هل يتوجب على إسرائيل وضع التيار السلفي – الجهادي في رأس سلم التهديدات؟*
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

•بعد أن تراجع كثيراً خطر وقوع مواجهة عسكرية تقليدية بين إسرائيل وجيوش دولة مجاورة أو تحالف دول عربية، تجد إسرائيل نفسها أمام ثلاثة تهديدات أساسية أخرى: الأول - التهديد المتمثل في المحور الشيعي بقيادة إيران، ويشمل حلفاءها الذين بعضهم ليس من الشيعة، والمسمّى أحياناً "محور المقاومة" بسبب تبنيه أيديولوجية تحمل هذا الاسم وتستهدف الغرب وإسرائيل، بوجه أساسي؛ الثاني - التهديد المترتب على الفشل المتواصل في حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وخيار إدارة الصراع بدلاً من حله؛ الثالث - التهديد الذي تشكله الحركات السلفية - الجهادية، وخاصة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والجماعات المتماثلة معه في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، إضافة إلى تنظيم "القاعدة" وجماعات أخرى في معسكر الجهاد العالمي. 

•وقد اكتسبت التهديدات من الفئة الثالثة أهمية وخطورة فائقتين في أعقاب الهزة والتصدعات المستمرة التي يشهدها العالم العربي منذ نهاية العام 2011، والتي أدت حتى الآن إلى إضعاف الدول العربية وإيجاد أرضية خصبة لتعاظم الحركات السلفية - الجهادية. فقد أحسنت هذه استغلال حالة الفراغ الناتجة عن تضعضع البنى المؤسساتية في الدول العربية، والأزمات السلطوية والاقتصادية والاجتماعية المتواصلة فيها، إلى جانب ثقافة الفساد المستشري فيها وإسقاطات هذا كله ـ بما في ذلك التوترات الدينية والإثنية - على المزاج الجماهيري العام. 

•وقد أدى ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، كظاهرة سنّيّة جديدة، واستيلاؤه على مناطق واسعة في العراق وسورية وإعلانُه "الخلافة الإسلامية" في تلك المناطق، إلى جانب الخشية من اتساع الظاهرة وانتشارها في مناطق واسعة أخرى ـ أدى هذا كله إلى تشكّل سلم أولويات جديد لدى الولايات المتحدة ولدى الدول الغربية، تبلور النظرة التي ترى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" هو التهديد الرئيسي الذي ينبغي مواجهته. 

"المحور الشيعي" على رأس سلم الأولويات 

•لم يطرأ في إسرائيل تغيير مماثل في ترتيب سلم الأولويات المطلوب في مواجهة التهديدات والمخاطر المختلفة. وبقيت السياسة المعلنة من قبل حكومة إسرائيل متشبثة بالتوجه القائل بأن الخطر المركزي الأكبر المحدق بدولة إسرائيل يتمثل في إيران وحلفائها. ولهذا الموقف أسباب عديدة.  

•أولاً، الخطر الإيراني متعدد الأبعاد والمستويات. ينصب اهتمام صناع القرار إلى حد كبير على التهديد الإيراني، وتذهب تقديرات الحالة القومية إلى التأكيد على أن المشروع النووي الإيراني معدّ، منذ بدايته، لامتلاك قوة عسكرية وأن إيران لم تتخلّ عن طموحها هذا. ولا يصدق الإسرائيليون أن إيران قد غيّرت سياستها، ويتخوفون من أن تحاول المراوغة وخرق بعض بنود الاتفاق النووي، في السنوات الأولى بعد التوقيع عليه، وبالتأكيد في السنوات المتأخرة اللاحقة. وتعتبر إسرائيل أن إيران كقوة نووية تشكل تهديداً مباشراً على مجرد وجودها. وفي المقابل، تشكل إيران تهديداً استراتيجيا مباشراً آخر، نابعاً من منظومة الصواريخ البالستية المتطورة التي في حوزتها. وهي منظومة ذات قدرة على العمل برؤوس تقليدية أيضاً ويمكن استخدامها لضرب مدن وأهداف استراتيجية في داخل إسرائيل. وهذا، إضافة إلى منظومة الصواريخ والقذائف التي تمتلكها ذراع إيران في لبنان، حزب الله، والتهديد الكامن في دعم وتشجيع العمليات الإرهابية من جانب مبعوثي إيران وصنائعها، بالإضافة، إلى حزب الله، مثل تنظيمات فلسطينية مدعومة منها. كما تمتلك إيران، أيضاً، قدرة متطورة على تنظيم حملة إرهابية ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في العديد من دول العالم. 

