•أظهرت أشهر الإرهاب الستة الأخيرة لنا الأجيال الجديدة التي كبرت في السنوات الأخيرة من على جانبي الخط الخضر: الفلسطينيون – الجدد، والإسرائيليون – الجدد. وتختلف هاتان الظاهرتان في طريقة تجلّيهما - الفلسطينيون يطعنون، والإسرائيليون يتوحشون ويعربدون. لكن الظاهرتين تثيران القلق، والقاسم المشترك بينهما هو الاحتقار المطلق لكل مصادر السلطة وللمؤسسات الاجتماعية كلها، إلى حد أن القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية تخشاهما. وبدلاً من أن يقود الزعماء هؤلاء الشباب، فإن الجيل الشاب والثائر هو الذي يقودهم.
•في السنة الأخيرة واجه جنود الجيش الإسرائيلي المنتشرون على الحواجز في المناطق [المحتلة] ظاهرة لم يألفوها من قبل. "من أين أنتَ؟" و"إلى أين أنت ذاهب"؟ سؤالان يطرحان منذ عشرات السنين على كل فلسطيني يعبر الحواجز، ويجيب عليهما بإذعان. في الفترة الأخيرة الرد على هذين السؤالين أصبح استفزازياً: "ليس شأنك من أين أنا وإلى أين أنا ذاهب"، و"من أنتَ أصلاً كي تسألني؟"
•هذا ما يسمعه الجنود من الشبان الفلسطينيين.
•يختلف الجيل الذي يقود هجوم الإرهاب الحالي عن جيل الانتفاضتين السابقتين. ومن خلال التحقيق مع 90% من الذين ألقي القبض عليهم أحياء خلال نصف السنة الأخيرة، ترتسم صورة جيل لم يعرف ولا يتذكر صدمات الانتفاضتين السابقتين. جيل لم يزر إسرائيل قط، ولم تر عيناه البحر ولم يسافر إلى الخارج، لكنه يعيش من خلال الشبكة العنكبوتية، وعبرها يتعلم ويتعرف على العالم. ومرجعيته ليست العالم العربي بل إسرائيل.
•إنه جيل لا يهتم بصيغة لحل النزاع، ولا يهمه إذا أجرت إسرائيل مفاوضات مع السلطة أم لم تجرها. إن الذي يهمه هو أمر واحد: حقوقه كإنسان. وفي نظره إسرائيل تحرمه الحقوق الأساسية للإنسان التي يطالب بها، ولا يقلقه فعلاً أن تقوم أو لا تقوم دولة فلسطينية.
•مراراً أثناء التحقيق، يعطي المحققون المخربين هواتفهم لمعرفة المواقع التي يدخلون إليها. أغلبية هؤلاء الشبان هم من أبناء الطبقة الوسطى، يقرأون كثيراً مضمون كتابات تنظيم داعش والحركات السنية المتطرفة في سورية والعراق، لكنهم ليسوا فعلاً متدينين. وهم يقرأون أيضاً مواد كثيرة عن إسرائيل، وعن الديمقراطية الإسرائيلية، وعن الخطاب السياسي عندنا، ويشعرون بأنهم يريدون الحصول على مثل هذا الانفتاح. وهم لا يثقون بأي مؤسسة من المؤسسات الفلسطينية. إنهم قبل كل شيء يحتقرون أهلهم، ولا يعتبرونهم مرجعاً لهم، ويكرهون السلطة [الفلسطينية] (ولولا الاحتلال الإسرائيلي لكانوا ثاروا ضدها)، كما يحتقرون تنظيمات الإرهاب المنظمة. وكثير من المخربين يحرصون على الكتابة على صفحاتهم [على الفايسبوك] قبل تنفيذهم هجوماً أنهم لا يريدون من أي تنظيم إعلان مسؤوليته عن أعمالهم.
•سجن عوفر، مثل سائر السجون، مقسم تقليدياً إلى أجنحة وفقاً للانتماء التنظيمي: جناح "حماس"، وجناح "فتح"، وجناح الجبهة، وفي الفترة الأخيرة أقيم جناح جديد هو جناح "الوحدة الوطنية". المخربون الجدد لا يريدون الانتماء إلى أي تنظيم من التنظيمات الموجودة. وأكثر من أي شيء، يحتقرون إسرائيل. وكما في "الربيع العربي" لم تعد هناك حواجز خوف تعيقهم.
