من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•جاء في سفر الأمثال لسليمان الحكيم ما يلي: "لأَنَّكَ بِالتَّدَابِيرِ تَعْمَلُ حَرْبَكَ" [6:24]. وفي العصر الحديث أيضاً، واجهت إسرائيل في بعض الأحيان أعداء وتحديات بسبل متطورة وبواسطة حلول مبتكرة. وفي هذه الأيام، تواجه إسرائيل تحدياً غير سهل: ففيما حاولت الدولة- من خلال مفوض مكافحة الاحتكارات ديفيد غيلو- أن يكون هناك في قطاع الغاز الطبيعي تنافس يفضي إلى تخفيض أسعار الغاز وتوسيع نطاق استخدامه في قطاعي الصناعة والمواصلات، نجح احتكار حفنة من الشركات التجارية في إخافة الحكومة، وفي دفعها إلى التراجع عن مقاصدها من خلال ممارسة تهديد بسيط: من دوننا لن يكون لديكم غاز.
•في ذهن إسرائيليين عديدين أن احتكار الغاز يجسّده رجل الأعمال يتسحاق تشوفا، حتى إن رئيس لجنة الاقتصاد البرلمانية، عضو الكنيست إيتان كابيل [حزب العمل - المعسكر الصهيوني] توجّه في الأسبوع الماضي خلال مؤتمر هرتسليا إلى تشوفا ودعاه إلى الكنيست لعقد صفقة معه تختلف عن الصفقة التي تبنتها الحكومة وتعتزم طرحها هذا الأسبوع على التصويت. وبحسب رأي كابيل، بالإمكان التوصل إلى صفقة توفّر لتشوفا ربحاً مناسباً وتكون كذلك لفائدة الجمهور.
•مع ذلك، فإن الضغوط والتهديدات المؤثرة لا تأتي من طرف تشوفا أو شركة "ديليك"، ولكن من شركة "نوبل إنرجي" الأميركية. وتنبع قوة شركة "نوبل" من تعدد الوظائف التي تمارسها: فهي شريك رئيسي في ملكية جميع الحقول، وهي التي تنفذ الحفريات وتشغّل المرافق، وهي التي تمتلك البنى التحتية مثل خط أنابيب الغاز، حتى إنها هي التي تسوّق وتبيع الغاز المستخرج. وحقيقة أنها شركة أميركية تتيح لها التهديد بالانسحاب من المنطقة، والتوجه إلى محاكم دولية، وحشد دعم الإدارة الأميركية بهدف الضغط على إسرائيل. يعتقد العديد من الخبراء المعنيين أنه لا يمكن التصدي لقوة شركة "نوبل إنرجي". ومع أن موارد الغاز الطبيعي ملكية عامة لمواطني الدولة، ولكن هناك اعتبارات قضائية، وعقود سبق توقيعها، وهناك كذلك القوة الاقتصادية والسياسية لشركة "نوبل" التي يصعب مقاومتها في نظرهم. وفي المفاوضات مع رئيس الحكومة ووزارة المالية ووزارة الطاقة، سوف تنتصر شركة "نوبل"، بحسب تقديرهم.
•وهذا الصباح، بعد استقالة مفوض مكافحة الاحتكارات، وبموجب المخطط الذي سيطرح على التصويت في الحكومة الأمنية - السياسية المصغرة، والتصويت خطوة ضرورية على خلفية معارضة ديفيد غيلو، ستكون شركة "نوبل" هي المنتصرة. وتبعاً لذلك، يعتقد كثيرون أنه لم يبق سوى التسليم بوجود احتكار كأمر واقع. وصحيح أنه حتى اليوم، أمام هذا الهجوم الخاطف التجاري والقضائي والسياسي والإعلامي لشركة "نوبل" بدعم من شريكها يتسحاق تشوفا، لا يبدو أن هناك شيء قد يمنع انتصارها. وحتى إنه لا يبدو أن هناك إرادة للقتال. وغالبية المؤسسة الحاكمة بقيادة رئيس الحكومة، رفعت يديها. لكن قد يكون هناك أمر واحد تستطيع حكومة إسرائيل فعله في الدقيقة الـ90. ماذا سيحدث على سبيل المثال إذا سيطرت دولة إسرائيل على شركة "نوبل إنرجي"؟ فكرة مجنونة؟ هكذا تبدو. لكن في ما يلي تسع أفكار وأمور جيدة تصب في خدمة الاقتصاد والجمهور الإسرائيليين، إذا تحوّل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مرة أخرى، إلى مقاتل في "سييرت متكال" الحياة، فيأمر المحاسب العام [في وزارة المالية] بالاستحواذ على شركة "نوبل إنرجي".
