•بالاستناد إلى ما نعرف أنه سيحدث بصورة أكيدة، نخاطر في التقدير بأنه ستحدث تغييرات في النظام العالمي في السنتين المقبلتين. نحن متأكدون مثلاً أنه بعد عام سيأتي رئيس جديد إلى البيت الأبيض. ولن يكون التغيير في جنس الرئيس أو لون بشرته أو انتمائه الحزبي فقط، بل سيكون أيضاً، من بين أمور أخرى، في النظرة إلى مكانة الولايات المتحدة كزعيمة للعالم.
•في كل ما يتعلق بمنطقتنا، مارس أوباما القيادة من الخلف، وهاجم من فوق وراقب من الجانب. يمكننا أن نفهم سبب خشية الرئيس المنتهية ولايته من رؤية توابيت جنود أميركيين تعود من القتال في الأزقة الترابية في مدن منسية وفي صحاري المنطقة. لكن قتالاً جوياً [من خلال قمرات طائرات مكيّفة] ضد ظاهرة تسمى داعش، يعكس عدم جدية أميركية في مواجهة زعماء يتحدون القليل الذي بقي من النظام الذي كان ما يزال قائماً في المنظومة الدولية من جهة، وفي مواجهة ظاهرة داعش التي تشكل خطراً على الولايات المتحدة نفسها وعلى حلفائها في أوروبا من جهة أخرى.
•إن عودة الزعامة الأميركية لا تعني فقط القتال العسكري. فملايين البشر الذين خرجوا إلى الشوارع للتظاهر ضد الأنظمة الاستبدادية، وملايين البشر الذين فروا من الفقر، والبطالة، ومن عدم وجود شروط صحية أساسية، أثبتوا فشل أطر النظام الدولي في تقديم حل شامل لضائقتهم. بعد الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة بمهمة قيادة إعادة إعمار أوروبا وشرق آسيا التي لم تقع في يد النظام الشيوعي. في الولايات المتحدة أُنشئت مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والوكالات المختلفة. وبقيادة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ساهمت هذه المؤسسات في قيام نظام عالمي، لكنها اليوم تجد صعوبة في تقديم الحلول.
•الرئيس أوباما، الذي بحث في ولايته الأولى عن رؤيا، بحث في ولايته الثانية عما يسبب أضراراً للولايات المتحدة واكتفى باحتوائها. وسيضطر الرئيس المقبل بحكم الظروف، إلى العودة إلى الصيغة التي وجّهت رؤساء الولايات المتحدة منذ نشوب الحرب العالمية الثانية، وهي ضرب أعداء الديموقراطية وإعادة بناء الشعوب بعد النصر. وهناك حاجة في عملية اعادة البناء إلى تعزيز المؤسسات القائمة وجعلها أكثر ملاءمة، مثل تغيير تركيبة مجلس الأمن بحيث يمثل أجزاء كبيرة من سكان العالم، وزيادة التدخل والمساهمة المالية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي جمعت في العقود الأخيرة فوائض مالية ضخمة.
•عندما ستتولى الولايات المتحدة مجدداً الزعامة، ستجد شركاء جدداً- قدماء في طليعتهم أوروبا. إن الحلم بتحالف سياسي- اقتصادي أوروبي قد تآكل في السنوات الأخيرة نتيجة رغبة دول لم يوافق على انضمامها إلى النادي، وضعف الانضباط الداخلي، وضعف تطبيق مجموعة القوانين والتشريعات التي فرضتها الدول الأعضاء على نفسها.
•لقد خفف الاتحاد الأوروبي من وتيرة توسّعه. وإلى أن يجري الاستفتاء العام في بريطانيا سنة 2017 سيجد الاتحاد من خلال المفاوضات مع هذه الدولة، الصيغة التي تتيح لها البقاء في الاتحاد. وهذه صيغة ضرورية لأن بقاء بريطانيا في الاتحاد سيشكل ضربة لحركات أخرى في أوروبا تريد القضاء على رؤيا الاتحاد الأوروبي.
•إن التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة وأوروبا سيتعزز أيضاً إذا توصل الطرفان في السنوات المقبلة إلى اتفاق شامل للتجارة الحرة. فهذا الاتفاق بين طرفي المحيط الأطلسي، واتفاق مقابل بين طرفي المحيط الهادئ، سيمنحان الدول المشاركة تفوقاً اقتصادياً ضخماً وسيقويان مكانة الولايات المتحدة.
•إن الخطر الذي ينطوي عليه نظام عالمي اقتصادي جديد أساسه اتفاقات تجارية حرة مشتركة تستند إلى الغاء الضرائب فقط بين الشركاء في الاتفاقات، هو في تضرر اقتصاد كثير من الدول، جزء كبير منها ضعيف أصلاً. وسيتعين على الدول التي تتقيد باتفاقات التجارة الحرة أن تجد بدائل للتسويات الدولية التي أتاحت في الماضي لكل عضو في المنظمة من دون استثناء، الاستفادة من خفض الضرائب. ومن دون مثل هذه الحلول ومن دون خطط مساعدة وإعادة بناء، فإن الدول ذات الاقتصاد الضعيف ستكون سبباً لنشوء مشكلات تمس الأمن ولهجرة إلى بقية أنحاء العالم.
•كلمات أخيرة، ماذا سيحدث للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي من دون نظام عالمي؟ عندما تنشغل الولايات المتحدة بمعركة انتخابات رئاسية تكتسب أيضاً صورة صراع بشأن دورها على الساحة الدولية، وعندما تواجه أوروبا تحديات جدية لوجودها كاتحاد، وعندما يكون الجيل الجديد الذي لم يتعلم بعد تاريخ الشرق الأوسط ولا يعرف ما إذا كانت الجامعة العربية مصطلحاً في كرة القدم أو في التاريخ السياسي للمنطقة، فإن إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين يستطيعان التهرب من حل النزاع.
•لا الانتفاضة الأولى ولا الثانية زعزعتا نظاماً عالمياً، ولا دفعتا حتى النظام الإسرائيلي لصنع السلام. فالخوف من تسوية أميركية- روسية مفروضة هو الذي أجبر من بين أمور أخرى، رئيس الحكومة بيغن على التوصل إلى تسوية مستقلة مع روسيا، وضغط أميركي سياسي معتدل هو الذي دفع رئيس الحكومة شامير إلى المشاركة في قمة مدريد [1991] التي عبدت الطريق أمام [اتفاقات] أوسلو. إن نظاماً عالمياً جديداً تتقدم في إطاره نزاعات أخرى في العالم نحو الحل، سيسرّع المفاوضات على تسوية النزاع "عندنا".