معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•إن اندلاع الإرهاب الفلسطيني منذ نحو شهرين فاجأ إلى حدّ ما الجمهور والقيادة في إسرائيل على حد سواء، بسبب تلاحق الهجمات وتكرارها واختيار أسلوب الطعن في معظم الأحيان. إن دافع اندلاع الهجمات مركب من شعور قومي/ ديني- وإحباط اجتماعي، وأما الشرارة التي أشعلته فكانت شعوراً دينياً تركز على الصراع على المسجد الأقصى. وفي الوقت عينه، لا ينبغي الاستخفاف بتأثير أفكار الجهاد الثورية لتنظيم داعش. وإدراكهم أن جميع السبل مسدودة في وجوههم، وأنه ليس لديهم من يعتمدون عليه، فضلا عن فقدان ثقتهم بالقيادة الفلسطينية على اختلاف مستوياتها. وذلك كله نابع من إرادة تفكيك النظام القائم من دون التزام بنظام مستقبلي محدد.
•وينبع جزء من الهجمات أيضاً من الشعور بأنه "ليس لدينا ما نخسره"، نظراً إلى أن القيادة، سواء السلطة الفلسطينية أو حركة "حماس" في قطاع غزة، منهمكة في شؤونها وفي تدعيم بقائها، أضف إلى ذلك غياب الاهتمام الإقليمي، خصوصاً من جانب مصر والأردن بما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية. كما أن المنظومة الدولية فقدت الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وهي تركز جهودها على محاربة داعش ولا سيما بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في فرنسا. وهذا كله يقوي شعور الفلسطينيين بأنهم متروكون لمصيرهم، ويبعث فيهم شعوراً باليأس.
•يجد الكثيرون في إسرائيل ومن بينهم سياسيون وشخصيات عامة، صعوبة في مواجهة واقع متواصل من إرهاب السكاكين والدهس وإطلاق النار. ويطالب كثيرون منهم بفعل شيء أكثر ضد هذه الظاهرة، وهم يعودون إلى صندوق العِدّة القديم والمعروف، الذي كان مجدياً وصالحاً للعمل إبان سنوات الانتفاضة الثانية عندما واجهت إسرائيل إرهاباً منظماً. بيد أن [ظاهرة] الإرهاب الحالية لا تشبه الانتفاضة الثانية، إذ ينقصها التنظيم، ومنفذوها أفراد لا يستخدمون في معظم الأحيان أسلحة نارية. إن الأغلبية العظمى من السكان الفلسطينيين، سواء في مناطق السلطة الفلسطينية أو في القدس الشرقية لا ضلع لهم في الإرهاب (على الرغم من أن هذه الهبّة وصفت بأنها "شعبية"). وحتى لو أمكن ملاحظة بعض التعاطف مع منفذي الهجمات، فثمة شك في ما إذا كان بالإمكان تعريف ذلك على أنه تأييد واسع من الجمهور الفلسطيني للإرهاب.
•وبالإضافة إلى ذلك، فإن هجمات الإرهاب والرد الإسرائيلي هما ضد المصالح الأساسية لغالبية السكان الفلسطينيين وتشوش مجرى حياتهم اليومية.
•وتدل حقيقة أن العديد من المنفذين فتية وشبان على تفكك البنية المجتمعية والقيادية للمجتمع الفلسطيني وأجهزة الضبط التقليدية (الأسرة، والجهاز التعليمي، و"شيوخ العشيرة"، والقيادة السياسية). وفي ظل واقع تصدع البنى الاجتماعية والسياسية، وتأثير ديني سلفي- جهادي، وعلى خلفية انعدام أفق سياسي، يشكل التحريض المنهجي والمؤسساتي للقيادة الفلسطينية أرضاً خصبة للتأثير ولانتشار رسائل تشجع على تنفيذ عمليات وعلى نشر أخبارها على الشبكات الاجتماعية. والفتية الذين يعيشون الواقع الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، يتغذون من إلهام أبطال الجيل الجدد: فتية أشهروا سكينا وآمنوا بأن طعن يهودي وقتله حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، هو عمل سامٍ.
