لا شيء جديد في سورية حتى الآن
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– "أوراق تل أبيب"، المجلد التاسع، عدد 14
المؤلف

•ساد في الأعوام الأخيرة بالنسبة للحرب الأهلية الدائرة في سورية، اعتقاد أن لا حل يلوح في الأفق لأن نظام بشار الأسد وحلفاءه، وكذلك خصوم النظام العديدون وإن كان يصعب ضبطهم، لا يمتلك أي منهما قدرة الانتصار على الطرف الآخر. وقادت هذه الفرضية إلى استنتاج أن بشار الأسد سوف يواصل الإمساك بوسط الدولة السورية - وهو شريط ضيق من الأراضي يمتد من العاصمة دمشق إلى مدينة حلب والساحل العلوي في الشمال، وربما أيضاً إلى درعا وجبل الدروز في الجنوب. وهناك لازمة رافقت الاستنتاج هي أنه من الصعب أن تنتصر كفة جماعات المتمردين الرئيسية نظراً الى عجزها عن التوحد وإنتاج قيادة عسكرية وسياسية فاعلة.  

ومع ذلك، اعتباراً من صيف 2014، مالت كفة الحرب في سورية الى ناحية المتمردين. وفي الوقت نفسه لا تزال هذه الحرب حرب استنزاف تشهد مئات المعارك المحلية المتفرقة في أرجاء البلاد، بيد أن الأثر التراكمي لإنجازات المتمردين قد يكون له انعكاسات مهمة على الصراع الأشمل على سورية. 

نظام الأسد ينزف وطاقته البشرية المتوفرة آخذة في التقلص، فالجيش العربي السوري منهك وتعب جدا، ومعنوياته منهارة. وبالتالي، اضطر النظام إلى الاعتماد شكل متزايد على الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد والتي لا تزال مستعدة لإرسال أبنائها للقتال والاستشهاد من أجل النظام، وكذلك على 

دعم مقاتلي حزب الله الذين يأتون من لبنان إلى سورية. لكن هاتين المجموعتين لا تكفيان لهزم جماعات المتمردين كافة التي حملت السلاح في وجه النظام.

لقد برهنت الجماعات المتمردة أنها تمتلك الحافز، والعزيمة، والمثابرة، والقدرة على البقاء. وهي تتمتع بدعم السكان المحليين ولا سيما في المناطق الريفية التي تضم تكتلات من القرى السنية. بل أكثر من ذلك، تتعزز هذه الجماعات باستمرار بتدفق مقاتلين إضافيين من داخل سورية وخارجها. كما أنها نجحت في توحيد قواتها، وفي تجميع مئات من الفصائل المتمردة الناشطة على امتداد سورية. وكل المجموعات المتبقية تقريبا ترفع راية الإسلام المتشدد، وكثير منها قد تشكل من بقايا مجموعات متمردة أخرى أقل نجاحا. 

وفي الشرق، قضى تنظيم "داعش" على خصومه وأصبح القوة الوحيدة في المنطقة. أما الأكراد الذين يقودهم حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وجناحه العسكري "وحدات حماية الشعب" (YPG)، فينشطون أساساً في الجيوب الكردية في مناطق شمال شرق البلاد المتاخمة للأراضي التي سيطر عليها تنظيم "داعش". وفي الغرب، تبرز "جبهة النصرة" كقوة أساسية، وهي تظهر براغماتية واستعدادا للتعاون مع جماعات سلفية أخرى من أمثال "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، و"أحرار الشام" بقيادة هاشم الشيخ ("أبو جابر").

كما عزز المتمردون تعاونهم مع كل من تركيا، وقطر، والعربية السعودية. وتقوم هذه الدول الثلاث بتنسيق جهودها التي تشمل تعزيز الدعم المالي واللوجستي لجماعات المتمردين، حتى إنها ساعدت في تدريب بعض المتمردين، لكن مساهمتها الأكبر قد تكون بضغطها على حلفائها السوريين للتعاون مع بعضهم البعض. وانطلاقاً من تصميمها على إسقاط نظام الأسد، سعت هذه الدول السنية المجاورة لإظهار القدر نفسه من التصميم الذي يبديه مؤيدو الأسد: إيران، حزب الله، وروسيا.

