رهان بوتين حتى الآن هو على انتصار الأسد وعلى إسرائيل ألا تقلق من الوجود الروسي
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف

•في الخطابات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كشف فلاديمير بوتين وباراك أوباما عن رغباتهما ونياتهما الحقيقية. فالرئيس الأميركي يريد إنهاء ولايته التي سيحل موعد انتهائها بعد أقل من سنة ونصف السنة من دون حروب جديدة، ومن دون أن يضطر إلى إرسال قوات برية للقتال على أرض أجنبية. وهو لا يريد حل النزاعات بل منعها بوسائل دبلوماسية، وإذا لم ينجح في ذلك، فيريد إدارة هذه النزاعات بطريقة تقلص الضرر. وهو ينظر إلى الولايات المتحدة بوصفها زعيمة العالم والدولة الرقم واحد، ليس فقط لأنها تملك الجيش الأكبر والأقوى والأكثر حداثة على الأرض، بل في الأساس لأن اقتصادها آخذ في الانتعاش بينما اقتصاد خصميها الأساسيين، روسيا والصين،  آخذ في التدهور.

•لبوتين أهداف مختلفة تماماً، فإلى جانب تطلعه المعروف إلى عودة روسيا إلى مجدها السابق، فهو يريد تقسيم العالم من جديد إلى مناطق نفوذ. على سبيل المثال، شرق أوكرانيا لي، وغربها لكم. سورية تابعة لي، والسعودية لكم، وهلم جراً.

•ومن أجل تحقيق هذه الرؤيا، زاد بوتين في الفترة الأخيرة من تدخله في سورية. وما لم يعطه حافظ الأسد حتى يومه الأخير للروس حصلوا عليه من ابنه. ففي أيام الأب أعطاهم حافظ الأسد رصيفاً واحداً في مرفأ اللاذقية الواقع في الجيب العلوي، بينما حصلوا اليوم على مرفأ طرطوس كله وعلى قاعدة جوية شمال اللاذقية.

•اليوم أصبحت روسيا تملك موقعاً استراتيجياً ثابتاً مغروساً في أرض الشرق الأوسط، تماماً مثل المواقع التي للولايات المتحدة ولحلف شمال الأطلسي في تركيا مثلا. بالاضافة إلى ذلك، فقد استغل بوتين ضائقة الأسد والإيرانيين كي يتحول إلى لاعب أساسي في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يتآكل فيه نفوذ الولايات المتحدة ويتراجع.

•في موازاة ذلك، تبني إيران لحزب الله قدرة إنتاج مستقلة للسلاح والتسلّح، وذلك من أجل منع الهجمات الإسرائيلية على قوافل السلاح المتجهة من سورية إلى حزب الله التي قد تؤدي إلى التصعيد. ويمكن افتراض أن الإيرانيين يفعلون ذلك بالتشاور مع الروس، وأنهم إزاء التدخل الروسي في سورية لا يرغبون في مواجهة مع إسرائيل.

•ينشىء بوتين محوراً يشمل إيران وسورية والعراق وروسيا في مواجهة المحور الموالي للغرب المؤلف من دول الخليج ومن مصر، وهو لم يقل بعد كلمته الأخيرة في هذا الصدد. لقد عقد حلفاً استخباراتياً مع العراق ضد داعش بالطبع، لكن تنظيم داعش ليس القصة الأساسية، بل القصة تتعلق بروسيا الدولة العظمى التي لديها تأثير حاسم في الشرق الأوسط.

•في ما يتعلق بداعش، فإن نيات بوتين بسيطة للغاية، فهو سيقدم للأسد وللعراقيين- وأيضاً للإيرانيين إذا لزم الأمر - كل ما هم بحاجة إليه من أجل إجبار داعش على الدفاع عن بقائه، وكي لا يزيد قوته ويتحول إلى مصدر ازعاج خطير في جنوب القوقاز. ويفضل بوتين أن يعود المسلمون المتشددون من الشيشان المناصرون لداعش إلى بلدهم في توابيت وليس كمقاتلين ذوي خبرة سيضطر الجيش الفدرالي الروسي إلى مواجهتهم في معارك القوقاز وداغستان والشيشان وأغنوشيا وفي الجمهوريات الروسية المسلمة الأخرى.

ومن هنا فإن للتدخل الروسي في سورية هدفاً استراتيجياً من الدرجة الأولى بالنسبة لبوتين، إلى جانب أهداف يمكن تتصل بأمن سورية واقتصادها كما سيجري توضيحه في ما يلي:

•يفعل بوتين في سورية اليوم ما فعلته الولايات المتحدة أيام نيكسون لإسرائيل في حرب يوم الغفران [حرب تشرين/أكتوبر] قبل 42 عاماً. فعتاد الجيش السوري كان قديماً وغير ملائم حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية. واليوم، وبعد 4 أعوام من الحرب، صار نصف هذا العتاد مدمّراّ، وهناك نسبة كبيرة منه غير قابلة للاستخدام، والمقصود طائرات حربية، وناقلات جند مدرعة ودبابات.

في الأسابيع الأخيرة أعطت روسيا الجيش السوري سلاحاً أكثر تطوراً سيساعده في ضرب مواقع المتمردين وتجمعاتهم، ولكي يحل محل المدفعية غير الدقيقة التي يستخدمها الأسد وصواريخ أرض - أرض التي قلما تصيب الهدف (تماماً مثلما أعطت الولايات المتحدة الجيش الإسرائيلي في حرب 1973 صواريخ مضادة للدبابات باستطاعتها وقف المدرعات المصرية التي هددت بالتقدم في اتجاه بئر السبع).

