•منذ استلام نائبة وزير الخارجية تسيبي حوتوفلي مهماتها وهي تحمل البشرى التالية: كفانا أن نكون حكماء وآن الأوان كي نكون على حق؛ وكفانا الحديث بلهجة دفاعية عن الحاجات الأمنية لإسرائيل، وحان الوقت للحديث عن "الحق" اليهودي في أرض إسرئيل كلها كما وردت بوضوح في التوراة. وانقسمت ردود الفعل على هذا الكلام، فاليسار سخر منه واليمين هلل.
بيد أن السؤال الأساسي الذي يجب أن نتفحصه بشأن هذا الموضوع هو: هل تستطيع دولة إسرائيل أن تحسم بين الحق والحكمة وتختار بينهما؟ الجواب هو: لا.
•على المستوى السياسي، فإن معنى "الحكمة" هو قبل كل شيء صياغة الحجج المحقة بحيث يمكن أن تصبح مقبولة من جانب أكبر عدد من الناس. لكن مضمون كلام حوتوفلي فشل في هذا الاختبار الأول: ترسيخ الارتباط اليهودي بأرض إسرائيل - فكيف بالأحرى الحق اليهودي على كامل أرض إسرائيل، أو الوعد الإلهي الذي يمكن أن يكون مقبولاً فقط من جانب اليهود المتدينين التقليديين وشركائهم من التيار الإنجيلي المسيحي. صحيح أن هناك عدداً كبيراً ممن يؤمنون بذلك، لكن ليس بإمكان جميع اليهود والإسرائيليين الموافقة على أن يشكل هذا أساساً لحقوقنا هنا، وينطبق هذا أيضاً على عدد من الأغنياء الأغراب [الغوييم] الذين لا يؤمنون بالوعود الإلهية عموماً، وبالتأكيد لا يؤمنون بكونها لا تزال سارية المفعول بعد آلاف السنين.
•بناء على ذلك، فإنه حتى الأشخاص المتدينون يريدون ترجمة الارتباط اليهودي بأرض إسرائيل إلى لغة عالمية مثلما فعلت الحركة الصهيونية في الماضي، أي العودة إلى حقيقة أن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي وهو طُرد منها قسراً؛ وحقيقة أن علاقة اليهود بأرض إسرائيل سبقت أي شعب آخر موجود اليوم في عالمنا، فحتى العرب جاؤوا إلى هنا بقوة الاحتلال بعد مئات السنين من وجود اليهود فيها؛ وحقيقة أن اليهود ظلوا متمسكين بإيمانهم بأرض إسرائيل طوال سنوات المنفى.
•جميع هذه الأمور تؤدي إلى خلاصة أن هذا الوطن القومي لا يمكن أن يكون إلا هنا في أرض إسرائيل، حتى لو كان معنى ذلك إزاحة جزء من العرب الذين لديهم دول كثيرة أخرى.
•علاوة على ذلك، فإن التوجه الحكيم من الناحية السياسية يجب أن يتطرق إلى جميع مكونات "الحق" حتى إلى مكونات "الحق" اليهودي التي جرى تفصيلها أعلاه. وكذلك إلى وجهة النظر المعارضة التي تقول إنه لا يمكن السيطرة لوقت طويل على ملايين الناس المحرومين من المواطنة.
•وحتى لو كانت هذه السيطرة ضرورية لأسباب أمنية، فيجب أن نثبت حسن نياتنا حيال محاولات إنهائها. وفي الوقت عينه يجب أن نحصر هذه السيطرة طيلة استمرارها بالمسائل الأمنية فقط. وهذا ما لم تفعله إسرائيل طوال الـ48 سنة الأخيرة، فقد ركزت حكومات إسرائيل فقط على تحقيق الارتباط والحقوق اليهودية بأرض إسرائيل، وتجاهلت بصورة عامة مسألة ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه الأرض. وفي المرات القليلة التي حاولت الحكومات عدم تجاهل هذه المسألة، أثار هذا الأمر ردة فعل داخلية عنيفة وصلت إلى حد اغتيال رئيس حكومة.
•بصورة مبدئية، هناك ثلاثة توجهات ممكنة لمواجهة هذه المعضلة: تقسيم لدولتين؛ تطبيق السيادة اليهودية على أرض إسرائيل كلها وإعطاء الجنسية لجميع سكانها؛ عودة إلى الوضع الذي سبق حرب الأيام الستة [حرب حزيران/ يونيو 1967] حين كان الأردن ومصر يسيطران على الأراضي المتنازع عليها حالياً.
•عملياً، فإن حل الدولتين هو الأكثر إشكالية في الأفق المنظور. وليس الفلسطينيون وحدهم غير مستعدين لتقديم التنازلات المطلوبة منهم في إطار اتفاق سلام، بل حتى لو تحقق هذا الاتفاق فمن المشكوك فيه في إطار توجهات التطرف الإسلامي التي تجتاح العالم العربي، أن تكون له قيمة حقيقية.
•يتعين على إسرائيل أن تختار بين الحلّين الآخرين: الضم وإعطاء الجنسية مثلما يطالب بعض أنصار اليمين؛ أو محاولة إعادة مصر والأردن إلى الساحة بوصفهما سلطة أمر واقع في أراضي قطاع [غزة] وأغلبية أراضي يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وهذا الحل أفضل من حل الدولة الواحدة لأنه لا يهدد الأغلبية اليهودية. وهو أفضل من حل الدولتين لأنه يسمح بسهولة أكبر بتجريد المناطق من السلاح، وبتعديلات لـ"الحدود" بما يقوي إسرائيل، وبتفاهمات بشأن بقاء الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].
•صحيح أن الأردنيين والمصريين أوضحوا في الماضي عدم رغبتهم في السيطرة المباشرة على هذه المناطق، لكن يمكنهم أن يدركوا اليوم أن دولة فلسطينية مستقلة تشكل خطراً بالنسبة إليهم أيضاً، وفي جميع الأحوال من الأفضل تحويل الضغط الدولي نحوهم.
•أثبتت أحداث الأشهر الأخيرة أن دولة الأمر الواقع كما هي حالياً ليست ممكنة بعد الآن. ومن الخطأ الخطير الخضوع للإحساس القائل بأنه طالما أن هناك كثيرين في العالم يكرهون إسرائيل على أية حال، فإننا لا نحتاج إلى أن نأخذ في الاعتبار المجتمع الدولي. إن الذين يكرهوننا ليسوا إلى جانبنا تلقائياً، لكن الويل لنا إذا خسرنا تأييد المخلصين لنا.