•1- تأسست شركة "نوبل إنرجي" الأميركية عام 1932، ومقرها في مدينة هيوستن في تكساس، ولا أحد من المساهمين يملك حصة سيطرة في الشركة. نحو 2% من أسهم الشركة على الأقل يحوزها بضع مدراء، أما سائر الأسهم فهي موزعة على الجمهور الأميركي أو على مستثمرين مؤسّساتيّين غير فاعلين، أو هيئات وصناديق تتولى إدارة أموال صناديق التقاعد. وهذه الهيئات ليست لديها مشاعر. وإذا أقدمت دولة إسرائيل على استئجار خدمات شركة استثمارية متطورة – شركة "غولدمان ساكس" قد تكون ملائمة لهذا الغرض - في سبيل التقدم بعرض استحواذ عدائي للسيطرة على "نوبل إنرجي"، فلن يصعب عليها إتمامها.
•2- يتم التداول بأسهم شركة "نوبل إنرجي" في البورصة، وتبلغ قيمتها الإجمالية أقل قليلاً من 18 مليار دولار. هذا مبلغ لا يستهان به، لكنه تافه قياساً لقيمة مكامن الغاز وقطاع الغاز اللذين كانت الدولة تسعى للسيطرة عليها. والثمن الفعلي هو كِسْر من هذا المبلغ. لماذا؟ لأن "نوبل" لا تمتلك فقط حقول الغاز البحرية قبالة سواحل إسرائيل، فمعظم أصولها موزعة في أماكن أخرى مثل: الولايات المتحدة، سواحل أفريقيا، وحتى جزر فوكلند - وإن كانت الأصول الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط هي الأكثر ربحية في نظرها. وبعد إحكام السيطرة، تستطيع شركة "نوبل" الجديدة (أي إسرائيل) بيع جميع الأصول والامتيازات التي لا تقع في البحر المتوسط، وهكذا تستعيد معظم استثمارها.
•3- من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، لا تختلف نتيجة هذه العملية كثيراً عن تأميم أصول "نوبل إنرجي" في البحر الأبيض المتوسط، لكن بهذه الطريقة لن يبدو نتنياهو في نظر الجمهور "شيوعياً" من طراز عضو الكنيست دوف حنين الذي يدعو إلى التأميم.
•4- بعد إتمام عملية الشراء، تدعو إسرائيل شركة مشغّلة تمتلك معرفة تكنولوجية واسعة وتستطيع استخراج الغاز من الحقول البحرية لحساب إسرائيل. جميع أصحاب الحقوق بدءاً بيتسحاق تشوفا من شركة "ديليك"، مروراً بيغئال لنداو من شركة "راتسيو"، وصولاً إلى آخر مستثمر في شركات النفط، يصرخون ليلاً ونهاراً قائلين إنه ينبغي إعطاء "نوبل إنرجي" كل ما تريده لأنه لا يوجد شركة مشغّلة أخرى راغبة في القدوم إلى إسرائيل. ويقولون إن "الغاز لن يخرج من قاع البحر"، وإن دولاً أخرى– مصر، قبرص، لبنان، غزة- ستفوز بالكأس، وإن إسرائيل ستفوّت فرصة تأتي مرة كل 3 آلاف عام. ويوضحون، بحق، قائلين إنه ليس لدى إسرائيل هيئة تمتلك قدرات "نوبل إنرجي" التكنولوجية لتنفيذ أعمال التنقيب، والبنى التحتية، ومعالجة الغاز وضخّه. كما يطرحون حجة غير مقنعة كثيراً مفادها أنه لا يوجد شركة مشغّلة دولية صاحبة خبرة تبدي استعداداً للمجيء إلى إسرائيل. بيد أنه بعد سيطرة دولة إسرائيل على شركة "نوبل إنرجي"، فجميع القدرات التكنولوجية للشركة ستصبح في خدمة الحكومة ومواطنيها. هل إن الموظفين الحكوميين والسياسيين جديرون بإدارة شركة "نوبل"؟ يمكن إبقاء التشغيل المهني بيد المدراء الأميركيين.
•5- إسرائيل تستثمر جزءاً من أموالها، مثل احتياطي العملة الصعبة في شراء أسهم شركات تجارية في أنحاء العالم، وفي السوق الأميركية أساساً. وتتولى دائرة الصفقات في البنك المركزي، التي تدير الاحتياطي، شراء الأسهم أساساً عن طريق صندوق الاستثمار المتداول في البورصة [ETFs]، لكن المغزى هو أن إسرائيل تمتلك كميات لا يستهان بها من الأسهم على سبيل المثال في شركة "أبيل". لكن الاحتفاظ بأسهم "أبيل" لن يعود على إسرائيل سوى بمردود مالي غير فاعل. كما تحتفظ إسرائيل بأسهم شركة "إكسون" وشركات نفطية كبيرة أخرى غير عاملة في إسرائيل، فلماذا لا يُستبدل هذا الاستثمار بأسهم شركة "نوبل إنرجي"؟
•6- ستعود موارد الغاز إلى ملكية جمهور المواطنين.
