تحدّيات وفرص العمل السياسي للعرب في إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف

•كانت معركة الانتخابات الإسرائيلية في آذار/مارس 2015 لافتة لجهة تأثيرها في العمل السياسي للعرب في إسرائيل، فالتصريحات الدارجة على ألسنة سياسيين عرب حول ضرورة التوحد من أجل تحقيق الطاقة الانتخابية الكامنة للناخبين العرب، ترجمت بالفعل إلى واقع عندما خاضت لأول مرة [منذ قيام إسرائيل عام 1948]، قائمة موحدة تمثل ائتلافاً لأحزاب سياسية عربية رئيسية [من عرب 48] الانتخابات البرلمانية. وكان تشكيل "القائمة [العربية] الموحدة" نتيجة مقيدات سياسية داخلية سببها رفع نسبة الحسم [العتبة] الانتخابية المطلوبة بموجب التشريع الجديد لدخول الكنيست. وقد عكس رفع نسبة الحسم شعوراً مسكوتاً عنه في المؤسسة الحاكمة في إسرائيل تجاه الأقلية العربية، يهدف إلى إخراجها من الحلبة السياسية العامة بالتوازي مع محاولة دمجها في الاقتصاد الوطني في إطار جهود الحكومة لزيادة الناتج المحلي الإجمالي.

•كانت مبادرة رفع نسبة الحسم الانتخابية مبنية على افتراض ضمني بأنه سيصعب على الجهات السياسية العربية المعنية تحقيق أي تعاون حقيقي في ما بينها. وقد فازت "القائمة العربية الموحدة" بـ13 مقعداً في الكنيست وغدت ثالث أكبر كتلة فيه. ونجح رئيس القائمة أيمن عودة من "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، في تدعيم مكانته خلال معركة الانتخابات كنجم صاعد وكممثل مفوّه للقضية العربية. ولكن برغم فشل التوقعات التي استبعدت إمكانية توحد الأحزاب العربية، فإن التحسن المرتقب في مكانة العرب في الكنيست لم يتحقق. لقد أمل السياسيون العرب بالعودة إلى وضع كان سائداً إبان ولاية حكومة رابين الثانية (في تسعينيات القرن الماضي)، عندما كان [أعضاء الكنيست] العرب جزءاً من "تكتل معوق" [لمعسكر اليمين وداعم] للحزب الحاكم. وفي الواقع، استمر حاليا إقصاء أعضاء الكنيست العرب سياسياً، وهذا يعزى جزئياً إلى التحولات الاجتماعية العميقة التي شهدتها شرائح السكان اليهود في إسرائيل في العقود الأخيرة.

•لقد وضعت نتائج الانتخابات "القائمة [العربية] الموحدة" في وضع معقد، فمن جهة، على الرغم من توحيد قوائم الأحزاب، لم تتعزز المكانة السياسية لأعضاء الكنيست العرب وبقي تمثيل الأقلية العربية ناقصاً، ومن جهة أخرى التوقعات في الوسط العربي التي أثارها تشكيل "القائمة العربية الموحدة" لم تتبدل، وهي بالتالي تمثل تطوراً مهماً في العمل السياسي للعرب في إسرائيل. وبالفعل، تشكل نتائج انتخابات آذار/مارس 2015 حدثاً فاصلاً ثانياً في الترتيب من حيث أهميته بعد حدث تأسيس أحزاب سياسية عربية وهيئات تمثيلية للجمهور العربي على رأسها "لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل". ولهذا السبب، تطرح الفترة التي أعقبت الانتخابات تحدياً جديداً للعمل السياسي للعرب، مصدره الفجوة بين العجز عن تحقيق أي تغيير ملموس من التغييرات السياسية الرجوّة، والأمل الذي يعقده الجمهور العربي على تمكن القيادة العربية من تحقيق تقدم في مسائل اقتصادية واجتماعية داخلية ملحة.

•إن تفحص الأداء السياسي للقائمة العربية الموحدة منذ الانتخابات يبين أن قادتها يدركون صعوبة الوضع السياسي الناشئ. ويشكل الرد الذي قدمه عودة محاولة أولى لوضع استراتيجيا سياسية جديدة، مبنية على الخطاب الاجتماعي الذي قد يكون قادراً على اختراق السياسة العامة الإسرائيلية في العمق، بوحي من "الربيع العربي" والحراك الاجتماعي في إسرائيل في صيف العام 2011. إن اللجوء إلى الخطاب الاجتماعي مصمم لتمكين عودة من إبراز القاسم المشترك بين القطاع العربي وشرائح المجتمع اليهودي التي تعطي أولوية لجدول الأعمال الاجتماعي، وعلى رأسه مسائل الإسكان، وكلفة المعيشة، وطريقة إدارة الاقتصاد الإسرائيلي. إن استراتيجيا كهذه مصممة لتحقيق تقدم في مواضيع هي في صلب أجندة الجمهور العربي وتشمل قضايا ذات أهمية قومية، بطريقة تسهم في التخفيف من حدة الصدع بين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية.

