صراع على النفوذ وتنافس اقتصادي: المصالح الخفية للدول المشاركة في المفاوضات النووية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•في المفاوضات النووية المستمرة في فيينا والتي جرى تمديدها مرة أخرى لفترة غير محددة، تبدو مصالح الطرفين الأساسيين، الولايات المتحدة وإيران، واضحة ومعروفة. فقد وضعت إدارة أوباما هدفاً لها هو حل الأزمة النووية الإيرانية وإنهاء النزاع المستمر بين الدولتين منذ الثورة الإسلامية سنة 1979، على أمل أن تتحول إيران إلى حليف إقليمي للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم "داعش"، وتشكل ثقلاً مضاداً لدول الخليج السنية. أما إيران فهي معنية بالمحافظة على أكبر قدر ممكن من برنامجها النووي (ومن كرامتها)، لكنها في المقابل ترغب في انهاء عزلتها الدولية الطويلة، وبصورة خاصة في رفع العقوبات التي تشل اقتصادها الذي يعتمد على النفط.

•إنما تشارك في المحادثات مجموعة من الدول والمنظمات الدولية ذات النفوذ الكبير، ولكن ليس لديها كلها أجندة ومصالح متشابهة. من الملاحظ أن قرار تمديد المحادثات اتُخذ بعد اجتماعين عقدهما وزراء الخارجية من دون مشاركة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وهذا دليل على وجود خلافات في الرأي بين الدول العظمى تمنعها من بلورة اتفاق نووي متفق عليه من جانب المجتمع الدولي والإيرانيين، مما يجعل من الأصعب بلورة الاتفاق.

•تعتبر روسيا اليوم الحليف الأقرب من إيران على الساحة الدولية. وقد حاول الروس كبح جزء كبير من مبادرات فرض العقوبات الدولية على إيران، وهم يقفون اليوم موقفاً متساهلاً إزاء إيران. وللروس والإيرانيين مصالح مشتركة في الشرق الأوسط، وخاصة في الدفاع عن نظام بشار الأسد في سورية الذي يستضيف قواعد بحرية روسية. إلى جانب ذلك، فإن الرئيس الروسي بوتين يريد أن يظهر من خلال دعمه إيران أن روسيا بزعامته تشكل مركز قوة بديلة للهيمنة الأميركية المستمرة منذ تفكك الاتحاد السوفياتي. 

•وفي مقابل روسيا يوجد الفرنسيون الذين يقفون في المحادثات موقفاً مناقضاً للموقف الروسي ويتسببون في كل مرة بتمديد المفاوضات بسبب إصرارهم على تشديد الشروط على إيران. وفي الواقع، فإن عداء فرنسا وشكّها حيال إيران ناجمان عن النزاعات الاقتصادية التي انزلقت إلى هجمات إرهابية (بحسب شكوك باريس) بعد الثورة الإسلامية، كما تعود أيضاً إلى الحلف العميق والطويل بين الفرنسيين وأطراف في الشرق الأوسط معارضة لإيران - مثل دول الخليج السنية، والمجتمع السني والمسيحي في لبنان المعارض لسورية وحزب الله. وأكثر من مرة خلال المفاوضات قام الفرنسيون بكبح الاستعداد الأميركي لتقديم تنازلات لإيران.

•مقابل هؤلاء يقف الصينيون الذين بسبب بعدهم النسبي عن الشرق الأوسط وبعدهم عن الأضواء على الساحة الدبلوماسية الدولية، فإن دورهم هو الأصغر بين المشاركين في المحادثات. ويعتبر الصينيون عامة من المؤيدين تلقائياً للموقف الروسي الداعم للإيرانيين. لكن على الرغم من ذلك، يصر وزير الخارجية الصيني على المشاركة في المراحل الحاسمة قبل الاتفاق المؤقت، وقبل الاتفاق الحاسم كي يؤكد إصرار بلاده على لعب دور أساسي في لعبة الدول العظمى. في هذه الأثناء تعمل الصين على تعميق تدخلها في الشرق الأوسط من خلال شراء النفط من دول الخليج والاستثمار في التكنولوجيا الإسرائيلية، وهما موضوعان يثيران تخوفاً كبيراً من الاتفاق مع الإيرانيين. وحتى الآن، فإن الضغوط من جانب إسرائيل والسعودية لم تنجح في تفكيك التحالف الروسي - الصيني، وليس من المتوقع حدوث ذلك في المستقبل القريب. وإلى جانب ذلك ثمة اهتمام كبير من جانب الصينيين بالعودة الكاملة لإيران كمنتج ومصدر للنفط.