•ثانياً، التقدير السائد لدى كثير من الخبراء في إسرائيل هو أن العداء الإيراني تجاه إسرائيل متأصل وأيديولوجي في جوهره، وليس ثمة تفاؤل كبير في إسرائيل بشأن فرص إحداث تغيير في طابع النظام الإيراني في المستقبل المنظور. 

•ثالثاً، ترى التقديرات الإسرائيلية أن حزب الله يشكل التهديد الإرهابي والعسكري المباشر الأخطر على إسرائيل، كما تشير إلى أن محاربة التنظيم ستكلف أثماناً باهظة، بالنظر إلى تجاربها المريرة في المواجهات السابقة. إن حزب الله هو تنظيم هجين يتمتع بمزايا اللاعب غير الدولتيّ، ومن بينها الغموض والقدرة على خوض حرب غير متناظرة على درجة عالية من الكفاءة والنجاعة، دون الخضوع لاعتبارات سياسية وقانونية وأخرى، كما هو الحال بالنسبة للدول.   

•لكن، من جهة أخرى، حزب الله يمتلك قدرات عسكرية تضاهي قدرات بعض الدول، من ضمنها احتياطي كبير من الوسائل القتالية التي تشمل وسائل متطورة جداً في مجال التكنولوجيا العسكرية، فضلاً عن قوة عسكرية كبيرة، معبأة ومدربة. ومن شأن هذه كلها أن تمكّن التنظيم من تشكيل تهديد مكثف ضد أهداف مختلفة في كامل مساحة دولة إسرائيل. وسوية مع ذلك، يشارك حزب الله في الحياة السياسية الداخلية في لبنان ويتمتع بتأثير كبير فيها، إلى جانب قدرته على تجنيد قطاعات واسعة من الجمهور اللبناني. وبالرغم من أن مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية في سورية تكلفه أثمانا باهظة، إلا أنه يواصل تعزيز قدراته المختلفة، سواء بالحصول على منظومات أسلحة متطورة من إيران وسورية، وعبرهما من روسيا أيضاً، أو بمراكمة الخبرات العمليانية في ساحات القتال.   

كيف تنظر إسرائيل إلى تهديد "الدولة الإسلامية"؟

•يتعين على إسرائيل، في الوقت نفسه، الاستعداد لمواجهة التهديدات الناجمة عن تعاظم الجهات السلفية ـ الجهادية، والتي أصبح بعضها عينيا وملموساً. حتى الآن، تركز نشاط هذه التنظيمات ضد إسرائيل في شبه جزيرة سيناء، حيث تصاعد نشاط الجماعات السلفية - الجهادية، حتى أن إحداها انضمت إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" وأعلنت نفسها "ولاية سيناء"، كجزء من الخلافة. ومن داخل سيناء، تم تنفيذ عدد من العمليات العسكرية ضد إسرائيل، من بينها نصب كمائن وإطلاق قذائف، أوقعت عدداً من القتلى المدنيين. 

