الرابحون والخاسرون من رفع العقوبات عن إيران
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

•يمنح رفع العقوبات عن إيران الذي وقع بالأمس بعد الاتفاق النووي مع الدول العظمى، طهران، الموافقة النهائية على إنهاء عزلتها. لكن فقط بعد شهر، موعد الانتخابات البرلمانية في إيران، يمكن رؤية اتجاه الريح ومن هو المنتصر الحقيقي من الاتفاق التاريخي.

•وسواء كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على حق في أن إيران التزمت بتعهداتها أو لم تكن، فمن الواضح أن الإيرانيين استغلوا وما يزالون يستغلون كل فرصة للاحتيال والخداع. وإذا كانوا يحتالون في هذا الوقت الحساس حيث هم بحاجة ماسة إلى رفع العقوبات كحاجتهم إلى الهواء للتنفس، فمن السهل تقدير ماذا سيجري في المستقبل. وهذا لا يبشر بالخير.

•هناك إنجازان كبيران حققتهما إيران هما الطابع الرسمي والرمزي لنهاية عزلتها على الساحة الدولية، والإشارة التي ينتظرها جميع المستثمرين المحتملين في أوروبا وآسيا وفي الولايات المتحدة للقيام بأعمال في السوق الإيرانية، وسيكون الإيرانيون أول المستفيدين من هذه الأعمال.

•ما الذي سيحدث الآن بعد رفع العقوبات؟ تملك إيران ودائع وأرصدة مالية بقيمة نحو 100 مليار دولار في مصارف في الصين واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والهند. وهذه الأموال سيتم الافراج عنها، لكن أكثر من نصفها سيذهب لدفع ديون للدائنين، بحيث سيبقى لإيران أقل من 50 مليار دولار من أجل الاستخدامات التي تختارها. فالاقتصاد الإيراني وضعه صعب جداً - الصناعة أصبحت قديمة، وآبار النفط ومنشآت استخراجه أصبحت قديمة وتحتاج إلى تحديث، وهناك تضخم ونقص في المواد الأساسية، وبطالة شديدة، ولذا طهران بحاجة ماسة إلى مال واستثمارات جديدة.

•ولا شك في أن دولاً أجنبية سيفرحها الاستثمار في إيران. لكن السؤال الكبير هو ماذا سيفعل النظام بالمال الذي سيصبح تحت تصرفه؟ هل سيختار إعطاء جزء كبير منه كمساعدة لتنظيمات مثل حزب الله والحوثيين في اليمن، ولنظام بشار الأسد في سوريا؟ أم أنه سيختار توظيفه في الاقتصاد الإيراني؟

•في هذا الصدد يجب أن نتذكر حقيقة مهمة وهي أن أسعار النفط الخام اليوم في العالم هي نحو 30 دولاراً للبرميل. ويعود هذا من بين أمور أخرى إلى استراتيجية مقصودة لإغراق السوق بالنفط تمارسها السعودية ودول خليجية اخرى. وتهدف هذه الخطوة إلى توجيه ضربة اقتصادية قاسية لإيران بعد رفع العقوبات عنها. ووفقاً لحسابات وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA)، تحتاج إيران إلى بيع برميل النفط بنحو 70 دولاراً على الأقل كي تربح. لكن عندما يكون سعر البرميل أقل من النصف، فإن إيران ستخسر كثيراً. وبذلك لن يحقق رفع العقوبات عن إنتاج النفط وبيعه الرفاه الاقتصادي الذي أمل فيه الرئيس روحاني.

•وفي هذه الأثناء يدور داخل إيران صراع سياسي حاد بين معسكر آيات الله بزعامة المرشد الروحي الأعلى علي خامنئي، والمعسكر الذي يعتبر معتدلاً بزعامة روحاني. فآيات الله المحافظون والحرس الثوري يعتبرون الاتفاق مع الدول العظمى شر لا بد منه، وكان لا بد من توقيعه كي لا تنهار إيران اقتصادياً مما سيشكل تهديداً لصمود النظام. وفي المقابل، يريد معسكر روحاني الانفتاح على الغرب وتحسين وضع إيران الاقتصادي، ولا سيما وضع الشباب الذين يعانون من مستويات مرتفعة من البطالة ومن عدم وجود فرص بسبب الاقتصاد الفاشل.

