•قبل الحسم في الكونغرس يوظف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية جهوداً كبيرة في عرض الجوانب الايجابية للاتفاق النووي مع إيران. ومن أبرز هذه الجهود خطاب الرئيس أوباما، يضاف إليه المقابلات الكثيرة له ولوزير خارجيته التي جرى خلالها التركيز على حجج صحيحة، مثل التشديد على أنه خلال السنوات المقبلة سوف تُفرض قيود كبيرة على البرنامج النووي ستعيده إلى الوراء، إلى جانب التركيز على حجج خطأ ومضللة تعرض جزءاً من الصورة فقط أو تحورها.
•لقد انبرى أوباما وكيري للذين "يعيشون في الأوهام" ويدّعون أنه كان في الإمكان التوصل إلى اتفاق أفضل متجاهلين أن الإيرانيين لن يوافقوا على تنازل مطلق عن سيادتهم. لكن الإدارة الأميركية نفسها اعتقدت حتى مراحل متقدمة من المحادثات، أن في الإمكان التوصل إلى اتفاق أفضل بكثير، ولذا طالبت بأن يتضمن الاتفاق فرض قيود على برنامج الصواريخ الإيرانية الكبير، لأنها ستكون الأداة الأساسية لإطلاق القنبلة النووية إذا قررت ذلك. لكن الإيرانيين رفضوا ذلك بصرامة والأميركيون تراجعوا.
•كما طالب الأميركيون بأن تستجيب إيران لمطالب الوكالة الدولية للطاقة النووية وتقدم معلومات تتعلق بنشاطها العسكري ضمن إطار البرنامج النووي. لكن الإيرانيين رفضوا والأميركيون تنازلوا مرة أخرى بحجة أنهم، كما قال كيري، سبق أن حصلوا على "معلومات كاملة" عن هذه النشاط. وقد رد رئيس جهاز السي آي إي السابق مايكل هايدن على ذلك بأنه لا يعرف ضابطاً استخباراتياً واحداً يقول إنه جرى الحصول على معلومات كاملة عن البعد العسكري للبرنامج النووي الإيراني.
•لقد ادعى أوباما أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تعارض الاتفاق. وهذا الادعاء صحيح، لكنه لا يعني أن إسرائيل ليست على حق. فقد كانت إسرائيل أول من شعر بالمخاطر التي ينطوي عليها البرنامج النووي العراقي، ولهذا هاجمت المفاعل العراقي سنة 1981. يومها أدانت الإدارة الأميركية وحكومات أخرى الهجوم، وحتى أقدمت الإدارة على تعليق شحنات طائرات حربية لإسرائيل. لكن بعد سنوات اعترف مسؤولون أميركيون كبار بأن الهجوم كان مبرراً وساعد الولايات المتحدة في حروب الخليج. علاوة على ذلك، فإسرائيل ليست وحدها، فأغلبية أعضاء الكونغرس وكثيرون من وسط الخبراء في الولايات المتحدة يتحفظون من الاتفاق.
•لقد حاول أوباما تهدئة المخاوف بالقول إن رفع أغلبية القيود عن برنامج إيران النووي بعد مرور 10-15 عاماً من توقيع الاتفاق لن يخلق مشكلة. وفي الواقع، فإن رفع القيود مسألة من الصعب شرحها إعلامياً، لذا تحاول الإدارة التقليل من شأن أنه بعد مرور فترة من الزمن سيكون متاحاً لإيران تطوير برنامج واسع النطاق لتخصيب اليورانيوم، ومراكمة مخزون غير محدود من اليوارنيوم المخصب.
•لقد أقر أوباما بأن إيران في مثل هذا الوضع تستطيع الاندفاع مباشرة نحو سلاح نووي، لكنه ادّعى أن الإدارة ستكون حينها على علم بكل شيء عن البرنامج النووي وسوف تكبح هذه الاندفاعة. ولا تشرح الإدارة ماذا سيجري إذا لم تعرف في الوقت الملائم ماذا يفعل الإيرانيون ولم تكبح الاندفاعة. لقد أضاف كيري أن الوضع الذي سينشأ حينئذ هو الموجود فعلاً اليوم، وأنه بفضل القيود تأجل سنوات. لكن كيري تجاهل مسألة أن التوسع الكبير لبرنامج إيران النووي مستقبلاً سيحدث بموافقة دولية، وأن حجم البرنامج سيجعل من الصعب متابعته.
•لقد قال أوباما إن إيران ستبقى قوة إقليمية عظمى، وهي تواجه تحديات، وهو بذلك أراد الرد على الانتقادات بأن الاتفاق لا يحاول الحد من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة. لم يقل أحد إن إيران تحاول السيطرة على العالم، لكن التخوف هو من تعزيز نفوذها في سورية والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان، مما يهدد مصالح أميركا وحلفائها. كما قال كيري إن وزير الخارجية الإيرانية ظريف تعهد بمناقشة المشكلات الإقليمية إذا أُقر الاتفاق. لكن ظريف ليس هو الشخصية المقررة في إيران، وفي هذه الأثناء أعلن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي أن إيران ستواصل دعمها لأصدقائها في اليمن وسورية والعراق، وللشعب في البحرين وللمقاتلين في لبنان وفلسطين.
•يدل استخدام الإدارة الأميركية لهذه الحجج الجوفاء على أن كبار المسؤولين فيها يعرفون ثغرات الاتفاق، ولكنهم لا يملكون رداً قاطعاً على الانتقادات. كما يدل أيضاً على أن الإدارة ليست متأكدة من أنها ستنتصر في معركة الحسم في الكونغرس.