•لقد كان محرجاً سماع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يردد بحماسة شعار الدولتين في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر هرتسليا. لقد كان بالإمكان من التوضيحات التي صدرت في الأيام الأولى التي تلت فوزه في الانتخابات، أن نفهم أنه يريد التخفيف من الضجة التي أثارتها تصريحاته الانتخابية التي أدلى بها في مقابلة مع صحيفة "معاريف" حين تعهد بأنه إذا انتخب فلن تقوم دولة فلسطينية. هذا التصريح الذي أثار ضجة دولية.
•ولتفسير هذا التناقض يدّعي نتنياهو أنه يؤيد حل الدولتين مبدئياً، لكنه يعتقد أنه في الوقت الراهن ليس عملياً. وكانت هذه المراوغة في المواقف مقبولة، لكنها في الفترة الأخيرة اختفت. ومنذ تأليف الحكومة اجتمع نتنياهو مع مجموعة كبيرة من وزراء الخارجية، وفي التصريحات العلنية التي كانت تعقب هذه اللقاءات لم يجرؤ نتنياهو على قول الجزء الثاني من موقفه ("في الوقت الراهن الأمر ليس عملياً")، واقتصر كلامه على الجزء الأول فقط "إنني أؤيد حل الدولتين، وأعارض فكرة الدولة الواحدة".
•وتثير هذه المراوغة عدم الارتياح. فعلى الأرجح لم ينس أحد في الغرب ما قيل قبل شهرين، لذا فالتصريحات الأخيرة تطرح مجدداً السؤال: أيّ نتنياهو نصدق؟ حتى قبل الانتخابات لم يكن نتنياهو يحظى بثقة المجتمع الدولي، وكان الغرب يشك بأن خطاب بار إيلان أكذوبة، وأن تصريحاته خلال الانتخابات تكشف بصراحة مواقف رئيس الحكومة تماماً مثلما قال الرئيس أوباما.
•فإذا كان هذا صحيحاً، نتساءل لماذا التظاهر؟ ولماذا ندمر من جديد ما بقي من ثقة لدى واشنطن وبروكسل؟ فالذين يحكمون في أميركا وأوروبا ليسوا حمقى.
•ثمة نقطة إشكالية ثانية في تصريحات نتنياهو هي جدّيتها. فالجميع يعلم أنه من غير الممكن الآن قيام دولة فلسطينية متفق عليها. وكل إنسان عاقل فهم منذ لحظة توقيع اتفاقات أوسلو أنه لن يتم قط التوصل إلى اتفاق دائم بين الطرفين. وينطبق هذا على الوضع اليوم، مع المطالب الأمنية الجديدة والمحقة التي يطرحها نتنياهو في ضوء تفكك المنطقة، وقيام أبو مازن بتفجير كل أنواع الاتصالات.
•إن عدم وجود إمكانية للتوصل إلى اتفاق أمر واضح إلى حد أن الرئيس أوباما يقول ذلك علناً. وإذا كان أوباما يقول ذلك وهو المعروف بحماسته لمثل هذا الاتفاق، فلماذا يدّعي رئيس حكومة إسرائيل أن هذا أمر ممكن؟
•النقطة الثالثة هي أنه من الخطأ ومن التضليل أن يطرح نتيناهو على الطاولة خيارين: خيار "الدولتين" أو "الدولة الثنائية [القومية]". ففي عالم السياسة مجموعة واسعة من الإمكانات الموقتة بدءاً بالحكم الذاتي مروراً بالكونفدرالية، ووصولاً إلى دولة تحت الوصاية مثل دولة جبل طارق وبورتوريكو وغوام.
•ونصل هنا إلى النقطة الرابعة والأكثر خطورة، فدولة فلسطينية كانت وستبقى خطراً وجودياً على إسرائيل. وهذا الكيان بغض النظرعن الترتيبات الأمنية، سوف يتآمر ضد أسس قيام إسرائيل مثلما فعل ياسر عرفات بعد توقيع أوسلو، ومثلما يفعل أبو مازن في أنحاء العالم اليوم.
•في الخلاصة، فإن المزيد من الناس في المجتمع الدولي يكتشفون أن علة وجود (raison d’etre) حركة "فتح"، ليست الحرص على مستقبل العرب في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وغزة، بل الرغبة في إلحاق الأذى بإسرائيل. فإذا كان هذا هو الوضع قبل قيام الدولة الفلسطينية، فليس صعباً معرفة ماذا سيجري بعد قيامها. ولهذا السبب يتعين على نتنياهو ألا يعود مجدداً إلى الحديث عن دولة فلسطينية، بل عليه مواصلة التنكر ببطء وبصورة ممنهجة لخطاب بار إيلان.