•الاستبعاد المنتظر لوزير الدفاع موشيه (بوغي) يعلون عن منصبه، وتعيين عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان مكانه هو عمل غير مسؤول من جانب رئيس الحكومة. إن بنيامين نتنياهو يعرّض الأمن القومي للخطر بصورة غير معقولة فقط لاعتبارات سياسية، وتحت تأثير الخضوع للجناح القومي- المتشدد في حزبه. إن استبدال يعلون بليبرمان هو أمر غير أخلاقي. وبذلك يلمح نتنياهو لقادة الجيش الإسرائيلي وكبار المسؤولين في الشاباك وفي الموساد إلى أنه ممنوع عليهم الإدلاء بتصريحات علنية تتعارض مع الخط المعتمد في الائتلاف الحكومي، ومَنْ يخرج عن نص التعليمات التي يفرضها رئيس الحكومة يُقال فوراً.
•ينبع الضرر المباشر من عدم مسؤولية رئيس الحكومة الذي استبدل وزير دفاع متمرساً وهادئاً ومتزناً وصاحب رؤية استراتيجية، ثبتت صحتها أكثر من مرة، بوزير دفاع لا يتمتع بأي خبرة أمنية، ولا يمكن توقع ردات فعله، ويتعيّن عليه اتخاذ قرارات تحدد مصيرنا جميعاً من اللحظة - أو الثانية - التي سيستلم فيها منصبه.
•لقد حقق يعلون إنجازات أكيدة على امتداد مسيرته المهنية العسكرية، بدءاً من الفترة التي كان فيها قائداً لوحدة مظليين، وقائداً لسييرت ميتكال، وانتهاء بمنصبه كوزير للدفاع في حكومتين. وقد ارتكب أيضاً أخطاء، عندما توقع مثلاً أن صواريخ حزب الله ستصدأ [في مواقعها ومخازنها]، لكن هذه الأخطاء ليست شيئاً في مقابل الاتزان والقدرة العملانية التي أظهرها كقائد وكوزير رفيع المستوى.
•ليس من الضروري أن يكون وزير الدفاع في دولة إسرائيل رجلاً عسكرياً. فهو يستطيع أن يكون مدنياً وأن ينجح في مهمته نجاحاً كبيراً بما فيه مصلحتنا جميعاً، مثلما كان الوزير موشيه أرينز. لكن عليه أن يكون صاحب خبرة ومعرفة بقضايا الأمن بصورة تتيح له اتخاذ القرارات والموافقة على عمليات خلال ساعات معدودة.
•حتى لو افترضنا أن الخبرة التي راكمها نتنياهو في موضوعات أمنية يمكن أن تعوض عن نقص خبرة ليبرمان، فإنه يجب أن نعرف أن وزير الدفاع يتخذ منفرداً عشرات القرارات ذات الأهمية الكبيرة أسبوعياً، من دون التشاور مع رئيس الحكومة. فهو الذي يوافق على الخطط التشغيلية للجيش، وعلى خطط الشراء، قبل عرضها للحصول على موافقة رئيس الحكومة والطاقم الوزاري المصغر. ويجب أن نرى ما إذا كان ليبرمان [بين ما يعرض عليه من خيارات] سيوافق على اختيار مخططات تشغيلية لا تتلاءم مع نظرته السياسية.
•حالياً، من المنتظر أن يجلس في مركز وزارة الدفاع شخص اقترح تدمير سد أسوان وتحويل غزة إلى ملعب كرة قدم. ونتذكر كيف أن ليبرمان كان بسبب هذه التصريحات وزير خارجية شخصاً "غير مرغوب فيه" في مصر. إن التعاون الأمني مع القاهرة هو حجر أساس في أمن إسرائيل خلال هذه الفترة التي يشكل تنظيم داعش تهديداً على حدودنا الجنوبية والشمالية. وليس صعباً تخيل ردة فعل [عبد الفتاح] السيسي عندما يسمع مَنْ هو شريكه.
•علاوة على ذلك - فالمجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، لن ينظر بعين الرضا إلى تعيين ليبرمان واستبعاد يعلون. ليس سراً أن يعلون لم يكن محبوباً لدى إدارة أوباما بسبب ثرثراته. لكن الأميركيين احترموا قدراته، وهو عرف كيف يتفاوض معهم ومع وزير الدفاع الأميركي، وخصوصاً عندما حان الوقت للبحث في تفاصيل التفاصيل لما تريد إسرائيل الحصول عليه [من مساعدات أميركية].
•في النهاية كلمة أخيرة تتعلق بالرسالة التي ستوجه إلى الجيش والضرر الناتج من هذا الإبعاد لشخص ربما لم تكن مواقفه السياسية بعيدة عن مواقف ليبرمان، لكنه عرف كيف يحافظ على إنسانيته وكرامته وحريته. ويمكن لهذه الخطوة أن تحقق ما حذر منه كل من يعلون ونائب رئيس الأركان يائير غولان – توحّش المستوى الرفيع في الجيش وملاءمة تقاريره وخطط عمله مع روحية التيار المتشدد والأكثر هيجاناً في الحزب الحاكم، بدلاً من ملاءمتها مع ما هو مطلوب من أجل تلبية حاجات الأمن القومي.
•إن هذه الخطوة الدراماتيكية ستلمح للجيش بوضوح إلى أن منظومة القيم العالمية وقيم القتال التي كانت سائدة حتى اليوم أصبحت باطلة وملغاة. ومن الآن أصبحت منظومة القيم هي التي وضعها أجدادنا وفي طليعتها قاعدة "إذا جاء ليقتلك، اقتله"ـ حتى لو لم يكن لديه القدرة أو الوسيلة الملائمة لتنفيذ غايته. إن هذا ليس أمراً لا أخلاقياً فحسب، بل أيضاً يزيد في خطر أن كل فتاة فلسطينية في الـ12 من عمرها تحمل مقصاً يمكن أن تشعل مواجهة عنيفة شاملة مع الفلسطينيين من دون مبرر ومن دون حاجة.
•إن من سيدفع الثمن سيكون الفلسطينيون، وكذلك جنود الجيش الإسرائيلي ومواطنو دولة إسرائيل فيما إذا كانت أصبع أحدهم سريعة على الزناد. وسيقبل المجتمع الدولي حجة الفلسطينيين في أن "إسرائيل تعدم" أولاداً وشباناً وشابات فلسطينيين. إن استبدال يعلون بليبرمان في هذا الموضوع هو بمثابة إعطاء الإذن للإصبع السهلة على الزناد، وللمتحمسين ومشعلي الحرائق في الجانب "الصحيح" من الخريطة السياسية.
•من المؤسف أن يقوم رئيس الحكومة بتجارب سياسية على حساب الأمن وشعور المواطنين بالأمان.