حكمة أيزنكوت
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•أول من أمس ألقى رئيس الأركان غادي أيزنكوت خطاباً في مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي اعترف فيه بصراحة، بأن الجيش الإسرائيلي فوجئ بمجموعة من التطورات داخل إسرائيل والمنطقة في السنوات الأخيرة: مثل هجمات السكاكين التي هي سمة موجة الإرهاب الحالي، والتي وفقاً لرئيس الأركان ليس لدى الجيش أي معلومات استخبارية بشأنها؛ انهيار الأنظمة والشعوب في دول عربية؛ وأيضاً المطالبة الشعبية في إسرائيل بالعدالة الاجتماعية، أي بتوزيع مختلف للموارد الوطنية وتخفيض حصة المخصصات الأمنية. ومثل هذا الكلام اعتراف شجاع بحدود قدرة الجيش، على خلفية الكلام الفارغ الذي ينشره سياسيون يقولون إن حلولاً عسكرية هي الرد الكاسح على كل شيء. 

•تمتاز مقاربة أيزنكوت حيال المحافظة على الأمن في الضفة الغربية باليقظة والحكمة، وهي تدحض تصوير العسكريين في الجيش على أنهم سريعو الغضب وأصابعهم على الزناد. فقد شدد أيزنكوت على ضرورة التمييز بين المجرمين الذين فشلت الاستخبارات في اكتشافهم بصورة مسبقة والتحذير منهم، والسكان الأبرياء الذين يمتنعون عن العنف. كما أعرب رئيس الأركان عن معارضته الشديدة لفرض حصار وإغلاق وأساليب العقوبات الجماعية الأخرى، التي تثقل كثيراً على الفلسطينيين الأبرياء. ووفقاً لكلامه، فإن ذهاب 120 ألف فلسطيني يومياً إلى أعمالهم مصلحة إسرائيلية.

•وثمة إضافة مهمة في خطاب أيزنكوت هي قوله إن مهمة المؤسسة الأمنية المحافظة على إسرائيل كدولة ديموقراطية،  حين قال: "نحن نمر بمرحلة من المخاطر والفرص. ويتعين علينا المحافظة على إسرائيل كدولة ديموقراطية وجزيرة استقرار وقوة عسكرية وعلمية وأخلاقية". وفي هذه المرحلة التي تتنكر فيها أطراف متشددة وعدوانية للقيم الديمقراطية، فإن موقف أيزنكوت يمتاز بوطنية يفتقر إليها المستوى السياسي.

•يلخّص خطاب رئيس الأركان السنة الأولى الناجحة جداً لتوليه منصبه. فللمرة الأولى منذ سنة 2007 نجح أيزنكوت في رسم الخطوط العريضة لخطة متعددة السنوات هدفها الملاءمة بين الموارد ومهمات الجيش الإسرائيلي، وفي وضع الميزانية اللازمة لها والحصول عليها. وهو قد بلور لهذه الغاية وثيقة استراتيجية ملزمة للجيش الإسرائيلي وأطلع الجمهور عليها. كما ظهر إصراره على إخراج  شعبة التوعية اليهودية من نطاق مسؤولية سلاح الحاخامية العسكرية ونقلها إلى شعبة القوى البشرية في الجيش من أجل كبح تأثيرها، برغم ضغوط من جانب حاخامين تابعين للصهيونية المتدينة وأعضاء في الكنيست من حزب البيت اليهودي.   

•يعتبر رئيس الأركان من بين الأشخاص الأكثر أهمية على المستوى العسكري، لكن تأثيره في بلورة السياسات محدود. وفي الواقع، فإن الحكمة التي أظهرها أيزنكوت عكست تهرب المستوى السياسي من اتخاذ القرارات الحاسمة التي تدفع بإسرائيل نحو مستقبل سلام وأمن وعدالة اجتماعية.