•بعد سنوات من المفاوضات، وقع بالأمس "اتفاق فيينا" بين الدول الكبرى الست [مجموعة الدول 5+1] وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، وواضح من تفاصيله أنه اتفاق إشكالي للغاية يتضمن مخاطر عديدة على إسرائيل يجب الاستعداد لمواجهتها. ومع ذلك، فإن تشبيهه باتفاق ميونيخ [مع ألمانيا النازية] مبالغ فيه.
•في ما يتعلق بالجوانب غير النووية، يشكل الاتفاق تحدّياً كبيراً لأمن إسرائيل القومي لكون رفع العقوبات سيضخ لإيران فوراً نحو 100 مليار دولار، وأضعاف ذلك على مدى العقد القريب المقبل. وبرغم أن فرض حظر على بيع السلاح لإيران سيستمر خلال السنوات الخمس القريبة المقبلة، فإن هذه الأموال ستكون بمثابة سند جدي لتطلعات إيران للهيمنة الإقليمية وتعظيم قوتها العسكرية وممارساتها العدوانية والتآمرية في منطقة الشرق الأوسط. وليس من المبالغ فيه القول إن جزءاً صغيراً من هذا المبلغ يكفي كي تزداد بثلاثة أضعاف الميزانية السنوية الممنوحة لمنظمات إرهابية مثل الجهاد الإسلامي وحزب الله و"حماس". في المقابل، فإن الجيش وجهاز الأمن في إسرائيل موجودان أيضاً في عملية تعاظم مستمرة وسيعملان كسور منيع في مواجهة مساعي إيران للهيمنة.
•في الجانب النووي ينطوي الاتفاق على عدد من الإنجازات بالنسبة لإسرائيل، حيث إنه يبعد البرنامج النووي الإيراني مسافة سنة من [إنتاج] القنبلة النووية ويقلصه ويفرض عليه نظام رقابة أعمق بكثير من النظام المعمول به حالياً، بما في ذلك الدخول إلى المنشآت العسكرية. ومع ذلك، فإنه لا يقدّم حلاً بعيد المدى لكبح تطلعات إيران النووية، ويمنحها أيضاً شرعية من شأنها أن تشجع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط برمته.
•ثمة سيناريوات ثلاثة أساسية متوقعة في غضون السنوات القريبة المقبلة.
•السيناريو الأول - وهو المتفائل بينها - أن تتغير إيران من الداخل حتى نهاية فترة الاتفاق وتصبح بالتدريج دولة أقل تطرفاً. وهذه العملية يمكن أن تحدث بصورة طبيعية من خلال دخول الجيل الشاب للقيادة وموت المتطرفين المتشددين مثل آية الله خامنئي وإدخال إصلاحات تدريجية على طبيعة النظام. وللأسف الشديد، فإن احتمالات تحقق هذا السيناريو متدنية جداً.
•السيناريو الثاني هو أن تحاول إيران بعد بضع سنوات اقتحام عملية إنتاج سلاح نووي وانتهاك التعهدات التي قطعتها على نفسها كما فعلت كوريا الشمالية سنة 2003. ويمكن القول إنه في حال قيام إيران في أي نقطة زمنية في المستقبل بإجراء حساب يتبين لها منه أن الربح من إقدامها على خطوة كهذه سيزيد على الكلفة المتوقعة من ردة فعل الغرب، فلا شك في أنها ستختار إنتاج القنبلة النووية.
إن احتمالات تحقق هذا السيناريو متدنية هي أيضاً، لكنه سيناريو وارد، الأمر الذي يستلزم من إسرائيل والغرب الاحتفاظ بقدرة عسكرية ذات صدقية لصد أي محاولة اقتحام نحو القنبلة بالقوة تقوم بها طهران.
•السيناريو الثالث هو أن تنفذ إيران الاتفاق، وهو السيناريو الأكثر معقولية لكنه الأشد خطراً. في هذا السيناريو ستسير إيران في الطريق الآمن وتنتظر 10 - 15 سنة إلى أن يتم رفع القيود تدريجياً عن قدرة وحجم التخصيب النووي لديها. وستستغل هذه السنوات كي تعزّز قدراتها التكنولوجية وخبراتها في مجالات إنتاج السلاح النووي، وهكذا تقصّر الزمن الذي تحتاج إليه في نهاية الاتفاق كي تنطلق بسرعة نحو القنبلة.
إن صيغة الاتفاق الحالي تسمح بجمع مزيد من المعلومات المهمة حول البرنامج النووي الإيراني في العقد المقبل، وتعطي إسرائيل مهلة للاستعداد وتطوير قدرات يمكنها أن تشل هذا البرنامج وقت الضرورة.
•يتعين علينا أن نستعد لمواجهة السيناريوين الإشكاليين اللذين تعتبر احتمالاتهما المتداخلة عالية جداً. إذا انتهكت إيران الاتفاق بصورة فظة، فعلينا الوصول إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة تقضي بأن من واجب القوى الكبرى فرض الاتفاق بالقوة. وعلينا أن ندرج هذه التفاهمات ضمن اتفاق جانبي مع الأميركيين الذين لا يزالون ملتزمين بألا تكون لإيران قنبلة نووية.
وإذا نفذت إيران الاتفاق وتمكنت في ظله من تقصير زمن انطلاقها نحو القنبلة، فعلينا أن نضمن أن نستغل الزمن الذي يمر على نحو أفضل، وأن تكون في حيازة إسرائيل في أي نقطة زمنية القدرة على منع انطلاق طهران نحو القنبلة.
•مهما يكن السيناريو الذي سيتحقّق، فمن المهم أن نتذكر أن السنة ليست 1938 بل 2015. ولليهود الآن دولة خاصة بهم وجيش قوي جداً. إن المطلوب [من إسرائيل] الآن الاستعداد للمخاطر النابعة من الاتفاق من خلال التفاهم والتنسيق مع حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.