من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•في مقاله الأخير عرض البروفسور شلومو أﭬينيري أمام أعيننا مشهداً، وتوصل إلى خلاصة متشائمة ومخيفة مفادها أن إسرائيل والحركة الصهيونية يريدان "تسوية تاريخية" وهما مستعدان للقبول بها، لكن الفلسطينيين يرفضون أي تسوية. فهم يرفضون جوهر قيام كيان صهيوني- إسرائيلي، ويعتبرون الصهيونية حركة استعمارية كولونيالية محسوم أمرها، ولا يعترفون بأي حق يهودي- إسرائيلي لموطئ قدم سياسي في وطنهم فلسطين من البحر حتى نهر الأردن.
•إن الحركة الصهيونية، ومنذ سنة 1948 دولة إسرائيل، التي تنتمي إليها الأغلبية اليهودية المطلقة، مستعدتان لتقسيم البلد وترسيم حدود دائمة معترف بها وموافق عليها بين دولتين قوميتين (وهذا ما نردده بقولنا "دولتان لشعبين"). وحتى اليمين المتطرف تخلى منذ زمان عن هدف "لنهر الأردن ضفتان، هذه لنا وتلك أيضاً لنا".
•الحجج التي نطرحها لا تؤثر في الفلسطينيين، مثل إن حياة الفرد العربي-الفلسطيني في إسرائيل أفضل وأكثر أمناً بما لا يقارن من حياة الذين يعيشون في دولة عربية سيادية. هذه هي الثغرة الكبيرة بين المصلحة الشخصية والمصلحة الوطنية.
•يبدأ أﭬينيري تحليله بطرح سؤال: اليوم بعد 20 عاماً على التوقيع الاحتفالي لاتفاقات أوسلو، علينا أن نتساءل لماذا لم تثمر هذه الاتفاقات عن تسوية ومصالحة تاريخية كان يتوقعها المبادرون للاتفاق (على الأقل من الجانب الإسرائيلي). وبحسب جوابه القاطع، فإن السبب لعدم نجاح اتفاقات أوسلو هو "الفرق الأساسي بين منظومات المصطلحات التي من خلالها ينظر الطرفان إلى جوهر النزاع".
•يجب أن نشكر البروفسور أﭬينيري على أنه عرض صورة الوضع بوضوح لا لبس فيه، مهما تكن هذه الصورة قاسية ومتشائمة. بيد أن هذه الصورة يجب أن تشكل شرطاً أساسياً لاختيار أي طريق نواصل السير فيه، ولتبني استراتيجيا وطنية جديدة، ووضع أهداف واقعية والعمل بإصرار من أجل تحقيقها.
•لا أعرف ما إذا كانت إسرائيل قادرة على البقاء في الشروط الحالية في الشرق الأوسط والواقع الإقليمي المتغير. لست يهودياً مؤمناً ولا أنتمي إلى هؤلاء الذين يشرحون بأن كل خطوة هي من عمل الرب وبإرادة منه، واعتقادهم المطلق بأن ما يفكر فيه الفرد أو يفعله لا يغير شيئاً. وكيهودي غير مؤمن أعتقد أن المسؤولية الكاملة ملقاة على عاتقي. وانطلاقاً من هذه النظرة يتعين علينا أن نحلل الواقع بصورة ثاقبة، وأن نضع أهدافاً قومية – استراتيجية، كما علينا أن نختار طريقاً والعمل بصورة عملية على تحقيقه.
•إن مفتاح الحل للوضع القائم هو في طرح التسوية التاريخية كهدف وطني انطلاقاً من الايمان بأنه إذا أظهرنا استعداداً للتنازل والمصالحة، فإن الجانب الثاني سيظهر استعداداً مماثلاً. في أساس التسوية التاريخية يكمن الاعتقاد بأن الطرفين- إسرائيل والفلسطينيين- يريدان الهدف عينه: "تقسيم منصف بقدر الإمكان لأرض إسرائيل بين الطرفين"، "دولتان قوميتان لشعبين". وهذا تحديداً الحل التاريخي الذي يرفضه الجانب الفلسطيني رفضاً باتاً.
•لقد كان لإسرائيل نزاع جغرافي مع مصر حُل من خلال تسوية تاريخية وضعت مبادئها في محادثات كامب - ديفيد وفي اتفاق سلام. انسحبت إسرائيل من سيناء كلها وليس هناك أي مطالبة إسرائيلية تتعلق بالأراضي المصرية.
•حصلت مصر على الحصة التي طالبت بها وقبلت بالمطالب الإسرائيلية المضادة. بالنسبة للمصريين، جرى التوصل إلى تسوية تاريخية. صحيح أنه ما تزال هناك سلسلة طويلة من المشكلات غير المحلولة بين إسرائيل ومصر لكنها لا تدخل ضمن نطاق الحل التاريخي.