•خلال العام المنصرم، سجل المتمردون سلسلة من النجاحات العسكرية التي بدأت تنتج أثرا تراكميا. خرج تنظيم "داعش" من الصحراء فأصبح يسيطر على رقعة واسعة من الأراضي التي تمتد من شمال العراق إلى شرق سورية. وتمركز هذا التنظيم في منطقة الجزيرة (المحافظات السورية التالية: دير الزور، الحسكة، والرقة)، حيث عمل على القضاء على آخر معاقل النظام في المنطقة. وعلى سبيل المثال، تمكن التنظيم من السيطرة على منطقتي الطبقة [مطار عسكري] والبوكمال، واستهدف باستمرار دير الزور والحسكة لكن من دون نجاح. وحاول تنظيم "داعش" التوسع باتجاه مدينة حمص التي تقع على مفترق المحور الذي يربط شمال سورية بجنوبها. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2014، سيطر "داعش" على حقل الشاعر للنفط والغاز الذي يبعد 110 كيلومترات فقط عن مدينة حمص، بعد أن كانت قوات الأسد قد هزمتهم هناك قبل شهرين. وفي أيار/مايو 2015، احتل "داعش" مدينة تدمر الأثرية التي هي بمثابة باب شرقي مؤد إلى وسط سورية والتي تبعد 155 كيلومترا عن مدينة حمص و201 كيلومترا عن مدينة دمشق. وفي مطلع نيسان/أبريل 2015، أصبح لمقاتلي "داعش" موطئ قدم في ريف دمشق في محيط الحجر الأسود ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. وفي جنوب سورية، تقدم تنظيم "داعش" إلى السفح الشرقي لجبل الدروز خلال شهري أيار/مايو-حزيران/يونيو 2015 واقتحم قريتي بئر القصب والقصر. كما استوعب التنظيم في داخله العديد من المجموعات المتمردة العاملة على الحدود السورية - اللبنانية، وفي منطقتي جبال القلمون ومرتفعات الجولان.

•وفي جنوب سورية، حققت "جبهة النصرة" ومعها حلفاؤها أكبر المكاسب. وتسيطر هذه الجماعات على عدد من القرى القريبة من مدينتي درعا والقنيطرة، وقرى في ريف دمشق كذلك. كما تسيطر على المنطقة المجاورة لمرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، بما فيها مدينة القنيطرة التي استولت عليها في شهر آب/أغسطس 2014.  كما سيطر المتمردون على معبر النصيب الحدودي مع الأردن في نيسان/أبريل 2015. 

•وفي الشمال، استولى المتمردون على معظم منطقة شمال غرب سورية، وأهمها محافظة إدلب. وفي شهري آذار/مارس-نيسان/أبريل 2015، استولى المتمردون على مدينة إدلب عاصمة المحافظة ثم على مدينتي جسر الشغور وأريحا الواقعتين على الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب، ومن إدلب إلى اللاذقية وإلى الساحل السوري الذي هو في صلب منطقة الأقلية العلوية. 

ومن بين أبرز إنجازات المتمردين، لوحظت القدرة على تهديد قبضة النظام على مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سورية، وعلى منطقة الساحل العلوية.

•على ضوء هذه الإنجازات للمتمردين، هناك شكوك قوية ناشئة في سورية حول قدرة نظام الأسد على البقاء لفترة أطول. وهناك شعور بأن بشار الأسد يواجه بشكل متزايد الفصائل المتمردة صفر اليدين وبأنه يفتقر الأدوات اللازمة للرد بفاعلية.

•من جهته، ركز النظام جهوده في الحفاظ على قاعدته في وسط البلد – مدينة دمشق والشريط الضيق الممتد شمالي مدينتي حمص وحماه باتجاه الساحل، وباتجاه مدينة حلب. وخلال فصل الربيع الماضي، طلب النظام العون من حزب الله بهدف تمتين سيطرته على طول الحدود اللبنانية-السورية (جبل القلمون)؛ المشارف الغربية لمدينة دمشق (الغوطة الغربية)؛ ومدينة الزبداني الواقعة بينهما على الطريق المؤدية شمالا إلى مدينتي حمص وحماة، وغربا إلى مدينة بيروت. وربح النظام بمساعدة حزب الله معارك رئيسية إبان القتال في هذه المناطق، الأمر الذي رفع الروح المعنوية للفريقين وربط مصيرهما المشترك أكثر من أي وقت مضى.

•ارتكز النظام السوري تاريخيا على ائتلاف واسع من الأقليات، علما بأن الطائفة العلوية كانت الأبرز من بينها. لكن إلى جانب الأقليات، كان هناك مسلمون سنة من القرى في الأرياف. وفي العام 2011، انتفض القطاع الريفي السني الذي يشكل ثلث عدد السكان، من ضمن حركة احتجاج اجتماعية تحولت لاحقا إلى حرب أهلية دموية وإلى جهاد، مما أدى إلى انهيار الائتلاف الحاكم. 

تعتمد الحرب على قطاعات واسعة من الجمهور السني الحضري المقيم في مدن كبرى (يشكل المسلمون السنة نحو 60% من مجموع عدد السكان في سورية)، بيد أن الجمهور السني الحضري النموذجي في سورية وبالتأكيد الطبقتان المتوسطة والعليا، لا يشاركون في القتال. ويخشى سكان المناطق الحضرية الذين يقابلون بالاحتقار من قبل سكان المناطق الريفية، الإسلام المتشدد الذي أضحى القوة الدافعة للانتفاضة السورية، والذي يهدد النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي القائم في البلاد. إن النظام هو بقيادة الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، لكن قاعدته مكونة من سكان المدن المسلمين السنة الذين كانوا ولا يزالون علمانيين وقوميين بشكل أساسي. ويعني التعاون مع نظام بشار الأسد بالنسبة لمواطني المدن السورية الكبرى، العمل في مؤسسات حكومية وليس التجند للقتال دفاعا عن النظام ضد تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة".

