في الذكرى العشرين لاغتيال رابين: من كان رابين الحقيقي وماذا بقي من أوسلو؟
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

•يتسحاق رابين لم يكن ملاك السلام: الملائكة موجودون فقط في الحكايات الخيالية. إن رصاصات المسدس التي أنهت حياته أعادت كتابة سيرة حياته: كل شيء- مسيرته العسكرية والدبلوماسية والسياسية المجيدة- وضع تحت جناحي سلام غير موجود. اختفى رابين الحقيقي والمعقد، وسيطرت شخصية خيالية جديدة على السردية. 

•ما هو إرث رابين؟ إنه سؤال طرحه كثيرون خلال الأعوام العشرين الماضية. والإجابة بسيطة ومزعجة: يغئال عمير هو الذي حدد إرث رابين. لم يكن رابين الحقيقي بطل حرب. ولم يصل إلى الزعامة الوطنية مزيناً بالأوسمة مثل إيهود باراك، ولم يقم بعمليات عسكرية جريئة وموضع جدل تحمل اسمه مثل أريئيل شارون. كان رابين ضابط أركان ممتاز، ولعله أفضل ضابط أركان خدم في حرب الاستقلال [حرب 1948]. كانت قوته تكمن في تفكيره المنظم، وتعمقه العنيد في التفاصيل، ودقته، وجديته، وحسه بالمسؤولية، ونزاهته، وتمسكه بالمحافظة على الرسميات.  

•... لقد انقاد رابين إلى اتفاقات أوسلو رغماً عن ارادته ورغبته، ففي الحملة الانتخابية للعام 1992، وعد بالتوصل إلى اتفاق سلام في خلال تسعة أشهر. وكان يقصد بذلك التوصل إلى سلام مع سورية. وتلكَّأ الفلسطينيون. كانت البلاد مذهولة لسقوط الفتاة هيلينا راب البالغة من العمر 15 ربيعا في عملية إرهابية في بات يام. وركز رابين حملته الانتخابية على الأمن، وتموضع على يمين رئيس الوزراء يتسحاق شامير. وعندما تلاشى مشروع [السلام مع] سورية - إلى حد كبير نتيجة استهتار وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر - كانت هناك حاجة لملء الفراغ بشريك آخر. المحادثات مع الوفد الأردني- الفلسطيني في واشنطن لم تحرز أي تقدم. وكانت أوسلو هي البديل. ... كان من المفترض أن يجري حفل توقيع اتفاقات أوسلو في واشنطن من دونه. وكان هذا سيجنبه مصافحة ياسر عرفات. لكن الرئيس الأميركي بيل كلينتون أصر، وتحمل رابين المسؤولية. 

•اشتكى أحد نشطاء حزبه بأنه محاط بأشخاص يعزلونه عن الناس، وبأنه يصعب الوصول إليه. وكان هذا كلام ينم عن غباء بدليل سهولة وصول القاتل إليه. لقد كان رابين سهل المنال بصورة استثنائية. وكان من الممتع تغطية نشاطاته. وكان يمتاز بصراحة استثنائية. وكانت مقدرته على الغوص في التفاصيل مزية كبيرة ومكمن نقص في آن معاً.

أرصدة اتفاقات أوسلو 

•درج عرفات على القول إنه لولا اغتيال رابين لكان جرى التوصل إلى اتفاقية سلام إسرائيلية- فلسطينية. وتبنى هذا القول العديد من القادة في الغرب وقسم كبير من معسكر اليسار الإسرائيلي: يغئال عمير لم يقتل رابين وحسب، بل قتل السلام أيضاً، ولعل عمير في زنزانته، والحاخامين الذين حرضوه يشاركونه هذه الفكرة، وإلا فماذا كان الداعي لكل هذا التهوّر؟ 

•لا أحد يعرف ماذا كان سيحدث لو بقي رابين على قيد الحياة. ومع ذلك، فعشرون عاما من الفشل تعلمنا شيئا ما. إن اتفاق السلام ما كان بالإمكان تحقيقه: الفجوة بين الأطراف كانت كبيرة جداً، والتوقعات كانت مرتفعة جداً كذلك، والخوف من الثمن السياسي والشخصي كان كبيراً للغاية، ولم يكن هناك خطر شديد محدق بإسرائيل. وبينما كان عرفات ورابين يسيران في الظاهر نحو اتفاق، كان عرفات يمول ويشجع عمليات الإرهاب، وكان رابين يمول ويشجع بناء مستوطنات في الضفة الغربية، وبشكل أساسي استيطان بكثافة في محيط مدينة القدس. وكان للاثنين اعتبارات سياسية داخلية، وجرى إبعاد فرصة التوصل إلى اتفاق. 

