•لو سئلت قبل أسبوعين عن إمكان تحقيق الاتفاق مع إيران، لكنت أجبت ببساطة: نعم. الأميركيون يريدون، جداً، جداً، الاتفاق- أكثر مما يحتاج إليه الإيرانيون. والإيرانيون يستميتون من أجله. فالولايات المتحدة بعيدة عن الصيغة التي أعلنها وزير الخارجية: "عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من اتفاق سيئ". ورأيهم اليوم هو أن "اتفاقاً يمكن التوصل إليه هو أفضل من لااتفاق". وتبعاً لذلك، إنهم مستعدون لإبداء المرونة بالقدر الذي يطلبه الإيرانيون. وهؤلاء أدركوا ذلك ولا يخشون رفع الثمن، أي عدم تقديم تنازلات، وربما حتى العودة عن موافقات يبدو للأميركيين أنه جرى التوصل إليها سابقاً.
•غير أن الولايات المتحدة هي دولة ديمقراطية، والكونغرس فرض نفسه على هذا المسار، وسيعرض الاتفاق عليه، وإن لم يكن ذلك لإقراره. وفي النقاش العام يُفسح المجال للخبراء للتعبير عن رأيهم. وكانت إحدى المساهمات المهمة في هذا النقاش، الرسالة التي نقلها "معهد واشنطن" ووقّعها خبراء من الحزبين [الديمقراطي والجمهوري] من ضمنهم أكاديميون وخبراء ممن تابعوا المفاوضات، أو ممن عالجوا الملف في عهد الإدارة الحالية. ولذلك، فهم يعتبرون من كبار المطلعين سواء على الملف النووي الإيراني، أو على التجربة الأميركية المتراكمة من جراء فشل محاولة وقف المشروع النووي في كوريا الشمالية. وهؤلاء حددوا بضع متطلبات إذا لم يلبها الاتفاق فلا سبيل لتعريفه على أنه اتفاق جيد، حتى بحسب معايير البيت الأبيض، ملمحين بذلك إلى أن الكلام يدور على مستوى من المتطلبات منخفض أصلاً.
•وهم يشرحون من بين جملة أمور، أنه ينبغي إلزام الإيرانيين بالسماح بتفتيش المواقع العسكرية، وأن العقوبات ينبغي أن ترفع تدريجياً بوتيرة يحددها التنفيذ الإيراني للاتفاق، وأن كلمة الفصل في الموضوع يجب أن تعود إلى طاقم "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في فيينا. وينبغي أن لا يكون للأمم المتحدة أي دور في عملية إعادة فرض العقوبات إذا اقتضت الضرورة. ويحاول الإيرانيون من جهتهم الدفع في اتجاه الحصول على مزيد من التسهيلات، كما أعلنوا أنهم لن يسمحوا بتفتيش المواقع العسكرية. وهم يطالبون أيضاً بالوقف الفوري تقريباً لقسم كبير من العقوبات.
•هل يصر الإيرانيون على موقفهم في الأيام الأخيرة للمفاوضات؟ لا أعرف. لعلهم يقومون برفع سقف المطالب حتى يكون لديهم مجال للتنازل قليلاً، لأن مكتسباتهم حتى الآن تخطت ما حلموا به. ويسعهم الآن "التنازل" عن المطالبات الزائدة حتى يسمحوا للإدارة الأميركية بأن تعرض على الكونغرس نجاحاً في حين لا يوجد نجاح. لكن، إذا عاندوا فقد يرتكبون الخطأ الكلاسيكي الذي ترتكبه دكتاتوريات في مقابل ديمقراطيات. فهذه الأخيرة (بالتأكيد الولايات المتحدة اليوم)، تتوق إلى الهدوء والسلام، وتتردد في شن حروب وتعتبرها المخرج الأخير، لكنها إذا حشرت في الزاوية، وإذا شعرت بأنها استنفدت كل ما يصح ويجدر استنفاده، وبرغم ذلك لم يتنازل المحاور الدكتاتوري ووضعها في موقف صعب، فهي قد ترد بعزم ربما يفاجئ محاورها.
•لا أعرف ما هو الخط الأحمر بالنسبة للولايات المتحدة. وهناك من يقول إنه لا يوجد خط كهذا، وإن الأميركيين في النهاية سوف يستسلمون لأنهم فقدوا رباطة الجأش. لكنني آمل أن يكون هؤلاء مخطئين، وآمل أنه عندما يتبين للأميركيين أن الاتفاق لا يلائم معايير الحد الأدنى التي حددها معهد واشنطن في رسالته، فسوف يستعيدون رباطة جأشهم. عندئذ، سيواجهون السؤال: ماذا ينبغي لهم أن يفعلوه - ولا توجد إجابة بسيطة على ذلك. إذا أرادوا الإبقاء على العقوبات، فسيتوجب عليهم إقناع الأوروبيين، والصينيين، والروس، وهؤلاء لن يسرّوا بذلك. وإذا أرادوا استخدام القوة العسكرية - ولديهم القدرة – فسيكون ذلك على نقيض المقاربة المبدئية للإدارة وغريزتها. ويخشى الأميركيون هذا الخيار الصعب.
•وعليه بحسب تقديري، سوف يفعل الأميركيون كل شيء من أجل التوصل إلى اتفاق، وسوف "ينجح" الإيرانيون في إفشاله فقط إذا تمادوا في مطالبهم، وأدى ذلك إلى أنه حتى أنصار المقاربة المرنة تجاههم لن يستطيعوا تبرير وثيقة الاتفاق عندما يجري توقيعها. صحيح أنه ينبغي أن يكون الإيرانيون أغبياء تماماً إذا فعلوا ذلك. لكن قد يغريهم مظهر الضعف الأميركي فيرتكبون خطأ مماثلاً. لا أعلم ماذا سيحدث، لكن لو كان عليّ المراهنة، لراهنت على أن الولايات المتحدة سوف تجد "السبل المناسبة" للخضوع لمطالب إيران، وأنه سيجري التوصل إلى اتفاق.