•هذا النوع من الإرهاب، ولا سيما الذي ينفذه فتيان وفتيات، يبدو أخف من إرهاب منظم تستخدم فيه أسلحة نارية. وتبعاً لذلك، يطيب للقيادة الفلسطينية ولصناع الرأي العام تأييد إرهاب الفتية. وهناك جهات في السلطة الفلسطينية تجد ميزة في إرهاب أفراد ليس له عنوان واضح، وتعتبره وسيلة لتحدي إسرائيل ومنعها من استخدام قوة عسكرية بكثافة عالية ضد أجهزة السلطة الفلسطينية نفسها وضد الجمهور الفلسطيني. وتواصل حركة "حماس" في قطاع غزة أسوة بحركة فتح في الضفة الغربية، حملات التحريض - وبشكل أساسي على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المساجد – ويحاول كلاهما غرس دورهما في التطورات الحالية في الوعي القومي العام. وتموضعت حركة "فتح" خلف الهجمات وعرّفتها على أنها "موجة انتفاضة ضد الاحتلال"، وهي معنية باستمرارها. كما أعربت حركة "حماس" عن سرورها لانتقال مركز الثقل إلى منطقة الخليل، قاعدة قوتها في الضفة الغربية منذ أعوام، في الوقت الذي تحاول فيه منع التصعيد في قطاع غزة.
•من أجل بلورة رد فعال على اندلاع الإرهاب، ينبغي فهم محدودية الرد والنشاط الإسرائيلي. وفي هذا السياق، من المهم أن نميز بين خطوات وأنماط نشاط يسعها أن تساعد في تقليص الظاهرة وتقديم رد سريع وناجع لتحييد المهاجمين، وخطوات هدفها البرهنة على أن إسرائيل تعمل بحزم ضد الإرهاب. إن الخطوات القوية والاستعراضية محصلتها التصعيد وزيادة حوافز الأفراد لتنفيذ هجمات، وانتقال إلى إرهاب أكثر تنظيماً (بمشاركة أعضاء "التنظيم" التابع لحركة فتح)، وتآكل حوافز أجهزة الأمن الفلسطينية لمكافحة الإرهاب والعنف ولمواصلة التعاون مع الجهات الأمنية الإسرائيلية.
•لم تفطن إسرائيل في الأعوام الأخيرة إلى تجهيز صندوق عِدّة جديد مناسب لهذه المرحلة، يركز على استخدام جهود اقتصادية وإنشائية [لبنى تحتية] واجتماعية وتربوية تؤدي إلى زيادة الوعي- ومن بين عدة أمور، بواسطة وسائل الميديا الجديدة. لقد قضى واقع السنوات الأخيرة على [فرص] نمو وتطوير قيادة فلسطينية محلية، تشعر بمعاناة السكان، شرعية وتشكل عنواناً للتحاور مع إسرائيل وضبط العنف. وبحكم غياب أدوات جديدة، ونظراً إلى عدم وجود رد مناسب على المشكلة الاستراتيجية، لوحظت عودة لاستخدام صندوق العِدّة القديم. ويوجد في إسرائيل من يدفع باتجاه إعادة استخدام خطط عملانية (مثل "عملية الدرع الواقي" [2002]) التي جرت بلورتها رداً على وضع مختلف تماماً، ومن شأن استخدامها أن يكون بمثابة صفقة خاسرة. كما أن الضغط الذي يمارس على المستوى السياسي وعلى أجهزة الأمن من أجل القيام بعمل، بمعنى اعتماد نشاط حازم يغير قواعد اللعبة، من شأنه أن يضر برجاحة التقدير لدى المستوى السياسي، ويزعزع ضبط النفس والرد المسؤول اللذين اعتمدا حتى الآن، ويجرّ إلى تبني منطق نشاط لا يتلاءم مع جوهر الإرهاب الحالي.
•وأولى دلائل ذلك يمكن ملاحظتها في التالي: قرار تفتيش جميع الآليات والمركبات الفلسطينية في منطقة الخليل- بيت لحم، وتفتيش عشوائي في سائر مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية]؛ قرار سحب تصاريح العمل في إسرائيل من أقرباء منفذي عمليات؛ منع دخول عمال فلسطينيين إلى مستوطنات "غوش عتسيون"؛ درس إمكانية فصل حركة سير الآليات والمركبات الفلسطينية عن حركة سير الآليات والمركبات الإسرائيلية على طرقات يهودا والسامرة [الضفة الغربية]؛ زيادة وتيرة الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين على أساس شبهات بسيطة؛ دراسة خطوات إضافية مثل تطويق مساحات جغرافية ومدينية مثل الخليل.