•وأحد الأمثلة على هذه الاستراتيجيا الخطوة التي أقدم عليها عودة بهدف تشجيع الاعتراف الحكومي بقرى غير معترف بها في صحراء النقب، وتمثلت بمسيرة من النقب إلى مقرّ الرئيس [ريفلين] في مدينة القدس. بيد أنه من الصعوبة بمكان أن نغفل حقيقة أن أول مبادرة سياسية للقائمة الموحدة تتعلق بإحدى المسائل الخلافية بين الحكومة والسكان العرب، نظراً إلى أنه فشلت حتى الآن جميع محاولات تنفيذ مخطط برافر- بيغن (Prawer Plan) الرامي إلى تسوية أوضاع بدو النقب. إلا أن ذلك يبقى خياراً سياسياً مثيراً للاهتمام يظهر عزم عودة على توظيف الخطاب الاجتماعي في خدمة تعزيز أهداف السكان العرب. 

•تبرز الاستراتيجيا الاجتماعية للقائمة الموحدة كمراجعة مهمه للمقاربتين السائدتين في العمل السياسي للعرب في إسرائيل في العقود الأخيرة، واللتين أثبتتا فشلهما في دفع جدول أعمال الجمهور إلى الأمام؛ إحداهما المقاربة القومية للمثقفين العرب وأعضاء بلد "التجمع الوطني الديمقراطي"، وثانيهما المقاربة الدينية بقيادة "الحركة الإسلامية - الفرع الشمالي". كان لهاتين المقاربتين تأثير ملحوظ في كيفية محاولة القيادة العربية تغيير الوضع الإقصائي القائم الذي يميز العلاقات بين الجمهور العربي والمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة والأكثرية اليهودية على حد سواء. فقد وضعت الحركة الدينية مدينة القدس والمسجد الأقصى على رأس قائمة أولوياتها، في حين أن التيار القومي سعى إلى إحداث تغيير في مرتكزات النظام في إسرائيل من خلال طرح وثائق "الرؤية المستقبلية". نظرت المؤسسة الإسرائيلية إلى هاتين المقاربتين بوصفهما تحدياُ يهدد هوية الدولة، ومن هنا جرى تحييدهما بشكل عملي. وحكم بالسجن على الشيخ رائد صلاح زعيم الحركة الإسلامية، للمرة الثانية بتهمة التحريض على العنف في مدينة القدس. ونظراً لعدم استعداد المؤسسة أو الجمهور اليهودي لنقاش وثائق "الرؤية المستقبلية"، بقي المشروع نائماً في الأدراج.

•إن ما يبدو كأولى بشائر استراتيجيا جديدة قد يغدو تغييراً محتملاً في المقاربة من جانب القيادة العربية الجديدة بناء على دروس مستفادة من تجربة الماضي. ومن منظور الحكومة قد يكون هذا الأمر فرصة مهمة لإعادة رسم سياسة المؤسسة تجاه الجمهور العربي، من خلال إطلاق حوار بين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية. ويكمن مفتاح سياسة كهذه في قدرة الحكومة على استخدام الاستراتيجيا الاجتماعية للقائمة الموحدة من أجل جعل محتوى هذا الخطاب متناغماً مع أهدافها المتمثلة في دمج أوسع للعرب في الاقتصاد الوطني. وتتطلب هذه الخطوة مبادرة حكومية لتحديد الأجندة الاجتماعية الخاصة بالأقلية العربية والمسائل التي ينبغي معالجتها. وهناك شرط ضروري لهذه السياسة هو أن ترعى مثل هذه الأجندة تمويل مبادرات ومشاريع هادفة تقلص التمييز الاجتماعي والاقتصادي الذي يمارس ضد الأقلية العربية.

•وفي سبيل تسهيل هذا الإجراء المتبادل - تركيز عربي على الحوار الاجتماعي البناء ومبادرة حكومية لتضييق الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الأكثرية والأقلية - على الحكومة الحالية أن تغير الاتجاه، وينبغي أن يبدأ التغيير بتخفيف حدة التحريض السياسي المعادي للعرب.