•في الأسابيع الأخيرة برز مجدداً انخفاض في عدد الهجمات، لكني أحاذر الحديث عن خمود الإرهاب، فهذا الجيل جزء من كم بشري هائل ينتمي إلى شريحة عمرهم - يوجد في المناطق [المحتلة] 950 ألف فلسطيني تراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً هم الخزان الأساسي للمهاجمين في الأشهر الأخيرة. نحو ثلثهم أتموا دراسة متوسطة وعليا، بيد أن ثلثهم عاطل عن العمل.
•هم يتعلمون ويراكمون الشهادات، ولا يجدون عملاً. فقد تقدم عقب إعلان وظيفة جابي مياه في قرية طوباس 370 مرشحاً نصفهم يحملون شهادة جامعية. ولكل وظيفة شرطي شاغرة يتسابق المئات من أجل الحصول على راتب 1200 شيكل كشرطي في السلطة [الفلسطينية]. ويمكن أن نجد في المناطق [المحتلة] عدداً لا بأس به من الكيميائيين الذين تحولوا إلى خبازين، وحملة شهادة في الرياضيات يعملون في البناء.
•في وقت الفراغ الكبير لدى هؤلاء الشباب هم يدخلون إلى الفايسبوك. يوجد في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] 1.7 مليون يستخدمون الفايسبوك من مجموع 2.8 مليون فلسطيني. ومن أجل المقارنة: يوجد في إسرائيل قرابة 4 ملايين حساب فايسبوك من مجموع 8 ملايين نسمة. إنه جيل [فلسطيني] مختلف معارض ومرفوع الرأس أكثر من كل الفلسطينيين الذين عرفناهم في المواجهات الماضية، وهو لن يخضع.
الإسرائيليون- الجدد هم مثل الفلسطينيين- الجدد يعيشون في الشبكة العنكبوتية. وهم أيضاً يحتقرون كل مرجعية ومؤسسة اجتماعية ومستعدون لتقديس العنف فقط. إنه جيل جديد يحطم التراتبية الهرمية، والبطل في نظره ليس الذي أوقف تقدم فرقة سورية في الجولان، أو قفز على قنبلة من أجل إنقاذ رفاقه، إنما هو الذي خلع خوذته وأطلق النار على رأس مخرب لأنه "يستحق أن يموت".
•كل من لا يوافقهم الرأي خائن حتى لو كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أو وزير الدفاع، وهم لا يريدون تشويشهم بالوقائع. والأكثر إحراجاً هو رؤية نوابنا يحاولون إرضاءهم والحصول منهم على "Likes" على الفايسبوك. إن الخوف على مستقبل دولة إسرائيل الذي عبر عنه الراحل مئير داغان [الرئيس السابق للموساد الذي توفي قبل أسبوع]، يبدو اليوم مبرراً أكثر من أي وقت مضى.
•إن ظاهرة فقدان الثقة في المؤسسات والأجهزة ليست خاصة بنا وبالفلسطينيين، فهي منتشرة وسط الشباب في العالم الغربي كله. في الولايات المتحدة مؤيدو بارني ساندرز [الديموقراطي] ودونالد ترامب [الجمهوري] يحركهم الاحباط عينه من الأجهزة السياسية وعدم الثقة بها.
لكنني ما زلت أؤمن بأنه يوجد في إسرائيل أغلبية مختلفة. أغلبية عاقلة، عاملة، تخدم دولة إسرائيل وتساعدها، ولا تتماهى مع الرعاع الذين جاؤوا ليتظاهروا هذا الأسبوع خارج المحكمة العسكرية وهم يرفعون شعارات ولافتات شبيهة بأسوأ تلك ما يُرفع في مدرجات كرة القدم.
•برزت معطيات مقلقة جداً في الاستطلاع الذي نشره معهد "بيو" الشهر الماضي عن السكان في إسرائيل، لكن كان بينها أيضاً معطى واحد مشجع: 56% من الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم من تيار الوسط، بينهم علمانيون وتقليديون ومتدينون. وهذا يعني أنه مع زعامة صحيحة سيكون في الامكان اعادة التعقل إلى البلد، وإعادة الهامشيين إلى مكانهم.
•منذ سبع سنوات نعيش من دون معارضة للحكومة، فاليمين فقط هو الذي يتحدى رئيس الحكومة. وهذا يبقي الخطاب السياسي عندنا داخل نطاقه الضيق بين نتنياهو وبينت، ويعطي الانطباع الخطأ بأن المجتمع الإسرائيلي كله موجود داخل هذا النطاق. ولم ينجح أي حزب من الأحزاب الموجودة في تمثيل الأغلبية الصامتة العاقلة.