•إن خطوات من هذا النوع من شأنها أن تنقل مراكز الإرهاب إلى مناطق أخرى (نابلس وجنين) وأن تدفع بسكان [فلسطينيين] ليس لهم ضلع في أنشطة إرهابية إلى دعم فاعل أكثر للإرهاب والعنف. علاوة على ذلك، هذه الخطوات ستثقل جدا كاهل أجهزة الأمن الفلسطينية التي ليس لها حتى الآن علاقة بالإرهاب، والتي تلجم العنف ضد إسرائيليين، وتعمل ضد البنية التحتية لمنظمات إرهابية في مناطق السلطة الفلسطينية، وتمنع احتكاك السكان الفلسطينيين بقوات الجيش الإسرائيلي، وتواصل التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.
•إن فرصة تغيير هذا الواقع الآخذ بالتشكل تكمن في طرح أفكار منافسة وجذابة في مواجهة التطرف القومي والديني الذي يأسر قلوب الفتية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولهذه الغاية، يجب استخدام شبكات التواصل الاجتماعي استخداماً صحيحاً وتوجيه اهتمام جدي إلى منظومة التعليم الفلسطينية وإلى مضمون الرسائل المرسلة عبر وسائل الإعلام المتعددة إلى الجمهور ولا سيما الشبان، بما فيها تلك التي تبثها القيادة الفلسطينية. وفي الحقيقة في وضع تفقد القيادة الفلسطينية شرعيتها التمثيلية في نظر الجمهور الفلسطيني وتعتبر غير ذات صلة، فإنها تجد صعوبة في إقناع الجمهور الفلسطيني بالتخلي عن العنف والإرهاب، بل هي قد تنضم إلى المناخ العام المؤيد للإرهاب. إن القيادة الفلسطينية تقف على منحدر زلق، ولا سيما أن إحباط ويأس الفتية الفلسطينيين موجه أيضا ضدها، والإرهاب يستهدف تحديها هي كذلك. ومع ذلك، فإن جهداً إسرائيلياً للجم الظاهرة يستلزم أولاً وقبل كل شيء تجنيد القيادة الفلسطينية، برغم ضعفها وبرغم الشك حيال استعدادها وقدرتها على التأثير في الجمهور.
•إن إقناع قيادة السلطة برفض كل أشكال الإرهاب والعنف بلا لبس، واستعادة نفوذها في الشارع ولدى الفتية، يتطلبان أدوات جديدة من ضمنها إطلاق مبادرات فرص عمل للشبان، وبرامج تدريب مهني، وبرامج تعليم مفتوحة، وإيجاد سبيل لانخراط الفتية في النشاط السياسي. وفي مستطاع إسرائيل مساعدة السلطة الفلسطينية في هذه المجالات، لكنها مطالبة بأن تبرهن عن صدقيتها من خلال استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات والسعي للوصول إلى وضع دولتين لشعبين، في مقابل تنصل السلطة الفلسطينية من الإرهاب والعنف. وفي الوقت نفسه، من المهم أن تدفع إسرائيل بسلسلة من الخطوات الرامية إلى تحسين نسيج حياة ورفاه السكان الفلسطينيين. وهناك خطوة إضافية لمكافأة السلطة الفلسطينية على لجم الإرهاب، متمثلة في توسيع مجالات نشاط أجهزة الأمن الفلسطينية وتعزيزها، في موازاة توثيق التنسيق الأمني.
•وما لم يطرأ تغيير على الواقع السياسي، فالمطلوب انتشار مكثف للقوات الأمنية على الأرض، وتعزيز مناعة ويقظة المواطنين، وجهد مركز لإحباط هجمات. وذلك كله بناء على تقويم بأن الأمر يتعلق بواقع إرهاب مستمر ومتقلب، يختزن احتمالات تصعيدٍ، فقط ضبط النفس وصندوق عِدّة جديد يستطيعان لجمه.