•عادت غزة إلى العناوين الأولى ليس فقط بسبب الأنفاق. لقد توقف رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء هرتسي هليفي في تقريره أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، عند التدهور الاقتصادي في غزة وانعكاساته، والحكومة أيضاً تفكر في هذا الأمر ملياً.
•إن الوضع الحالي في غزة - نقص في مياه الشرب والكهرباء، بطالة عالية وأجر لا يقي الجوع، إلى جانب توقف عملية اعادة الاعمار بصورة كاملة- هو أيضاً العامل الذي سيجعل مئات الغزّيين (والآلاف مستقبلاً) مستعدين للمخاطرة بحياتهم من أجل محاولة التسلل إلى إسرائيل للعثور على عمل، وهذه هي الحقيقة المقلقة التي يقصدها رئيس الاستخبارات العسكرية في كلامه. وبالتأكيد، فإن كابوس إقدام الآلاف من سكان غزة على اقتحام السياج الذي يفصلهم عن إسرائيل، والرد العسكري الذي يفرضه ذلك، يمكن أن يدهور الوضع نحو اتجاهات غير مرغوب فيها.
•إن الوضع الحالي في غزة ليس فقط نتيجة لعملية الجرف الصامد، ففي حرب 1948 أغرق عشرات الآلاف من العرب من جنوب البلد ووسطه المساحة الضيقة للقطاع وحولوه إلى معسكر كبير للاجئين، ليتحول خلال زمن قصير إلى مستنبت إرهابي كبير. لقد كانت إسرائيل واعية لخطورة القدر الذي يغلي في غزة، وبعد حرب الأيام الستة [حزيران/يونيو 1967] اقترح الوزير من دون حقيبة حينها، شمعون بيرس، البدء بعملية دولية لبناء منازل دائمة للاجئين والتخلص من المخيمات. لكن تحت ضغط دول عربية عارضت أي حل للمشكلة الفلسطينية من دون "حق العودة"، أوقفت الأمم المتحدة الفكرة.
•"خطط السلام" أيضاً على اختلاف أنواعها تجاهلت مشكلة غزة الحقيقية. واعتادت جهات أجنبية وعلى رأسها تركيا، اتهام إسرائيل بالمسؤولية عن الوضع الصعب في غزة متجاهلة عن قصد ليس التاريخ فحسب، بل الأسباب التي أدت إلى عملية الجرف الصامد وما حدث بعدها، على الرغم من حقيقة أنه بعد انسحاب إسرائيل من كل المنطقة ضمن عملية الانفصال [عن قطاع غزة سنة 2005]، لم يعد لديها أي التزامات أو مسؤولية حيال سكان غزة، لا قانونية ولا أخلاقية. ولا تزال هذه الجهات تعتبر أن السبب الأساس للوضع هناك الآن، هو "الحصار" الأمني الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. لكن الحقائق مختلفة: مصر والسلطة الفلسطينية التي لها حق السيادة رسمياً على غزة، أخذت أيضاً على عاتقها التزامات مختلفة في الاتفاقات السياسية بعد عملية الجرف الصامد. ولكن كل منهما ولأسبابه الخاصة، ليس مهتماً فعلاً بإعادة إعمار القطاع ما دامت تسيطر عليه حركة "حماس". وعلى الرغم من أن "حماس" نفسها لا ترغب فعلاً في حرب حالياً، إلا أنها لا ترغب أيضاً في سلام يكون الإعمار الحقيقي في القطاع جزءاً منه.
•وتعهدت دول عربية أيضاً بالمساهمة المالية [في عملية إعادة إعمار غزة]، ولكنها تتجاهل الآن تعهداتها. حتى الأونروا التي هي بحاجة إلى مبرر لوجودها، لا تتحرك من أجل تطبيع الوضع. والنتيجة هي عدم وجود إعادة إعمار وصب المزيد من الزيت على النار.
•لن يكون هناك علاج لمشكلات غزة حتى في حال التوصل إلى حل سياسي أو رفع "الحصار" من دون معالجة المشكلة الديموغرافية، أي: الحاجة إلى نقل جزء كبير من السكان إلى خارج القطاع، سواء إلى المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية أو إلى دولة عربية أخرى.