•لقد كان الدعم لعملية أوسلو في إسرائيل هشاً منذ البداية، وكانت التطورات الميدانية غير مؤاتية. نُظم مسيرة مهرجان خطابي مؤيد للسلام في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر [1995] رداً على الاحتجاجات الحاشدة التي نظمها معسكر اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو. كان اليمين مسيطراً على الشارع الإسرائيلي. وعندما طلب منظمو المسيرة من فنانين إسرائيليين المشاركة، رفض جميعهم باستثناء واحد أو اثنين ممن لم يكن لديهم شيء يخسرونه في ذلك الوقت. وأشك في أنه لو كان رابين بقي على قيد الحياة، وخاض انتخابات العام 1996، لكان سيفوز. لم يقتل يغئال عمير السلام. وليس له الفضل في تحقيق هذا الإنجاز، لكن عزاءه أنه منذ عملية الاغتيال، تخيم سحابة يغئال عمير فوق رؤوس صانعي القرار الإسرائيليين. وهم يدركون أن أي قرار بشأن إخلاء يهود من الأراضي [المحتلة] يستتبع دفع ثمن [سياسي] باهظ وغير متكافئ، وربما يدفعون أرواحهم ثمن ذلك. إن الخوف من اتخاذ قرار لا يقتصر على رؤساء الوزراء، بل إنه أيضاً يطال كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي وجهاز "الشين بيت" ["الشاباك"]، والشرطة، ومستشاري رئيس الحكومة، والوزراء الكبار. ونرى هذا الخوف في الأسلوب الرخو  والعاجز الذي تتعامل فيه هذه الأجهزة مع نشطاء الإرهاب اليهودي. إنهم خائفون. بدأ الخوف مع ولاية رئيس الحكومة شمعون بيرس القصيرة عندما كان عليه أن يختار بين التعامل فعليا مع الحاخامين الذين حرضوا يغئال عمير أو الدعوة الى رأب الصدع وتوحيد الشعب. واختار بيرس الوحدة، ووصلت الرسالة إلى المؤسسة العسكرية/الأمنية التي سارت على خطاه. وعملياً، منع بيرس إجراء تحقيق دقيق وشامل في خلفية عملية الاغتيال. واستمر الأمر مع نتنياهو وباراك- الأول في الضفة الغربية، والثاني في مرتفعات الجولان والضفة الغربية- في ظل خوفهما من المستوطنين. لم يكن شارون وأولمرت يخشيان المستوطنين، لكن الأجهزة التي كانا يرأسانها كانت تخشاهم. 

•عندما نسأل أحد المشاركين في عملية أوسلو ما هو أكبر إنجاز للاتفاق، يشيرون إلى جامعة الدول العربية، ويقولون إن الاتفاق سمح للحكومات العربية بالانتقال من اللاءات الثلاث لقمة الخرطوم (1967) إلى مبادرة السلام العربية (2002). 

•تكمن المشكلة في انقطاع التواصل بين الحكومات [العربية] والشارع، وفي استيلاء المنظمات الإرهابية على النظام القائم. فالسنوات لم تقلص الكراهية تجاه إسرائيل في العالم العربي- ولعل العكس هو الأرجح. هناك أربعة إنجازات ملموسة لا تزال قائمة: اتفاق السلام مع الأردن، التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، الاتفاقات الاقتصادية الموقعة في باريس، وانخراط إسرائيل في السوق الدولية. 

 

•دخل ما يقارب 150 شركة عالمية إلى إسرائيل للاستثمار في أعقاب اتفاقات أوسلو. ولا يسع المرء وصف نجاح الاقتصاد الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة من دون أوسلو، ومن دون احتضان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاتفاقات أوسلو. كل واحد من هذه الإنجازات يجري الآن تهديده بطريقة أو بأخرى. بعد عشرين عاما على عملية الاغتيال، هذا هو ما بقي.

 

 

المزيد ضمن العدد 2241