ما مدى خطورة "داعش" على إسرائيل؟
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– Perspectives Paper

ملخص تنفيذي: النظرة التي تعتبر أن تنظيم "داعش" يطرح تحدّياً استراتيجياً خطيراً ومستقلاً هي نظرة خاطئة. فمع أن "داعش" أشعل حماسة متّقدة لدى عدد كبير من المسلمين الشباب والمحبطين حول العالم، إلا أنه لا يستطيع من تلقاء نفسه سوى إحداث ضرر محدود جداً. التلمحيات إلى أن "داعش" قد يشكّل تهديداً أكبر لإسرائيل بالمقارنة مع إيران، سخيفة.

 

•قتل تنظيم "داعش" الإسلامي المتشدّد آلاف الأشخاص منذ إعلانه إنشاء خلافة إسلامية في حزيران/يونيو 2014 عاصمتها الفعلية مدينة الرقة. وقد استحوذ على قدر كبير جداً من الاهتمام الدولي باستيلائه سريعاً على مساحات شاسعة من الأراضي ونشره صوراً مروّعة عن قطع الرؤوس وسواها من أساليب الإعدام. تشتدّ المخاوف في إسرائيل مع اقتراب تنظيم "داعش" من الحدود الإسرائيلية.

•إن العديد من التحاليل التي تتناول التهديد الذي يشكّله "داعش" لإسرائيل تدقّ ناقوس الخطر من دون أن يكون هناك ما يستوجب ذلك، فتنظيم "داعش" ينجح في شكل أساسي في الأماكن التي تعاني فراغاً سياسياً. وعلى الرغم من أن الهجمات في سورية والعراق أظهرت الإمكانات التكتيكية لتنظيم "داعش"، إلا أنها كانت موجّهة ضد دولتَين فاشلتَين مع جيشَين ضعيفين. فحيث لقي "داعش" معارضة منظّمة جيداً من الكيانات غير الدولتية على غرار المقاومة من الميليشيات الكردية، كان أداؤه أقل إقناعاً.

•وليس الهجوم على بلدة مصرية في شبه جزيرة سيناء على أيدي فرع "داعش" المحلي الذي يضم مئات المقاتلين، والذي حظي بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، استثناءً عن هذا التقويم. لقد أظهر "داعش" قدرة تكتيكية على استخدام أعداد كبيرة من الميليشياويين في منطقة واجه الجيش المصري فيها طوال سنوات عدة، مشكلات في بسط سيادة الدولة.

•لكن الجيش المصري نجح في نهاية المطاف في صدّ الهجوم وقتل مئات المهاجمين. وخاض النظام المصري المصمّم على القضاء على الإرهابيين، معركة جيدة ضدهم في سيناء، على الرغم من أن الجيش المصري ليس مدرّباً كما يجب على مواجهة سيناريوهات كالتي تشكّلها مجموعات على غرار "داعش"، وعلى الرغم من انشغاله بمنطقة الدلتا (يُعتبَر التهديد في سيناء هامشياً). ومن المرجَّح أن ينجح في احتواء التحدّي الذي يمثّله "داعش".

يجب التنبّه للفارق بين الجيش الحقيقي والقوات التي يخوض "داعش" مواجهة معها في سورية والعراق. الجهات غير الدولتية هي في شكل عام أقل خطورة من الدول. وحدها الدول تستطيع تطوير أسلحة نووية، أما الجهات غير الدولتية فلا تملك عادةً طائرات ومدافع ثقيلة ودبّابات من شأنها إحداث أضرار كبيرة. بما أن "حزب الله" وحركة "حماس" عميلان لدى إيران فهما ليسا استثناء عن هذه القاعدة لأن إحدى الدول زوّدتهما بقدرات تدميرية مثل الصواريخ. وعلاوة على ذلك، يمارسان سيطرة شبه حصرية على جزء من الأراضي.

•كما أن نجاح "داعش" يعود في جزء منه إلى الدور الذي تؤدّيه تركيا، إذ تسمح أنقرة للمتطوعين من الخارج بالعبور إلى معسكرات التدريب التابعة لتنظيم "داعش" في العراق. وهذه الطريق التركية نفسها يستخدمها الخبراء الأجانب الذين يشغّلون البنى التحتية النفطية التي استولى عليها تنظيم "داعش".

