اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا يمثل المصالح المشتركة بين الدولتين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•يأتي اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا متأخراً ست سنوات. كان في الإمكان التوصل إلى هذا الاتفاق بعد أيام من الحادثة المأساوية التي قتلت فيها قوات الجيش الإسرائيلي تسعة مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة مافي مرمرة. فخلال الفترة الزمنية القصيرة بعد المواجهة طالبت تركيا فقط بالاعتذار ودفع تعويضات، ولم يكن رفع الحصار عن غزة قد تحول إلى شرط أساسي وإلى سبب لتأخر الاتفاق أكثر من ست سنوات.

•لقد وافقت إسرائيل على دفع تعويضات، وبعد ذلك بوقت طويل وبوساطة من الرئيس أوباما وافق نتنياهو على شرط الاعتذار. كان في إمكان ذلك أن يشكل فرصة لرفع الحصار عن غزة، أو على الأقل التوصل إلى الشروط عينها التي جرى التوصل إليها في الاتفاق الحالي. إن بناء محطة لتوليد الطاقة ومستشفى ومنشأة لمعالجة المياه ونقل معدات ومساعدة من طريق مرفأ أشدود لا يعني رفع الحصار ولا السماح بحرية التنقل من غزة إلى الضفة أو إلى الأردن، ولن تبدو إسرائيل وكأنها تنازلت. صحيح هنا أن تركيا تنازلت وتراجعت عن مطلبها رفع الحصار بصورة كاملة، لكن التنازل التركي لا يعني إنجازاً إسرائيلياً، فهو سيجعل تركيا تظهر وكأنها الدولة الوحيدة التي ما تزال تقلق على مصير مليون و800 ألف مواطن في غزة يعيشون تحت مسؤولية إسرائيل، وسيجعل إسرائيل تبدو وكأنها تمنح شرعية للعلاقة بين تركيا وقيادة حركة "حماس" في القطاع.

•إن البند الذي جاء فيه أن تركيا لن تسمح لـ"حماس" بالقيام بنشاطات عسكرية على أراضيها، يتيح للحركة امكانية الاحتفاظ بممثليتها في تركيا وإقامة علاقة سياسية مع دول وتنظيمات أخرى، كما سيتيح لها بصورة خاصة جمع المال وإدارة قنوات التبرعات التي تحصل عليها. وثمة شك في أن تنجح تركيا في إقناع "حماس" بأن تجري مفاوضات بواسطتها من أجل اعادة الجنديين المفقودين، فقد طُلب من تركيا قبل الاتفاق هذا الأمر، ووافقت على طلب إسرائيل الحصول على معلومات من ممثلي "حماس" لكن من دون نجاح، إذ تعتبر "حماس" موضوع المفقودين ورقة مقايضة مع إسرائيل وليس هدية ترغب في تقديمها إلى تركيا لقاء توقيعها اتفاق مصالحة مع إسرائيل، ولا سيما أن إعادة المفقودين إلى إسرائيل ليست شرطاً من شروط الاتفاق، لأن إسرائيل لا تريد أن تظهر وكأنها تجري مفاوضات مع الحركة. وهذا موقف إسرائيلي غريب، لأنه من المحتمل جداً أنه لو اقترحت "حماس" إجراء مثل هذه المفاوضات مع إسرائيل مباشرة أو غير مباشرة، فإن إسرائيل كانت ستوافق.

•لكن من الخطأ فحص ميزان الربح والخسارة للاتفاق من وجهة نظر "حماس" أو بالاستناد إلى التعويض المالي وهو نحو 80 مليون شيكل ستدفعها إسرائيل إلى صندوق مخصص للتعويض على عائلات القتلى. ثمة أهمية استراتيجية عليا لشبكة العلاقات بين تركيا وإسرائيل. خلال فترة طويلة حتى قضية الأسطول بما في ذلك خلال فترة حكم أردوغان، كانت تركيا بحاجة إلى إسرائيل كجسر يصلها بالولايات المتحدة، لكن تركيا حالياً لم تعد بحاجة إلى هذه الخدمات، فوضع إسرائيل المتزعزع في الاتحاد الأوروبي وإلى حد بعيد في الولايات المتحدة لم يعد يمنحها الأهمية التي كانت لها في الماضي في هذا المجال. 

•لكن تركيا مثل إسرائيل تبحث عن أصدقاء جدد آخرين في المنطقة بعد الشرخ العميق الذي أدى إلى انهيار مبدأ "صفر مشكلات مع الدول المجاورة" الذي سعت أنقرة إلى تحقيقه. فبعد مرور سنة على قضية الأسطول قطعت تركيا علاقاتها مع سورية، وانهارت علاقتها بمصر في تموز/يوليو 2013 بعد أن رفض أردوغان الاعتراف بشرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي. أما دول الخليج بما فيها السعودية، فقد اعتبرت تركيا خصماً غير مرغوب فيه، إلى أن قرر الملك سلمان في مطلع هذا العام ضم تركيا إلى التحالف السني ضد إيران. وليبيا التي كانت مركزاً للاستثمارات التركية تتفكك، وتبذل روسيا كل ما في وسعها من أجل إهانة تركيا والمس بها بعد إسقاط تركيا الطائرة الروسية.

•ليس لدى إسرائيل المكانة التي تخولها مصالحة تركيا مع مصر أو مع روسيا، مثلما لا تستطيع تركيا تقريب السعودية من إسرائيل، لكن لدى الدولتين مصالح مشتركة تتجاوز رغبة إسرائيل بيع الغاز لتركيا والمسعى التركي نحو تنويع مصادر التزود بالغاز وخفض الاعتماد على روسيا. الدولتان تهددهما الحرب السورية، ولديهما اهتمام كبير في التأثير على مستقبلها، وهما قريبتان بصورة خطرة من قواعد تنظيم داعش، وللدولتين مكانة كبيرة في سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط. قد يكون من المبكر جداً الحديث عن تعاون عسكري بين الدولتين، لكن تعاوناً سياسياً واستراتيجياً ثنائياً أو متعدد الأطراف بمشاركة الولايات المتحدة ودول أوروبا، هو بالتأكيد ممكن جداً وفي وقت قريب نسبياً. بناء على ذلك، من المهم أن نتذكر أن هذا ليس اتفاق سلام بين دولتين عدوتين بل هو اتفاق لترميم العلاقات بين الدولتين وبين الشعبين بعد فترات من العلاقات الممتازة. وعلى الرغم من أن الاتفاق أتى متأخراً جداً، إلا أنه ضروري للغاية.