•7- حتى الآن، وبسبب القوة السياسية والتجارية لشركة "نوبل" وتهديدها بـ"إبقاء الغاز في قاع البحر"، لا تشعر حكومة إسرائيل بأنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة. لكن بمجرد أن تصبح "نوبل" تحت سيطرتها، سوف يمكنها تشغيل "نوبل" في أعمال التنقيب وضخ الغاز بكامل قوتها من دون أن يعارض أو يعطل أحد أي إجراء ناظم جديد، ملائم أكثر لقطاع الغاز. ولا ينبغي أن ننسى الأرقام: بعد أن نأخذ في الحسبان المخاطر، واستثمارات تصل إلى أكثر قليلاً من ملياري دولار، تبلغ الكلفة الجارية لاستخراج الغاز من حقل "تمار" بالنسبة لشركة "نوبل إنرجي"، ما يقارب نصف دولار لكل مليون وحدة حرارية، في حين يباع الغاز بأسعار تفوق 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، أي بعشرة أضعاف تقريباً. وما هو مصير الشركات الأخرى، مثل "ديليك"، "يسرامكو"، "راتسيو"، ومستثمرين آخرين؟ هذه شركات إسرائيلية مالية ليست لديها معرفة تكنولوجية جوهرية في أعمال الحفر والإنتاج، وتستطيع دولة إسرائيل بدون مشقة كبيرة التوصل إلى تسوية معها تعوّضها عن الاستثمارات والمخاطر، وتتيح سعراً للغاز للجمهور أدنى بعشرات في المئة، قياساً لوضع الـ"لا سوق" الحالي.
•8- أقدمت دول غربية عديدة، ومن بينها دول رأسمالية، على تأميم صناعة الغاز والنفط. ففي النرويج القسم الأكبر من صناعة الحفريات تضطلع به شركة واحدة هي شركة "شتات أويل" التي تمتلك الدولة النرويجية 67% من أسهمها. والأمر نفسه ينسحب على هولندا.
•9- أثبتت أحداث السنوات الأخيرة في قطاع الغاز أن الديمقراطية الإسرائيلية هي على عتبة الاستسلام، أو أنها قد استسلمت إلى جهات اقتصادية أقوى منها. فمنذ فترة نقاشات لجنة شيشنسكي اشتكى وزير المال يوفال شتانينتز الذي هو حالياً وزير الطاقة، من أنه تعرض لتهديد القضاء على مستقبله السياسي. وكتب آفي ليخيت وكيل المدعي العام للحكومة قبل ثلاثة أشهر الرسالة المذهلة التالية: "إن قوة السوق التي تمثلها هذه المجموعة تثير قلقاً حول مستوى التنافس القطاعي وانعكاسه على السعر للمستهلك. لكن المشكلة أوسع بكثير، إذ ينبغي أن نضيف إليها القلق من تركز القوة على نطاق الاقتصاد بمجمله. فهذا القلق يتجاوز مسائل السعر والمنافسة ليصل إلى مجالات أخرى تتعلق بقدرة التأثير في عملية صنع القرار في الاقتصاد".
•كما جاء في كتاب استقالة مفوض مكافحة الاحتكارات ديفيد غيلو، كلام أشد لذعاً: "اعتقدت أنه من الأجدى التوصل مع شركات الغاز إلى حل تنافسي خارج سور المحكمة بسبب تهديد شركات الغاز بالامتناع عن تطوير حقول الغاز في حال توجّهنا إلى المحكمة. وتبيّن لي في الأيام الأخيرة أن الحكومة والوزارات المعنية ستفعل ما في وسعها للدفع بالمخطط الذي بلورته في الفترة الحالية، حتى لو كان الثمن هو المساس باستقلالية الهيئة العامة لمكافحة الاحتكارات".
•إن كلام ليخيت وغيلو يعرّي الواقع: إن احتكار الغاز وتكامل شركة "نوبل إنرجي" مع الشركات الإسرائيلية، يمنع الدولة من اتخاذ القرار الصحيح لفائدة مواطنيها. إن الرسالة التي يبعثها هذا الأمر إلى مجمل قطاع الأعمال ومجموعات الضغط والمصالح في الدولة، رسالة مناهضة للديمقراطية بشكل صريح. تريدون شيئاً ما؟ اضغطوا على رئيس الحكومة، والوزراء، وأعضاء الكنيست، وكبار الموظفين.