•وتُستخدَم الأراضي التركية لتزويد "داعش" بالإمدادات ومعالجة المصابين في صفوف التنظيم. وتقوم دول الخليج بتمويل أنشطة "داعش". وإن موافقة تركيا الرسمية أخيراً على الانضمام إلى التحالف ضد "داعش" لا تُغيّر الكثير، فالأكراد هم الهدف الأساسي بالنسبة إلى أنقرة، وتُظهر الأدلة أن تنظيم "داعش" لا يزال يحصل على دعم تركي محدود.

•ويعني ذلك أن النظرة التي تعتبر أن تنظيم "داعش" يشكّل تحدّياً استراتيجياً خطيراً ومستقلاً نظرة مغلوطة. صحيح أن "داعش" أشعل حماسة متّقدة لدى عدد كبير من المسلمين الشباب والمحبطين حول العالم، وأن فكرة الخلافة تلقى رواجاً كبيراً لدى المؤمنين، بيد أن السؤال المطروح هو الآتي: ماذا يستطيع "داعش" أن يفعل من دون دعم خارجي؟ لا يستطيع التنظيم، من تلقاء نفسه سوى إحداث ضرر محدود جداً. لقد جرى تضخيم التهديد إلى حد كبير جداً، في حين أنه يجب التعامل بالطريقة المناسبة مع الدول التي تساعده.

•لدى الإدارة الأميركية أسباب وجيهة لتضخيم التهديد الذي يشكّله "داعش"، فهي تستغل هذا التهديد الكبير لإضفاء شرعية على إيران وتصويرها طرفا فاعلا "مسؤولا" (يُفترَض أنه سيحارب "داعش") في شؤون الشرق الأوسط. لقد كان هذا جزءاً من المنطق الذي استخدمته إدارة أوباما لتبرير الاتفاق النووي مع إيران.

•قد يفرض "داعش" في نهاية المطاف سيطرته على منطقةٍ عند الحدود الإسرائيلية، لا سيما في الجولان حيث تتفكّك الدولة السورية. وفي أسوأ الحالات، قد تتحول سورية إلى "حماسْتان" أخرى. لكن من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل نجحت في احتواء "حماس" في غزة. وفي الواقع، السبب الوحيد وراء إحجام إسرائيل عن اللجوء أكثر إلى القوة في ردّها على "حماس" هو أن لديها مصلحة في الإبقاء على الانقسام بين "حماس" في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. لكنها لن تمارس ضبط النفس هذا في مواجهة كيان داعشي قد ينشأ في المستقبل عند حدودها. فنظراً إلى أن الدعم العالمي لتنظيم "داعش" أقل من الدعم للغزّيين، من الواضح أن حرية التحرك التي تملكها إسرائيل في مواجهة "داعش" أكبر بكثير.

•كما يتمتع الأردن الذي يُعتبَر دولة عازلة مهمة وشريكاً استراتيجياً لإسرائيل، بالإمكانات العسكرية اللازمة من أجل التصدّي لهجومٍ يشنّه تنظيم "داعش". وعلى الأرجح أن في استطاعة أجهزته الأمنية أيضاً أن تواجه في الوقت الحالي التشدّد الإسلامي الذي يهدّد البلاد من الداخل.

•التلمحيات إلى أن "داعش" قد يشكّل تهديداً أكبر لإسرائيل بالمقارنة مع إيران، سخيفة. وشتّان ما بين الجيش  الإسرائيلي وبين ميليشيا "داعش"، ولا مجال للمقارنة بينهما. وطالما أن "داعش" يتصرف بالطرق الأكثر شذوذاً ووحشية، فسوف يُسَرّ كثرٌ في العالم برؤية إسرائيل تقوم بالعمل القذر بالنيابة عنهم، وتسدّد الضربة تلو الأخرى لتنظيم "داعش"، في حال سنحت الفرصة وعند الاقتضاء.

 

•إفرايم إنبار أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، ومدير مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية. 

 

 

المزيد ضمن العدد 2216