محمود عباس ألقى في خطابه قنبلة من دون أن يفجرها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•خلافاً للسابق الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وفى هذه المرة بوعده، ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس (الأربعاء) ألقى بالفعل قنبلة عندما أعلن أن الفلسطينيين لن يحترموا بعد الآن الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل خلال الأعوام الـ22 الماضية. لكن السؤال الذي ظل مطروحاً هل ستفجّر هذه القنبلة فوراً وتكون لها أصداء كبيرة؟ أم ستبقى مملقاة ومن المحتمل أن تتفجر في أي لحظة؟ أم سيتضح أنه بدلاً من أن تكون محشوة بمادة متفجرة هي محشوة في أفضل الأحوال بمادة كريهة الرائحة ستتبدد بسرعة؟

•لم يكن عبثاً عدم رد ديوان رئيس الحكومة على الجزء الأساسي من كلام أبو مازن. ففي إسرائيل لم يفهموا تماماً المغزى العملي لهذا الكلام. في التحليل الأولي الذي أجري في إسرائيل للخطاب أعطيت تفسيرات مبسطة إلى حد ما بأن المقصود التهديد فقط. ففي النهاية لم يحدد أبو مازن التاريخ الذي سيبدأ فيه الفلسطينيون بعدم احترام الاتفاقات مع إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك فأبو مازن لم يحدد ما هي الاتفاقات المقصودة، وهل التنسيق الأمني جزء منها.

•وفقاً للتقدير الأولي في إسرائيل فإن أبو مازن ألقى قنبلة لكنه لم يضغط بعد على صاعق تفجيرها. وهو سينتظر قليلاً كي يرى ما هو تأثير كلامه. فإذا تغير شيء ما بصورة دراماتيكية، ففي استطاعته تفكيك القنبلة. وإذا لم يحدث شيء فإن الانفجار سيحدث، والوضع الحساس في المناطق سيتدهور أكثر.

•الآن ستبدأ عملية الهرولة. ففي الأمس اجتمع وزراء خارجية اللجنة الرباعية، الولايات المتحدة، روسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، مع وزراء خارجية الدول العربية ودول أوروبية من أجل البحث في الأزمة بين إسرائيل والفلسطينيين. وبعد أسبوعين من المنتظر وصول وفد رفيع من اللجنة الرباعية إلى إسرائيل. كما من المنتظر أيضاً أن تصل وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني التي التقت أمس نتنياهو، إلى المنطقة، وقد يضطر الأميركيون الذين في الأشهر الأخيرة يتهربون من هذا الموضوع إلى الانجرار إليه مجدداً رغماً عن إرادتهم.

•السؤال الأساسي هو ماذا ستفعل إسرائيل. في هذه المرحلة يبدو أنه ليس لدى الحكومة الإسرائيلية أي استراتيجية تتعلق بالموضوع الفلسطيني باستثناء محاولة التمسك بأي ثمن بالوضع الراهن حتى عندما يفلت من قبضتها. من بين الأشخاص الذين كانوا في قاعة الأمم المتحدة واستمع إلى خطاب عباس، منسق الأنشطة في المناطق اللواء يوآف (بولي) مردخاي. ففي غياب قرار سياسي رسمي واضح، هو الذي سيضطر إلى تنظيف كل هذه الفوضى.

•منذ وقت قصير نشر مدير تحرير صحيفة "الحياة الجديدة" الناطقة بلسان السلطة [الفلسطينية] حافظ البرغوثي مقالاً حاول فيه استشراف الورثة المحتملين لأبو مازن. وبعد أن استعرض جميع المرشحين اختار اللواء مردخاي رئيساً مقبلاً لفلسطين.

•وفي الواقع فإن خطاب عباس الذي اعلن فيه أن على إسرائيل كقوة احتلال أن تتحمل مسؤولية المناطق يقرب اللحظة التي قد يتحقق فيها هذا السيناريو.

بعد لحظات قليلة من نزول الرئيس عباس عن منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة تجمع الصحافيون والديبلوماسيون في حديقة الأمم المتحدة من أجل حضور مراسم رفع العلم الفلسطيني. من بعدهم وصل وزراء الخارجية، وكان هناك وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وكثيرون غيرهم.

•وكانت مهمتهم الأولى هي الوقوف في الصف الأول من أجل تخليد أنفسهم في إطار هذه اللحظة التاريخية. فإذا أخذت صورهم بالقرب من العلم فإنهم بذلك يكونون قد قاموا بواجبهم من أجل حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. لقد كان المشهد سوريالياً، جزء منه مأساوي وجزؤه الآخر كوميدي. فبعد خمس دقائق من اعتراف الرئيس الفلسطيني أمام العالم بأنه يترأس دولة متعثرة، وأنه قريباً سيغلق "الدكان"، وقف مندوبو عشرات الدول واحتفلوا برفع علم يرمز إلى كيان سيادة افتراضية مستقلة موجودة فقط في هيئة الأمم المتحدة في نيويورك.

 

•لكن برغم مسرح العبث حول العلم المرفرف، يجب عدم الاستخفاف بأهمية الحدث الرمزي بالنسبة للفلسطينيين. فصيحات الفرح العفوي التي سمعت من جانب عشرات الفلسطينيين الأميركيين الذي حضروا الاحتفال، ومهرجان الأعلام الذي غمر أرجاء السلطة الفلسطينية في الأيام الأخيرة، وعشرات الشاشات التي وضعت في المدن الكبرى في الضفة الغربية حيث تحلقت عائلات كاملة لمشاهدة الحدث، كل ذلك يذكر بأحداث مشابهة من تاريخ دولة إسرائيل. وحتى إن لم تظهر دولة مستقلة من ذلك كله في المستقبل المنظور، فإن الفلسطينيين للحظة واحدة يستطيعون أن يقولوا لأنفسهم "نحن على الخريطة وسنبقى عليها..."