•ويثير فقدان نظام الأسد سيطرته على الجزء الأكبر من المنطقة الحدودية مع إسرائيل في هضبة الجولان مخاوف من مغبة وصول جماعات سلفية - جهادية إلى هناك تحضيراً لمواجهة مباشرة مع إسرائيل، وانتقالها في مرحلة معينة إلى تطبيق أيديولوجيتها المعادية لإسرائيل من خلال شن هجمات وتنفيذ عمليات في الأراضي الإسرائيلية. وقد تعززت هذه المخاوف على خلفية ما شرع فيه تنظيم "جبهة النصرة"، الذي يعلن انتماءه إلى تنظيم "القاعدة"، من نشاط في القطاع الشمالي من حدود هضبة الجولان، بالتزامن مع شن "الدولة الإسلامية" عمليات هجومية في جنوب سورية.   

•خلال الفترة التي حقق فيها تنظيم "الدولة الإسلامية" إنجازات هامة بالاستيلاء على مناطق واسعة، تعمقت المخاوف الإسرائيلية من احتمال انتقال هذا التنظيم إلى الأردن أيضاً، بدفع من إنجازاته تلك. وكما يبدو، توجد في الأردن، معطيات مثلى تتيح تغلغل "الدولة الإسلامية" في الأراضي الأردنية: الأغلبية الساحقة من سكان الأردن هم من المسلمين السنّة. وفي الأردن، أيضا، قطاع واسع من السكان الذين يميلون إلى دعم الأيديولوجيات الإسلاموية، علماً بأن تنظيم "الإخوان المسلمون" يحظى، تقليدياً، بتأييد غير قليل في المجتمع الأردني. وتنوء المملكة تحت عبء ما يزيد عن مليون نصف المليون لاجئ سوري تسربّوا إلى مناطقها ويشكلون عبئاً ثقيلاً على اقتصادها الهش أصلاً. ويمثل استيلاء "الدولة الإسلامية" على الأردن كابوساً لإسرائيل التي تربطها مع الأردن الحدود المشتركة الأكثر طولاً. 

•ورغم هذا كله، لا يزال مستوى التهديد من جانب "الدولة الإسلامية" والتنظيمات السلفية ـ الجهادية الأخرى يبدو منخفضاً، لأسباب عدة. أولها، أن "الدولة الإسلامية" ومعظم التنظيمات الجهادية المركزية الأخرى لا تزال تركز نشاطها، حتى الآن، في حلبات بعيدة عن إسرائيل. وثانيها، أن التخوف من مغبة حصول تطورات سلبية في الأردن قد تراجع بدرجة كبيرة. 

•لقد أثبت النظام الأردني قدرة عالية على الصمود، وخاصة بفضل ولاء الجيش للنظام وقدرته على معالجة التهديد العسكري المباشر الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية" بسهولة لافتة، نسبياً. وهذا، إلى جانب درجة عالية من الاستقرار في الساحة الأردنية الداخلية، بفضل إدارة الملك الحكيمة للأزمة، والمعونات الاقتصادية السخية من الخارج ودعم الجمهور المحلي للملك في أعقاب عملية القتل الوحشية التي نفذها تنظيم "الدولة الإسلامية" بحق الطيار الأردني المختطف. 

•ويكمن السبب الثالث في حقيقة أن الصراع مع إسرائيل لا يزال يحتل مرتبة متدنية في سلم أولويات هذه الجماعات، على الرغم من التزامها الأيديولوجي، وهي تواصل تركيز جهودها حتى الآن في الصراعات الداخلية التي تدور رحاها في داخل الدول العربية ذاتها. ويصب تنظيم "الدولة الإسلامية" جل جهوده في جبهات القتال الدائر على الأراضي السورية والعراقية ضد النظامين الحاكمين وضد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والتحالف الروسي - الإيراني. أما التنظيمات الأخرى التي أعلنت ولاءها لتنظيم "الدولة الإسلامية" فلا تزال غارقة في الصراعات المحلية التي تخصها هي بصورة مباشرة. فتنظيم "ولاية سيناء" المصري، مثلاً، يركز جل جهوده في محاربة الجيش المصري، وقليلاً ما يقوم بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل. وهو الحال أيضاً بالنسبة للجماعات التابعة لتنظيم "القاعدة"، إذ تركز نشاطها في حلباتها الداخلية وتضع حالياً العمليات ضد الغرب وإسرائيل في الدرجة الثانية من سلم أولوياتها. فتنظيم "جبهة النصرة"، مثلاً، يفضل في هذه المرحلة عدم فتح جبهة ضد إسرائيل في هضبة الجولان في الوقت الذي يخوض فيه صراعاً وجوديا مع نظام الأسد ومجموعات أخرى من المتمردين والثوار. وعلى هذا، فإن ما يثير قلقاًَ أكبر لدى إسرائيل الآن هو تجدّد انتشار مقاتلي حزب الله في هضبة الجولان وما يقوم به هذا التنظيم في منطقة القنيطرة.  

