•إن الوضع الراهن – هذا إن كان ما يزال قائماً - بين إسرائيل والفلسطينيين يلفظ أنفاسه الأخيرة، والانتفاضة الفلسطينية الثالثة بدأت، بغض النظر عما سيكون اسم الثورة الفلسطينية الجديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وحدها خطوة جريئة من جانب قادة الطرفين، إذا أدركوا حجم الكارثة التي على وشك أن تحدث لشعبيهما، يمكن أن تمنع حدوث الكارثة القادمة.
•لكن تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) في الأيام الأخيرة، لا توحي بأنهما مستعدان للقيام بما هو مطلوب من قيادة شجاعة تضع مستقبل شعبها نصب أعينها.
•قال نتنياهو في ختام المداولات الأمنية بمشاركة وزير الدفاع، ووزير الأمن الداخلي، ورئيس الأركان، ورئيس الشاباك، وضباط الشرطة وغيرهم من الذين جمعهم أول من أمس، إنه طالب بالإسراع في هدم منازل المخربين كإحدى الوسائل لكبح موجة الارهاب. وأضاف نتنياهو أيضاً أنه أمر بتوسيع الاعتقالات الإدارية لمثيري الشغب، وزيادة عدد القوات في القدس وفي مناطق الضفة، وإبعاد المحرضين عن تخوم البلدة القديمة وعن جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. وقال: "إننا نخوض حرباً لا هوادة فيها ضد الإرهاب الفلسطيني". وجاء في البيان الذي صدر في نهاية الاجتماع: "طلبت تنفيذ خطوات إضافية من أجل منع الإرهاب ولردع المهاجمين ومعاقبتهم". وقيل خلال النقاش أن تقدير الجيش هو أنه حتى الآن ليس هناك تنظيم واسع في الضفة لانتفاضة جديدة، وأشير إلى أن ما يجري هو موجة إرهاب يساهم في إحداثها تحريض السلطة الفلسطينية.
•ليست السلطة الفلسطينية هي التي بادرت إلى الأحداث الدموية التي وقعت في الأيام الأخيرة، لكنها أيضاً لم تحرك إصبعاً لوقفها. وما يزال التعاون بين أجهزة الأمن في السلطة والشاباك والجيش مستمراً، لكن هناك جواً يوحي بـ"انتهاء الاتصال"، كما ذكر مصدر أمني رفيع. وقد اتصل أبو مازن بالأمين العام للأمم المتحدة وطلب منه تنظيم تدخل دولي من أجل انقاذ الشعب الفلسطيني.
•إن التوصيات والأفكار التي يطرحها نتنياهو وأبو مازن هي "من النوع عينه". وحلول نتنياهو ويعلون والمؤسسة الأمنية نوقشت سابقاً، وهي تخفي في طياتها الافتراض الفاشل منذ عشرات السنوات والقائل "ما لا يحدث بالقوة يحدث بالمزيد من القوة". وفي السلطة الفلسطينية التي توشك على الانهيار يقولون: "اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل هي لغة العنف".
•يواصل الطرفان التحدث بمصطلحات الماضي ويتصرفان مثل شخصيات في تراجيديا إغريقية. لكن بالاستناد إلى أرسطو، ففي التراجيديا يجب أن تحدث دائماً كارثة، بمعنى أنها نتيجة وضع لا حل له. لكن على نقيض التراجيديا الإغريقية حيث الآلهة أقوى من البشر، ففي النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني يوجد حل وهو في متناول البشر.
•ثمة حاجة ملحة إلى خطوة سياسية تفتح طريقاً أمام الزعيمين أساسها الاستئناف الفوري للمفاوضات بدعم عربي ودولي، ووقف العنف من الطرفين، وتهدئة النفوس، ووقف البناء في المناطق، وبادرات حسن نية وتسهيلات من جانب إسرائيل، وقبل كل شيء تعهدات حقيقية بتحقيق سلام مؤلم مع تنازلات قاسية.
•مع القيادة الحالية، فإن فرص حدوث ذلك ضعيفة. ومن المرجّح أكثر أن الطرفين سيسيران نحو الكارثة التي تنتظرهما مثلما يحدث في التراجيديا الإغريقية.