معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•كثرت في الأسابيع الأخيرة تقارير تفيد أنه تجري مفاوضات بين إسرائيل وحركة "حماس" للتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد. وبحسب المتداول، تجري المفاوضات عبر وسطاء مختلفين أبرزهم الحكومة التركية و[رئيس الوزراء البريطاني السابق] توني بلير، المبعوث السابق للجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط. وبحسب بعض التقارير فإن الجانبين قريبان من التوصل إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار لمدة تراوح بين 5 و10 أعوام وما سمي "رفع الحصار" المضروب على قطاع غزة، يشمل فتح حدود وإقامة ميناء في القسم التركي من قبرص تمر عبره حركة النقل البحري إلى قطاع غزة بعد تفتيش حمولات المستوعبات.
•وهكذا على سبيل المثال، قال ياسين أقطاي مستشار رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، إن "قطاع غزة يتجه إلى توقيع اتفاق شامل بشأن رفع الحصار وفتح الحدود، في مقابل وقف إطلاق النار". وحسب قوله، نوقش الموضوع أثناء زيارة [رئيس المكتب السياسي لحركة حماس] خالد مشعل الى تركيا. كما أن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ضالع في المفاوضات. وكان مسؤولون كبار في حركة حماس ومن ضمنهم هنية، منخرطين في رفع سقف التوقعات بحدوث تغيير جذري في وضع قطاع غزة كنتيجة لـلتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. واستغلت السلطة الفلسطينية في رام الله هذه التقارير لاتهام حركة حماس بإجراء مفاوضات مع إسرائيل بشكل منفرد، وبكونها على استعداد للتوصل إلى اتفاق جزئي معها مغزاه الإسهام في شق الساحة السياسية الفلسطينية والمساس بالمصلحة الفلسطينية. وعكست التعليقات الرسمية في إسرائيل الرغبة في خفض سقف التوقعات، وإن كانت [إسرائيل] لم تنف مواصلة إجراء محادثات بين إسرائيل وحركة حماس.
•انتهت عملية "الجرف الصامد" بوقف إطلاق النار في 26 آب/أغسطس 2014، بعد أن توصلت إسرائيل وحركة حماس بوساطة مصرية، إلى تفاهمات مبنية على تفاهمات سابقة جرى التوصل إليها في أعقاب عملية "عمود سحاب". وبموجب هذه التفاهمات، جرى الاتفاق على فتح المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة بما يحقق إدخال مساعدات إنسانية وإغاثية ومستلزمات إعادة الإعمار، وعلى السماح بحرية الصيد البحري لسكان قطاع غزة حتى مسافة 6 أميال بحرية من الشاطئ، وعلى أن يسعى المصريون لاستئناف دفع رواتب الموظفين الحكوميين في قطاع غزة، من الذين قامت حركة حماس بتوظيفهم. كما اتفق على مواصلة المفاوضات في القاهرة للتوصل إلى تفاهمات لأمد أطول، على أن تناقش في إطارها موضوعات أخرى من ضمنها إقامة ميناء في قطاع غزة وتوسيع منطقة الصيد البحري. وفي غضون الأشهر الـ12 الماضية، فتحت إسرائيل إلى حد كبير المعابر البرية إلى قطاع غزة، حتى إنها أعادت فتح معبر إيرز [بيت حانون] أمام حركة سكان القطاع. ويعبر منه نحو 1500 شخص يوميا. وبهذه الطريقة يشكل معبر إيرز بديلا عن معبر رفح في سيناء حيث فرض المصريون قيودا شديدة. كما أصبح الصيد عموما مسموحا في بحر غزة حتى مسافة ستة أميال بحرية، وإن رافقته احتكاكات متكررة بين زوارق دوريات سلاح البحر والصيادين الذين يحاولون تجاوز حدود المنطقة المتفق عليها الفقيرة بالثروة السمكية.
•كما سمحت إسرائيل لقوات حماس بالتمركز في المنطقة العازلة قرب الشريط الحدودي لقطاع غزة التي شهدت في الماضي احتكاكات عديدة بين الجانبين، على أمل أن يمكّن ذلك حركة حماس من منع فصائل أخرى ناشطة على أرض القطاع من تنفيذ هجمات [ضد إسرائيل].