•ويتمثل السبب الرابع والأخير في أن الردود التي طورتها إسرائيل لمواجهة الإرهاب الفلسطيني وإرهاب حزب الله توفر رداً مناسباً أيضاً على التهديدات من ناحية التنظيمات السلفية - الجهادية. وفي الوقت نفسه، تعزز إسرائيل العناصر الدفاعية الوقائية (الكشف والعوائق) على طول حدودها، كما تواصل إنتاج وتطوير منظومات متقدمة مضادة لصواريخ أرض - أرض وللقذائف.  

•ورغم هذا كله، يُلاحظ في إسرائيل بداية جدل لافت حول صلاحية سلم الأولويات المذكور. بصورة عامة، التهديدات والمخاطر يجب قياسها وفق معيارين اثنين. الأول، هو قوة التهديد، بمعنى قدرة الطرف المهدِّد على المس بإسرائيل وعلى تكبيدها ضرراً جسيماً. والثاني، هو احتمالات تحقق هذا التهديد. وبالنظر إلى المستقبل القريب، قوة التهديد الذي يمثله المحور الإيراني أشد بكثير من قوة التهديد الذي يمثله التيار السلفي - الجهادي، رغم ضرورة الأخذ في الحسبان تغيرات مستقبلية محتملة في هذا السياق. والنجاح النسبي الذي حققه تنظيم "الدولة الإسلامية" في بناء إطار دولتيّ يمكن أن يوفر له إمكانيات وموارد دولتية واقتصادية تمكّنه من بناء وامتلاك قدرات عسكرية متنوعة. ويمكن الافتراض بأن تنظيم "الدولة الإسلامية" سيحاول امتلاك قدرات عسكرية غير تقليدية تشمل أسلحة كيماوية وبيولوجية (ربما تكون هذه قد وقعت بين يديه بمساعدة خبراء عراقيين من بقايا نظام حكم البعث بقيادة صدام حسين وينشطون في صفوف التنظيم الآن).   

•يدخل إلى الصورة هنا عنصر آخر يميز سلوك تنظيم "الدولة الإسلامية" والتنظيمات السلفية - الجهادية الأخرى، هو غياب القيادة المسؤولة. وتنعكس هذه السمة في نمط العمل الذي يكسر جميع قواعد اللعبة والمعايير الدولية. وفي المقابل، في المحور الشيعي تحديداً، يمارس قادة إيران وحزب الله سياسة أكثر مسؤولية، وهم مستعدون لقبول قواعد لعبة كابحة، وغير معنيين بفتح جبهة عسكرية مع إسرائيل. ولهذا، فإن التغيير الأساسي - الذي قد تكون ثمة مؤشرات أولية على حصوله ـ يتمثل في احتمالات تحقق التهديد. ففي الوقت الذي نشهد فيه تراجع احتمالات تحقق التهديد من جانب إيران وحلفائها، ربما يزداد تدريجياً احتمال تحقق التهديدات من جانب "الدولة الإسلامية" والجماعات السلفية - الجهادية الأخرى. 