•إن المكونات الأخرى للائتلاف السوري الحاكم السابق متفرقة. هاجر المسيحيون بكثافة. والأكراد محصورون في كانتوناتهم في شمال البلاد ويستغلون الحرب الأهلية لإقامة حكم ذاتي هناك. وحتى الدروز يخططون للدفاع عن بيوتهم في جبل الدروز وبدأوا ينأون بأنفسهم عن النظام. وإزاء هذا المأزق، لا خيار أمام بشار الأسد سوى الاعتماد على العلويين. غير أن تجنيد العلويين، فضلا عن بضع آلاف من المقاتلين العراقيين والأفغان، وحتى بضع آلاف مقاتلي حزب الله، لا يمكنه أن يرجح كفة ميزان القوى. وعلى النقيض من ذلك، تستند المعارضة إلى احتياطي من المقاتلين يبدو أنه لا ينضب. وفي حين لا يزال المتطوعون الأجانب يتدفقون على سورية بالمئات في كل شهر، تتكون القوى البشرية المتمردة أساسا من سكان سوريين محليين.

•لكن النظام لم يتقوّض حتى الآن. وعلى الرغم من الضربات التي استوعبها، فهو لا يزال واقفاً على قدميه مترنّحاً، ولكنه قادر على الحفاظ على تماسك النظام الحاكم، والأجهزة العسكرية والأمنية. وهو لا يزال يتمتع بدعم قطاعات معينة من السكان. كما أنه لا يزال يسيطر على ما هو ضروري لسير عمل الكيان السياسي، أي على دمشق والمدن الكبرى والساحل، ومهمة الدفاع عن منطقة سيطرته أسهل بكثير من الحفاظ على الحكم الفاعل في كافة أرجاء البلاد.

لكن المتمردين أصبحوا على أبواب دمشق وعلى أبواب درعا وحمص وحلب كذلك. إن تضاؤل موارد النظام ونقص القوى البشرية لديه يطرحان سؤالاً: إلى متى سيتمكن نظام بشار الأسد من الصمود؟ 

•يحتاج النظام إلى تحول خارق في ساحة القتال، وهو الأمر الذي يبدو غير محتمل نظرا الى التماسك الذي يظهره المتمردون، فضلاً عن مستوى الدعم الذي يتلقونه من جهات فاعلة إقليمية ودولية على اختلافها. لكن مواقف كل من الولايات المتحدة، والعربية السعودية، وتركيا، تشهد تبدلاً على ما يبدو. فقد التقى السعوديون موفدين من روسيا وإيران، بهدف التوصل الى حل سلمي للحرب السورية (من دون تنازل بشار الأسد عن السلطة كشرط مسبق). وفي أعقاب الاتفاق النووي بين مجموعة دول الخمسة + واحد وإيران، هناك إشارات الى محاولة تعاون بين الولايات المتحدة وإيران بالنسبة لمحاربة "داعش" في العراق. ومع ذلك، فإن للحرب في سورية ديناميكيتها الخاصة.

وفي هذا السياق، ينبغي تذكر تأرجح تقييمات فرص بقاء بشار الأسد في الحكم. ففي مطلع الثورة السورية كان الاعتقاد الشائع هو أن أيام بشار الأسد معدودة. وسرعان ما حل محل هذا التقييم القول بأن بشار الأسد سيكون الرجل الأخير الصامد وسيخرج منتصرا بهذه الطريقة أو تلك حتى لو كان الثمن هو الدولة السورية نفسها. ثم كان الافتراض الشائع بأن الحرب في سورية هي حرب من دون حل وسوف تدوم لسنوات، سنوات عديدة. أما اليوم، فإن نظام بشار الأسد ينزف ويمكن أن يواصل النزيف حتى الموت. لكن من المستصوب الانتظار لكي نرى من سيكون صاحب الحظ السعيد في الأشهر القريبة. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1 يتعلق الأمر في المقام الأول بالمجموعات الجهادية التي خطفت الثورة، وأيضاً بالجماهير السورية نفسها التي انتفضت ضد النظام عام 2011 والتي قادت النضال ضد نظام الأسد، فضلا عن مجموعات المعارضة في القرى السورية والأرياف.

  2 هذا يشمل خط الاتصالات الاستراتيجي على الجانب السوري للحدود، والذي يبدأ من تل الحارة الاستراتيجي المطل على منطقة سهل حوران.

 

 رسم بياني رقم (1)

مناطق سيطرة تنظيم "داعش" وحملاته المتوقعة في وسط سورية - أيار/مايو 2015

 

المصدر: معهد دراسة الحرب (Institute for the Study of War)

 

 

  رسم بياني رقم (2)

حملة "جبهة النصرة" وجماعات المتمردين في جنوب سورية حزيران/يونيو 2014- حزيران/يونيو 2015

المصدر: معهد دراسة الحرب (Institute for the Study of War)

 

 

 

المزيد ضمن العدد 2194