دلالات تشكيل ذراع "السايبر" في الجيش الإسرائيلي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•أعلن ناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في 15 حزيران/يونيو 2015، أنه في ضوء التحديات الجوهرية التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في مجال "السايبر"، قرر رئيس هيئة الأركان العامة [الجنرال غادي أيزنكوت] إنشاء ذراع "سايبر" لتولي قيادة مجمل النشاط العملياتي في هذا الميدان. وتقرر تشكيل ذراع "السايبر" خلال عامين على أن يجري تنفيذ إقامتها في مرحلة أولى وبالتوازي في شعبة الاستخبارات العسكرية وفي شعبة التنصت. وقد اتخذ قرار إقامة ذراع "سايبر" جديدة بناء على توصيات طاقم خاص برئاسة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية [الجنرال هرتسي ليفي]، شكله رئيس هيئة الأركان العامة فور توليه منصبه بهدف درس كيف يمكن زيادة الفاعلية العملياتية في هذا الميدان. ونقلاً عن الموقع الإلكتروني للجيش الإسرائيلي، أشار رئيس الأركان إلى أن "إنشاء هذه الذراع سيسمح للجيش الإسرائيلي بالعمل بشكل أفضل بكثير على جبهات.. السايبر [الحرب الإلكترونية]، وسوف يترجم التفوق التكنولوجي والبشري القائم حالياً في إسرائيل".

•إن إعادة التنظيم الجديدة لا تشكل مفاجأة، فهي تعكس إدراكاً متزايداً لدى الجيش الإسرائيلي، بأن لمجال "السايبر" أهمية كبيرة في مجمل النشاط العسكري، على المستويين الدفاعي والهجومي، وبأن إعادة تنظيمه على مستوى هيئة الأركان العامة، والمستويات الخاضعة لها، كانت مطلوبة منذ مدة، علماً بأنه في الأعوام الأخيرة، توزع العمل في هذا المجال بين شعبة التنصت التي أخذت على عاتقها البعد الدفاعي، وشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") بواسطة "الوحدة 8200"، التي ركزت على جمع المعلومات وعلى البعد الهجومي. لكن تبين أن هيكلية الرأسين غير ملائمة لاستمرار ديناميكية بناء القوة العسكرية وتفعيلها في مجال يتطلب تفكيراً وتخطيطاً طويلي الأمد، وتنفيذاً متزامناً مع مستويات من الدقة والسرعة والخيال، مرتفعة بنوع خاص.

•ومن هنا جاء التصميم المبدئي، بأنه على الجيش الإسرائيلي أن يدفع باتجاه إنشاء وتدعيم منظومة "سايبر" متكاملة ومتماسكة، قادرة على أن تكافح داخل المؤسسة العسكرية من أجل الحصول على مخصصات من ميزانية الدفاع وعلى قوة بشرية عالية الكفاءة، على نحو يضمن تطوير المنظومة على الأمد الطويل، وبشكل يتناسب مع الاحتياجات ومع سقف الفرص التكنولوجية المتاحة في عالم "السايبر".

•ويواجه الذين يحددون السياسة العامة في الجيش الإسرائيلي عدداً من التحديات المرتبطة بعملية الترتيب التنظيمية لمنظومة "السايبر"، وهم أمام عدة خيارات:

أ- في الممارسة العملية، تقرر أن ينتظم عمل منظومة "السايبر" الخاصة بالجيش الإسرائيلي ضمن إطار "ذراع". وتبعاً لذلك، سيتم إنشاء قيادة مركزية موحدة لبناء القوة العسكرية وتفعيلها [تنفيذ المهمات العملياتية]، خاضعة مباشرة لرئيس هيئة الأركان العامة. ويتشكل الجيش الإسرائيلي حالياً من أربعة "أذرع" مختلفة بكل منها مهماتها الخاصة: سلاح الجو، سلاح البحر، سلاح الاستخبارات، والقوات البرية. إن قيادة الأذرع الثلاث الأولى مسؤولة عن بناء القوة والانتشار العملياتي لقواتها. وفي المقابل، فإن قيادة القوات البرية مسؤولة فقط عن بناء القوة. ويبدو أن ذراع "السايبر" التي ستنشأ سوف تكون مسؤولة عن بناء القوة وتفعيلها.

ب- في الوقت الحالي، هناك هيئتان في الجيش الإسرائيلي شريكتان في بناء القوة السبرانية وتفعيلها: شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، وشعبة التنصت. إن المسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتق شعبة الاستخبارات العسكرية لجهة المحافظة على قدراتها وتطويرها في المهام التقليدية - جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها، وتفعيل المنظومة الاستخباراتية العسكرية والاستراتيجية - تجعل من الصعب توسيع رقعة نشاطها. وهناك من يقول إن إضافة مجال "السايبر" المتنامي إلى شعبة الاستخبارات، سيكون مهمة ثقيلة من شأنها أن تضر بقدرتها على أداء مهامها - سواء التقليدية أم الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أن التقسيم الوظيفي بين تفعيل البعد الهجومي وتفعيل البعد الدفاعي لم يساعد في استغلال الطاقة الكامنة في كليهما. 

