتهم الطلائعية والمبادرة والديموقراطية الغربية والنظام البرلماني والأكاديميا والتفكير الاجتماعي- الاقتصادي، ولكن أيضاً التطرف الإيديولوجي والديني والسياسي. وهذا هو الذي تسبب بكل الاخفاقات الحالية. ومن دون جسر إلى المنطقة لا مستقبل لنا هنا، ومثل هذا الجسر لا يمكن أن يبنى من دون تراث يهودي شرقي، ومثل هذا التراث ليس ممكناً من دون تقليص جزء من السيطرة الأشكينازية التي انتهى مفعولها.
• إسرائيل المستقبلية ستكون خليطاً من إرث الغرب وتقاليد الشرق- ديموقراطية تحترم التقاليد. ولا يبدو لي أنه ستكون هنا أغلبية تتنازل فعلاً عن القيم الأساسية الغربية: ديموقراطية، وحقوق، منهج الشك، والتحضر. مع ذلك فإن الواقع سيكون أقل كثيراً علمانية وأكثر محافظة في تحديد الهويات وفي سلوكياتها. وستكون اللغة العربية لغة اجتماعية بالفعل، ومجالاً لاختلاف مشترك، وليس فقط لغة الأقلية المنبوذة ولغة الشاباك.
• إن جذور الإسرائيليين في دول المنطقة ستكون محترمة تماماً مثلما جذروهم في بولنده وروسيا. والعادات الدينية، حتى الغريبة منها، لن تشكل سبباً للتعالي أوالاحتقار، وهذا النموذج من الحوار بين الطوائف في الداخل والخارج، يمكن أن يحول إسرائيل من بلد يعاني صراعاً مزمناً إلى نموذج عالمي وأيقونة للحوار بين أشخاص مختلفين ومتعارضين.