•هذه المعركة السياسية هي التي ستحدد مصير إيران والمنطقة كلها، على الأقل في الأعوام العشرة المقبلة. ومن هنا، فإن رفع العقوبات من زاوية نظر إيرانية داخلية، سيمر باختبار كبير خلال الأسابيع المقبلة. فإذا انتصر المحافظون من المعقول افتراض أن إيران ستخرق الاتفاق النووي في أول فرصة ولن تتقرّب من الغرب، إذ يرى خامنئي في الثقافة الغربية وخصوصاً الأميركية، العدو المركزي الذي يريد تقويض الثورة الإسلامية الإيرانية والقضاء على قيمها من خلال فخ عسل اقتصادي، في حين يرى روحاني في ذلك فرصة لتقدم إيران إلى الأمام.

•تستطيع الولايات المتحدة وإدارة أوباما أن تسجلا لنفسيهما اليوم انتصاراً لاستخدامهما الديبلوماسية بدلاً من القوة، لأن إيران فعلاً التزمت بتعهداتها. حالياً، حتى لو قررت إيران غداً خرق الاتفاق وحاولت انتاج قنبلة نووية، فإنها تحتاج إلى أكثر من سنة كي تفعل ذلك، تماماً مثلما وعد أوباما. والمسافة التي تبعدها عن القنبلة ستكون عشرة أعوام. لكن الولايات المتحدة دفعت ثمن هذا الانجاز من خلال خسارة الثقة فيها من جانب عدد من أصدقائها وزبائنها في الشرق الأوسط، من بينهم السعودية وإسرائيل.

•يثير رفع العقوبات عن إيران، على الأقل تلك المتصلة مباشرة باقتصادها، قلقاً كبيراً في السعودية وفي إسرائيل، لأنه من الواضح أن إيران تستطيع الآن زيادة مساعدتها لحزب الله والحوثيين والنظام السوري. ومن المعقول افتراض أن الإيرانيين سيزيدون المساعدة لهذه الأطراف بعشرات الملايين وليس بمئات الملايين. لكن هذا يكفي للتسبب بزعزعة توازن الرعب في الشرق الأوسط. ومن الواضح أن إيران ستشتري سلاحاً لسورية من روسيا، وتتحدث موسكو عن اتفاق بمليارات الدولارات. حتى الآن، فإن اتفاقات السلاح باستثناء صفقات صواريخ أس-300 التي نفذت، لا تزال حبراً على ورق، ولن تدخل حيز التنفيذ في وقت قريب بسبب الصعوبات الاقتصادية.

•من دون شك فإن رفع العقوبات انتصار لديبلوماسية الابتسامات التي أدارها روحاني، لكن في الفترة الحالية ثمة شك في أن إيران ستحظى بسرعة بالرفاه والازدهار اللذين سيساعدان على انتعاش نظام آيات الله ويتيحان لخامنئي التورط في مغامرات جديدة. كما أن رفع العقوبات ليس كاملاً فما تزال هناك عقوبات مفروضة على إيران تمنعها من إنتاج واستيراد السلاح، وخصوصاً السلاح الهجومي. كما تحظر الأمم المتحدة على إيران إنتاج أو تجربة صواريخ باليستية تستطيع أن تحمل رأساً حربياً نووياً. 

•لقد خرقت إيران الحظر في الفترة الأخيرة في هذين المجالين. ومن هنا فالعقوبات المفروضة عليها في هذا المجال لن ترفع، وما تزال الولايات المتحدة تدرس إذا كان يتعيّن عليها فرض عقوبات على إيران بسبب تجاربها على صواريخ "عماد" التي أجرتها برغم الحظر. ومن هنا، فإن اللعبة لم تنته بانتصار إيران. وفقط في الشهر المقبل، بعد الانتخابات البرلمانية في إيران، سنعرف الاتجاه الذي قرر الإيرانيون المضي فيه: هل هو نحو الانفتاح على الغرب؟ أو مواصلة خط التحدي للعالم والحرب المدمرة ضد التحالف السني الذي أقيم ضدها؟

•على أي حال، فإن النتائج من زاوية إسرائيل واضحة. كل تحسن في اقتصاد إيران سيتيح لها تطوير سلاح تقليدي ونووي، وسيتيح لها دعم أعدائنا وزعزعة الاستقرار. هذا ما كان سائداً وهذا ما سيحدث. لكن برغم ذلك، فلا يبدو حالياً أن رفع العقوبات سيلحق ضرراً دراماتيكياً بالأمن القومي لدولة إسرائيل. 

 

 

المزيد ضمن العدد 2294