ج- إن إنشاء ذراع "السايبر" يتطلب تأسيس وتمتين الروابط الضرورية بين منظومة جمع المعلومات الاستخباراتية والهجوم من جهة، والذراع الجديدة من جهة ثانية. إن روابط قوية كهذه موجودة منذ الآن في العلاقة القائمة بين عناصر جمع المعلومات والهجوم ومنظومة الدفاع على جبهة السايبر. وبناء على دروس الماضي فهناك مجال لتعزيز هذا الترابط. والشرط الضروري للاستفادة المتكاملة من مجموعة القدرات هو تعاون وثيق ومتبادل و[تبادل معلومات] فوري. 

د- إن مركزة المسؤولية الشاملة عن مجال "السايبر" على مستوى هيئة الأركان العامة في الذراع الجديدة يتطلب ترتيباً تنظيمياً ومهنياً لتكوين التفعيل بناء على خطة العمل المقرّة حتى بالنسبة لمنظومات جمع المعلومات والهجوم التي ستواصل العمل داخل شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") بصيغة "مقاولي تنفيذ". ونذكر بأنه حتى في المجالات التقليدية، درجت"أمان" على تزويد عناصر القوى الأخرى (سلاح الجو، سلاح البحر، القوات البرية، وجهات من خارج الجيش الإسرائيلي كذلك) بمعلومات استخباراتية من مصادرها. وهذا الأمر يتم بشكل متبادل من قبل منصات جمع معلومات مثل التي يستخدمها سلاح الجو بنجاح كبير. وتبعاً لذلك، يمكن بناء وتطوير علاقات عمل دائرية من هذا القبيل مع شعبة التنصت كذلك.

هـ- هناك أمر إلزامي رئيسي وضروري لتنفيذ قرار إقامة ذراع "السايبر" في الجيش الإسرائيلي، وهو تحقيق الحد الأقصى من التعاون العملاني بين الذراع الجديدة وسائر عناصر القوة في الجيش الإسرائيلي. قد يبدو هذا الأمر الإلزامي بديهياً، بيد أن تحقيقه في الممارسة العملية، في ظل ظروف منظومة جديدة نسبياً، وعاملة في مجال ابتكاري وغير مألوف كثيراً في الجيش الإسرائيلي، يتطلب بذل مجهود كبير وطويل الأمد.

و- من المهم فحص مسألة التبعية التنظيمية لمنظومة "السايبر" الجديدة – ليس فقط على مستوى هيئة الأركان العامة والمستوى الاستراتيجي، وإنما أيضاً على المستويين العملاني والتكتيكي. وينبغي افتراض أن ذراع "السايبر" سوف تجد في نهاية المطاف قنوات مهمة لتفعيل وحدات ميدانية في المجال الدفاعي وفي المجال الهجومي - أساساً، في مواجهة منظومات القيادة والتحكم الآخذة بالتطور التي يمتلكها الخصم، ومنظومات عملياتية أخرى يمكن مهاجمتها بواسطة أدوات "السايبر".

ز- نذكر بأن الجيش الإسرائيلي ليس الجهة الوحيدة التي تنشط في فضاء "السايبر"، إذ تعمل أيضاً في هذه البيئة هيئات مدنية عديدة ومهمة ("هيئة أركان السايبر القومية"، "الهيئة العامة للسايبر")، فضلاً عن جهات أمنية (جهاز الأمن العام - "الشاباك"، وجهاز الموساد). وجميع هذه الهيئات ملزمة بإقامة روابط تنظيمية وعملانية مباشرة مع الجيش الإسرائيلي الذي يناط به بناء قدراته، بشكل مستقل عنها، وبالتعاون معها. وتبرهن تجربة الماضي على أن هذه المهمة ليست بسيطة على الإطلاق.

•في الختام، من الضروري أن نحرص على أن تسهم القرارات المتخذة بشأن مواصفات ذراع "السايبر" وبشأن روابطها مع عناصر قوة أخرى في الجيش الإسرائيلي، مباشرة في تحسين متواصل لقدرات المنظومة ككل، اذ تنتظرها تحديات كثيرة. ومن بين تلك التحديات هناك أهمية خاصة لإدماج قدرات التخطيط والتنفيذ على مختلف المستويات، إلى جانب مرونة في تفعيل القوة الدفاعية والهجومية على نحو يسمح باستخراج الطاقة العالية الكامنة في مجال "السايبر". 

•من شأن منظومة "سايبر" متطورة ومرنة وفعالة ومبتكرة، أن توسع نطاق القدرات الأمنية لدولة إسرائيل، شرط أن ترتكز على عقيدة محدثة تشكل جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الأمن القومي الشامل.