•من ناحية أخرى، لم تفض المفاوضات الإضافية التي كان من المقرر أن تجري في القاهرة إلى نتائج، ولا توجد دلائل جدية على زوال الأسباب الأساسية التي حالت دون توصل الجانبين إلى اتفاق طويل الأجل في مصر. وتكمن هذه الأسباب بشكل رئيسي في موقف الإدارة المصرية من حركة حماس، وفي عدم تعاون السلطة الفلسطينية، وفي تردد حكومة إسرائيل حيال أي اتفاق رسمي مع حركة حماس والأثمان المترتبة على ذلك. يعتبر المصريون حركة حماس امتداداً خطيراً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ويخوض النظام المصري الذي يعتبر هذه الجماعة عدواً رئيسياً، ضدها حرباً طاحنة، وعلى هذه الخلفية يسعى لإضعافها قدر المستطاع. وبالفعل، فإن الوسطاء في المفاوضات هذه المرة هم أطراف أخرى، لكن يبقى موقف المصريين مهماً بحكم قدرتهم على التأثير في مواقف السلطة الفلسطينية وإسرائيل وممارسة ضغط مؤلم على حركة حماس في القطاع. إن قيادة السلطة الفلسطينية التي تعتبر هي أيضاً حركة حماس العدو الرئيسي، مهتمة بإضعافها، ولذلك ترفض تحويل الرواتب إلى قطاع غزة. وهي ستعمل على الأرجح بكل الوسائل والطرق لإفشال الاتفاق لأنه قد يعطي شرعية للحكم في قطاع غزة ويمنحه جرعة من القوة. كما تخشى السلطة الفلسطينية أن يؤدي هذا الاتفاق إلى إدامة فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
•وتتحاشى حكومة إسرائيل توقيع اتفاقات رسمية مع حركة حماس لأن هذه الاتفاقات قد تمنحها شرعية وتسهل على لاعبين دوليين إقامة علاقات معها. وفي الحقيقة، توقفت إسرائيل عن تكذيب قيام حوار متواصل مع حركة حماس على المستوى السياسي، عبر وسطاء، لأن هذه التكذيبات فقدت صدقيتها منذ فترة طويلة. بيد أن إسرائيل مهتمة بإبقاء الحوار محصوراً بموضوعات تتعلق بسير الحياة العادية في قطاع غزة وبالمحافظة على الهدوء الأمني من خلال تفاهمات غير موقعة. ولا بد أيضاً من أن تشعر إسرائيل بالقلق من أن يؤدي اتفاق بينها وبين حركة حماس إلى إضعاف شريكها في العملية السياسية: قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. لكن ليس واضحاً إذا كان هذا بالفعل أحد الاعتبارات التي توجه ائتلاف اليمين الضيق الذي يشكل حكومة إسرائيل الحالية. ومن هنا، يبدو أن التقارير المتفائلة بشأن قرب التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس نابعة من مصالح بعض اللاعبين في محيط الاتصالات بين الجانبين.
•إن الحكومة التركية معنية بنشر هذه التقارير من أجل تعزيز مكانتها كجهة صاحبة تأثير، يحتاج اللاعبون في المنطقة الى وساطتها. (وهذه فرصة سانحة لتركيا لخدمة مصالحها الإضافية، مثل تدعيم مكانة الوجود التركي في قبرص). لكن ثمة شك كبير في أن تكون إسرائيل مهتمة بتعزيز مكانة الحكومة التركية الحالية، ودفع الثمن المترتب على ذلك، والمتمثل بتضرر علاقاتها المزدهرة مع كل من قبرص واليونان. ومن وجهة نظر أنقرة، وتحديداً على خلفية التراجع الملحوظ في مكانتها وفي نفوذها الإقليمي عقب الثورات في المنطقة، فإن كل مساهمة ولو ضئيلة في تعزيز موقعها، لها أهميتها.
•وتعاني حركة حماس من وضع صعب بسبب عدم قدرتها سواء على تحسين وضع السكان في قطاع غزة بشكل كبير، أو تسريع عملية ترميم الأضرار التي لحقت بالقطاع من جراء عملية "الجرف الصامد". ولهذه الأسباب، لها مصلحة حقيقية في اتفاق أكثر استقراراً مع إسرائيل، يتيح دفع هذه الأهداف قدماً. وعلاوة على ذلك، حتى في ظل غياب اتفاق كهذا، وبرغم عدم وجود فرصة كبيرة للتوصل إليه، فهناك داخل قيادة حركة حماس أشخاص يعتقدون، على اختلافهم، أن إحدى وسائل مواجهة هذا الوضع تكمن في رفع الآمال في تحسن قريب للأوضاع وسط الجمهور الغزاوي.
•وهناك أيضاً وسطاء أوروبيون مثل توني بلير، مهتمون بنشر تقارير حول الدور الذي يلعبونه، حتى لو كانت محاولاتهم لإقناع حركة حماس بأنهم مبعوثون في مهمة من قبل الاتحاد الأوروبي، لا تحظى بصدقية كبيرة. لا توجد دلائل على أن الأمر يتعلق بعملية تتجاوز جهود أفراد ودول، ليسوا لاعبين رئيسيين في الاتحاد الأوروبي.
•أما بالنسبة لقيادة السلطة الفلسطينية، فلها مصلحة في تضخيم التقارير حول المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، لأن هذه التقارير توفر لها ذريعة مناسبة لمهاجمة حركة حماس. وتسعى السلطة إلى زعزعة مكانة الحركة وسط الجمهور الفلسطيني وحرمانها من مكانتها البطولية بوصفها "مقاومة فلسطينية"، حيث أن قيادتها تجري مفاوضات مع إسرائيل من أجل الحصول على فتات مائدتها، في حين أنها تلتزم بصرامة بوقف إطلاق النار معها.
•وفي الختام، هناك مصلحة إسرائيلية حقيقية في استقرار وقف إطلاق النار مع حركة حماس، فالوضع في قطاع غزة هو بمثابة قنبلة موقوتة ستنفجر عاجلاً أم آجلاً. وتالياً، من المهم أن تعمل إسرائيل على تحسين الوضع. لكن ثمة شك في أن تكون حكومة إسرائيل الحالية قادرة على تغيير مقاربتها الأساسية تجاه حركة حماس، المبنية على إدارة النزاع وليست على محاولة السعي الى حله. وبناء عليه، لا يوجد استعداد للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد - أو "هدنة" بحسب قول الفلسطينيين - مع حركة حماس، ودفع أثمان ذلك. إن محاولة توطيد التفاهمات مع حركة حماس سوف تستمر على ما يبدو، لكن فرص نجاحها ليست واضحة. وينبغي التذكير بأن رفع سقف التوقعات بشأن تحسن جذري للوضع في قطاع غزة هو أيضاً أمر خطير، لأن خيبة الأمل قد تفاقم الأزمة هناك وقد تزيد من احتمال أن تنزلق تداعياتها ومظاهر العنف إلى إسرائيل أيضاً.