•في سيناريو تقسيم سورية على أرض الواقع، قد تتوقف المواجهات وتنتهي، بين المجموعات المتنازعة تدريجياً، مما سيدفع "الدولة الإسلامية" وتنظيمات سلفية - جهادية أخرى إلى توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى إسرائيل. وقد تنشأ أيضاً منافسة بين العناصر المختلفة في سورية حول مدى التزامها الأيديولوجي بالنضال العربي - الإسلامي ضد إسرائيل وحول رغبتها في تجسيد هذا الالتزام على أرض الواقع. وقد يؤدي تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى جنوب سورية إلى دفعه نحو تماس فعلي قريب مع إسرائيل، وربما نحو احتكاك مع الدروز في منطقة جبل الدروز أيضاً، مما قد يثير في إسرائيل ضغوطا داخلية تدفع باتجاه التدخل المباشر من طرفها. وإضافة إلى هذا، قد يؤدي الضغط من جانب "الدولة الإسلامية" على الأردن إلى وقوف إسرائيل المباشر والعلني إلى جانب الأردن. وكذلك الحال في سيناء، أيضاً، إذ قد يؤدي فشل الجيش المصري في إخضاع الجماعات السلفية - الجهادية وكسر شوكتها إلى نشوء واقع جديد يتمثل في ظهور كيان جهادي يسيطر على تلك المنطقة. وإذا ما توقفت أعمال الجيش المصري ضد هذه الجماعات، فمن المرجح أن يتحول اهتمام "الدولة الإسلامية" نحو محاربة إسرائيل والقيام بعمليات ضدها.  

•في المقابل، أدى الصراع الذي تطور بين المحور الشيعي بقيادة إيران والمحور السنّي بقيادة السعودية، إلى جانب الغرق في حروب أهلية في دول مختلفة، إلى التقليل من دوافع الجماعات المرتبطة بإيران لفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، من جهة، وإلى تعزيز قوة الردع الإسرائيلية القائمة منذ حرب لبنان الثانية، من جهة أخرى. كما أن الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، فيه ما قد يؤدي إلى كبح جماح أهواء إيران، انطلاقاً من رغبتها في تجنب أي مس قد يطال قدرتها على الاستفادة من ثمار الاتفاق وإلغاء العقوبات الاقتصادية. ولهذا، فمن المنطقي الافتراض، بقدر كبير من الثقة، بأن المواجهة مع المحور الشيعي - الإيراني لن تتطور إلى حرب شاملة. ومع ذلك، يرجح استمرار وقوع حوادث محدودة تنطوي على احتمال التصعيد، وفي مقدمتها العمليات ضد نقل عتاد عسكري متطور إلى حزب الله، وتمترس قوات حزب الله و/ أو قوات "القدس" الإيرانية في هضبة الجولان، وتصعيد الأوضاع عند الحدود مع قطاع غزة.   

•يقودنا كل ما سلف إلى الاستنتاج المركزي بأن على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان احتمال تصاعد الاحتكاك مع العناصر السلفية - الجهادية وتطوره فعليا ليصبح مركّبا أكثر مركزية في مجمل التهديدات التي سوف تضطر إلى مواجهتها مستقبلاً. وفي المقابل، من شأن التصرف الإسرائيلي الحكيم أن يقلل من احتمالات المواجهة الشاملة مع حزب الله وإيران. لكن تحقق هذا السيناريو منوط، إلى حد بعيد بمدى نجاح الجهود الدولية والإقليمية في القضاء على ظاهرة "الدولة الإسلامية"، وبوجهة تطور الأزمة في سورية، وبمدى قدرة الرئيس المصري، السيسي، على استعادة السيطرة والسيادة في سيناء، وبالتطورات الداخلية في الأردن ـ وهذه، جميعها، ساحات تكتنفها درجة عالية من الغموض.  

_____________________

* شلومو بروم وعنات كورتس (محرران)، "تقديرات استراتيجية لإسرائيل، 2015-2016" (تل أبيب، معهد دراسات الأمن القومي، 2016)، ص 51-55. 

**  باحثان في معهد دراسات الأمن القومي.

-  ترجمه عن العبرية: سليم سلامة.

-  راجع الترجمة: أحمد خليفة.

 

 

المزيد ضمن العدد 2383