•وتعود المكانة الخاصة التي تحتلها ألمانيا في المحادثات النووية، وهي الدولة الوحيدة المشاركة على الرغم من كونها ليست عضواً في مجلس الأمن، إلى أهمية المكانة التي تحتلها ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، وإلى حقيقة أنها من الدول القليلة في العالم التي تحظى بثقة كل من طهران والقدس. فمن جهة هناك تعاون أمني وثيق بين برلين وإسرائيل يتضح من خلال تزويد  إسرائيل بالغواصات والسفن الصاروخية في المستقبل (التي تمول الحكومة الفيدرالية نحو ثلث كلفة بنائها)؛ ومن جهة أخرى تواصل برلين تحسين علاقاتها التجارية والاستخباراتية مع الإيرانيين (امتنعت إسرائيل علناً عن الاحتجاج على ذلك). وتسمح هذه المكانة للحكومة الألمانية بلعب دور الوسيط ونقل الرسائل خلال تأزم المحادثات.

•ومن بين جميع الدول المشاركة فإن دور بريطانيا هو الأصغر اليوم، إذ يركز رئيس الحكومة البريطانية جهوده في الوقت الحالي على مسألة واحدة هي تحسين ظروف عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قبيل الاستفتاء العام المنتظر بشأن استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد. ونتيجة لذلك، فإن وزير الخارجية فيليب هاموند (الذي تعتبره القدس من كبار المؤيدين لإسرائيل)، يقلل من الإعراب عن مواقف مستقلة كي لا يتسبب بتوترات لا فائدة منها مع أي طرف يمكن أن يساعده في الموضوع الأوروبي. ووصف موظف بريطاني كبير سياسة بلاده في المحادثات النووية بأنها "موافقة تلقائية على كل ما يقوله الأميركيون والألمان".

•في الجولات السابقة للمحادثات التي انتهت بتوقيع اتفاق مؤقت في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، لعبت الوزيرة السابقة للاتحاد الأوروبي كاترين أشتون، دوراً مهماً على الرغم من افتقارها للخبرة الدبلوماسية، وقد حظيت بالكثير من الثناء على الطريقة التي نجحت فيها في تقريب الطرفين. أما فديريكا موغيريني الإيطالية التي حلت محلها، فهي لا تقوم بدور أساسي في المراحل الحاسمة انطلاقاً من فكرة أن الأميركيين ليسوا بحاجة إلى وسطاء مع الإيرانيين، وبسبب الأزمات التي يمر بها الاتحاد الأوروبي والتي تضعف مكانة مندوبته. 

•إلى جانب الاتحاد الأوروبي، يشارك في المحادثات النووية طرف آخر ليس دولة ذات سيادة هو الوكالة الدولية للطاقة النووية، وهي هيئة مستقلة تابعة للأمم المتحدة ومهنية وتحظى باحترام كبير ولا سيما في عهد الأمين العام الحالي يوكيا أمانو. وفي السنوات الأخيرة ازداد التعاون السري والعلني بين الوكالة الدولية وإسرائيل برغم المعارضة الإسرائيلية للاتفاق النووي مع إيرن. وكلما أصبحت الوكالة الدولية أكثر تدخلاً، أصبحت إسرائيل أكثر ثقة بأن المنشآت النووية الإيرانية ستخضع لرقابة جدية. 

 

•إن الوكالة الدولية هي الرابح الأكبر من توقيع الاتفاق لأنها ستكون مسؤولة عن تطبيق الشروط التقنية على إيران، وستحصل على مئات المنشآت الجديدة وستضاف إلى ميزانيتها السنوية مبالغ إضافية بعشرات الملايين من الدولارات.