•لقد كانت لنا مشكلة مشابهة مع مملكة الأردن التي كان مطلوباً منها أن تتنازل. لقد قبلت بقيام دولة أردنية ضمن حدود الضفة الشرقية فقط، وانفصلت عن الضفة الغربية وعن مصير الشعب الفلسطيني. بنظرة تاريخية من المحتمل أن هذا كان خطأً استراتيجياً كبيراً ارتكبته إسرائيل. فمع مملكة الأردن الممتدة على الضفتين، كما كان عليه الوضع حتى حزيران/ يونيو 1967، ربما كان هناك إمكان لتحقيق تسوية سياسية حقيقية بروحية مطلب "دولتين لشعبين"، لكن هذا الإمكان لم يعد موجوداً، ويبدو أن علينا التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
•المطلوب من الزعامة الإسرائيلية الاختيار بين استراتيجيتين: الأولى مواصلة سياسات الييشوف والسيطرة على أرض إسرائيل الغربية كلها من البحر إلى النهر. وهذه هي الاستراتيجيا التي تنفذها القيادة الحالية، وليس مهماً بتاتاً ما تقوله إسرائيل للعالم. وهذه الاستراتيجيا ستؤدي إلى تدمير إسرائيل إلا إذا حدثت معجزة مثل تدخل إلهي مفاجئ يسمح لنا بمواصلة هذه الطريق من دون نشوء شرخ كبير بين إسرائيل والعالم.
•الاستراتيجيا الثانية هي العمل فوراً من دون انتظار ومن دون مرحلة جديدة من المحادثات من أجل قيام كيانين سياسيين- قوميين، إسرائيلي وفلسطيني. ونستطيع تحقيق ذلك من خلال مسعى إسرائيلي نبادر إليه من طرف واحد. ويجب أن نفعل هذا مع معرفتنا المسبقة بأن هذا التحرك "ليس التسوية التاريخية" المقبولة من الجانب الفلسطيني.
•وسيكون الهدف في هذه الحالة هو السعي إلى اتفاق موقت طويل الأمد، بحيث يكون واضحاً للطرفين أن هذا ليس حلاً دائماً.
•ويتعين علينا أن نمضي في هذا الطريق من دون مفاوضات، ومن دون أن نضيع يوماً واحداً. إن الدرس الأكثر أهمية، من دون أن نخدع أنفسنا والعالم، هو عدم وجود أي فرصة اليوم لاتفاق بواسطة التحاور بين الطرفين.
•يجب علينا أن نفرض فوراً قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. كما يجب علينا أن نبادر إلى اتخاذ خطوات لا تترك خياراً أمام الفلسطينيين. لقد قمنا بمثل هذه الخطوة عندما بادرنا إلى الانفصال عن غزة قبل عشرة أعوام. لكن هذه المرة يجب أن نتجنب الأخطاء التي ارتكبناها آنذاك.
•يجب أن نحدد الخط الأخضر، خط الهدنة، بأنه خط انطلاق المفاوضات المستقبلية. صحيح أن الفلسطينيين لن يوافقوا حتى على هذا الخط لأنه يفرض القبول بكيان صهيوني- سياسي على أراض فلسطينية، لكن تحديد هذا الخط كخط لبدء النقاش سيسمح لإسرائيل بأن تعود مقبولة في العالم. وبذلك نطرح فرضية مضادة لـBDS [الحملة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل].
•في الوقت عينه يتعين علينا العودة إلى التشديد على رفضنا المطلق للسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين. وستتمسك إسرائيل بالتعويض عليهم في الدول التي تستضيفهم من خلال اقتراح تعويضات ملائمة تشارك فيها، وتقوم هي بالتنسيق مع ائتلاف دولي يهتم بالموضوع.
•مع الأسف، لا أرى حكومة إسرائيل الحالية تتبنى هذا النهج. لكن المسألة مسألة وقت حتى نقترب من نقطة نواجه فيها الحاجة إلى اختيار مؤلم بين خراب الهيكل الثالث أو تبني سياسية واقعية، وهذه السياسة لن تكون هي التسوية التاريخية، لكن من المحتمل أن تكون خطوة يمكن أن تؤدي إلى ذلك مع مرور السنوات.
•إذا فعلنا ذلك، وإذا قامت دولة فلسطينية سيادية ومستقلة، تزداد رسوخاً مع مرور السنوات، فمن المحتمل أن يتبدد الرفض الفلسطيني المطلق لاتفاق تسوية تاريخية. وبذلك يمكن أن نرى برغم كل شيء نهاية النزاع.