•يسيطر الأسد على أقل من ربع المساحة الأصلية لسورية، لكن لدى الروس ما يكفيهم تماماً. فكل ما يريدون يمكنهم تحقيقه من خلال"سورية الصغرى"، العلوية- الشيعية، الممتدة على طول الساحل من اللاذقية وإلى دمشق جنوباً، وهي ممر يصل إلى حدود لبنان، وهم لا يحتاجون إلى إذن كي يقيموا قاعدة عسكرية كبيرة يمكنهم استخدامها لحاجات مختلفة، وبصورة أساسية من أجل وضع أصبعهم في عين الأميركيين واستخدام ذلك ورقة مقايضة من أجل تحقيق أهدافهم في أوكرانيا.

•إن الروس حكماء، وهم لا ينوون إرسال الجنود الروس لمقاتلة داعش، لكنهم سيحرصون على أن يستطيع الأسد القيام بذلك. وإذا كانوا يقومون بتوسيع المباني والمخازن في قاعدتين لوجستيتين للجيش السوري بالقرب من اللاذقية، فإنهم يفعلون ذلك ليس من أجل استقدام لواء مدرع روسي، بل من أجل جلب دبابات جديدة وطائرات وعتاد لجيش الأسد.

•يتعين على إسرائيل أن تفهم ذلك وأن تعرف كيف تستغل الوضع. ويجب أن نتذكر في هذا الصدد، أنه مثلما لم ينس الأميركيون تدخلاتهم الفاشلة في فيتنام والعراق وأفغانستان، فإن الروس أيضاً ما زالوا يتذكرون انسحابهم المخجل من أفعانستان في آذار/مارس 1989. لن يكرر بوتين هذا الخطأ، ويمكن تصديق إعلانه في الجمعية العامة في الأمم المتحدة بأنه لن يرسل جنوداً روساً لمحاربة داعش على الأرض، وسيكتفي فقط بتزويد الأسد بالسلاح. والإيرانيون بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنهم سيدفعون له ثمن هذا السلاح.

•وعلى ما يبدو سيتحول الإيرانيون في وقت قريب إلى الزبون الرقم واحد لصناعة السلاح الروسية، وقد يعوضون بسرعة على روسيا الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها من جراء العقوبات التي فرضها عليها الأوروبيون والأميركيون بسبب الموضوع الأوكراني.

•لقد قدم بوتين في الأمم المتحدة صورة عنه، حازمة وقوية وحتى جريئة وخلاّقة، دفعت الكثيرين في الاعلام وفي الأوساط الدولية إلى كيل المديح له. لكن يجب أن نتذكر أن التدخل الروسي في الشرق الأوسط واللعبة الاستراتيجية التي حقق من خلالها بوتين نجاحات اقليمية لم ينتهيا بعد.

•يعاني اقتصاد روسيا من التراجع، وكما هو معلوم فإن عدم اليقين في الشرق الأوسط هو الأمر الوحيد الثابت. ومن المحتمل أن يعود بوتين إلى بلاده خائباً مثلما عاد الأميركيون من أفغانستان ومن العراق، ومثلما عدنا من حرب لبنان الأولى [سنة 1982].

•ماذا يعني هذا كله لنا؟ يبدو أن الوضع الجديد والتدخل المتزايد لروسيا في سورية هو فرصة لإسرائيل أكثر مما هو خطر. وقد أوضح بوتين ذلك عندما قال – وهذا تصريح بالغ الدلالة - إن لإسرائيل مصالح مشروعة في سورية. ومعنى ذلك أن بوتين ينظر إلينا بوصفنا شريكاً شرعياً في تحديد مستقبل المنظومة الإقليمية التي تتطلع روسيا إلى تزعمها.

•تنظر إلينا روسيا بوصفنا شريكاً برغم إسراع بوتين إلى إدانة الهجمات الجوية الإسرائيلية على سورية. وهذه الإدانة هي للقول: أنتم الإسرائيليون شركاء، لكن هناك قواعد لعبة يجب عليكم احترامها. ومن الممكن الافتراض نتيجة لذلك ونتيجة لما جرى الاتفاق عليه بين نتنياهو وبوتين، أن إسرائيل ستحرص بقدر الممكن على الامتناع عن مهاجمة شحنات السلاح المتوجهة إلى حزب الله في لبنان. ومن الممكن أيضاً التقدير أن روسيا ستحرص على منع انتقال سلاح الأسد إلى حزب الله. ففي النهاية هي التي أعطته هذا السلاح ولديها مصلحة واضحة أن تجذب إسرائيل التي هي دولة عظمى إقليمية إلى جانبها، وإبعادها قليلاً عن الأميركيين.

•خلاصة القول إن روسيا ستكون، كما يبدو، العامل الذي سيؤدي إلى استقرار سورية، ولكن الأمر المزعج هو أن روسيا ستمنح شرعية لإيران لترسيخ وجودها في سورية إلى جانبها لكن تحت نظرها الثاقب.

•وكما قلنا سابقاً، فلا يمكن معرفة ماذا سينتج عن الطبخة المعقدة التي تعدها روسيا الآن في المنطقة. وحتى بوتين لا يعلم ما إذا كانت العملية ستنجح أم لا. لكن الراهن اليوم هو أن على إسرائيل ألا تقلق كثيراً من تزايد الوجود الروسي في المنطقة.