15 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الطرف من جنوب لبنان: تقويم أوّلي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•قبل 15 عاماً قام رئيس الحكومة وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك بمجازفة كبيرة، فقد أمر بانسحاب الجيش الإسرائيلي من طرف واحد من المنطقة الأمنية في جنوب لبنان، وتخلى بسرعة عن حلفاء إسرائيل هناك أي جيش لبنان الجنوبي. وشكل هذا الانسحاب فصلاً من فصول اللعبة الدموية الدائرة إلى ما لا نهاية بين إسرائيل وحزب الله. وعلى الرغم من أن هذه اللعبة لم تنته بعد، إلا أنه يمكننا أن نحاول تقويم هذه الخطوة الجريئة التي اتخذها باراك.

•في سنة 1996، أي قبل أربع سنوات من الانسحاب وأثناء تولي شمعون بيرس رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، شنّ الجيش الإسرائيلي عملية "عناقيد الغضب" ضد حزب الله التي انتهت باتفاق على وقف اطلاق النار بوساطة من الأمم المتحدة. وبموجب هذا الاتفاق التزم الحزب عدم استخدام القرى اللبنانية كمنطلق لمهاجمة أهداف إسرائيلية، كما تعهدت إسرائيل بالامتناع عن مهاجمة القرى اللبنانية. لكن حزب الله واصل هجومه على إسرائيل من هذه القرى فيما ظلت إسرائيل ملتزمة بالاتفاق وحاربت حزب الله بأيد مقيدة. خلال الأربع سنوات التي مرت بعد هذا الاتفاق، استمر القتال بين حزب الله وإسرائيل، وقُتل لإسرائيل 24 جندياً سنوياً. 

•أراد باراك إنهاء هذا الوضع وكان حسابه بسيطاً، وهو أنه بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود الدولية لن يكون هناك سبب لدى حزب الله  كي يهاجم إسرائيل وسوف يحصر نشاطه بالحياة السياسية اللبنانية. وتشديداً على ذلك، حذر باراك الحزب من أن أي هجوم يشنه من الآن وصاعداً فسترد عليه إسرائيل بضربة "تشعل لبنان كله". واعتقد باراك أن الموافقة الدولية الرسمية على أن الجيش الإسرائيلي انسحب فعلاً إلى الحدود الدولية سيعطيه "الشرعية" المطلوبة من أجل القيام بمثل هذا الرد، وسيردع حزب الله عن مهاجمة إسرائيل. 

•لم تجر الأمور على هذا الشكل، فقد ضرب حزب الله من جديد، لكن باراك لم ينفذ تحذيره. وأدت استفزازت أخرى في النهاية إلى حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006] التي جرى خلالها إطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل، ودفع ثمنها من حياتهم 165 جندياً ومدنياً إسرائيلياً، وكانت هذه الحرب بمثابة تذكير بالمشكلة التي تنطوي عليها مصطلحات مثل "الردع" عندما يتعلق الأمر بتنظيم إرهابي، و"الشرعية" الدولية لعمليات الجيش الإسرائيلي.

•وليس واضحاً بصورة نهائية اليوم ما إذا كان انسحاب سنة 2000 نجح في انقاذ حياة إسرائيليين، لكن الواضح أن إسرائيل بعد الانسحاب بدت أكثر ضعفاً. وتباهى حزب الله بتصوير الانسحاب انتصاراً له، وتحول إلى القوة المسيطرة في لبنان، وبدأ بجمع كميات كبيرة من الصواريخ والقذائف كلها موجه نحو إسرائيل. ولم يضيع حسن نصر الله فرصة من دون الاحتفال "بنصره". وبعد مرور يومين على الانسحاب أعلن من بنت جبيل في 26 أيار/مايو 2000 التالي: "نقدم نصرنا هذا إلى شعب فلسطين المحتلة وإلى أبناء شعبنا.. إن الطريق إلى الحرية هو في الثورة وفي الانتفاضة.. إسرائيل أكثر ضعفاً من بيت العنكبوت". وبعد مرور 4 أشهر نشبت الانتفاضة الثانية التي دفع ثمنها أكثر من ألف ضحية إسرائيلية. 

•ومن العناصر القاتمة لهذا الانسحاب الذي دعا إليه باراك التخلي عن جيش لبنان الجنوبي الذي قاتل جنوده طوال سنوات إلى جانب الجيش الإسرائيلي وتكبد خسائر تفوق خسائر الجيش الإسرائيلي. لكن إسرائيل غدرت بهم ببساطة.

•لكن النتائج الأصعب لهذا الانسحاب هي تلك النتائج البعيدة المدى. فقد تخلت إسرائيل عن عقيدتها العسكرية التقليدية التي تعتبر أن واجب الدولة ضمان أمن سكانها المدنيين. فقد كان هذا هو السبب الذي جعل بن غوريون يصرّ على أن يقوم سلاح الجو الفرنسي بحماية أجواء إسرائيل قبل موافقته على المشاركة في عملية سيناء [العدوان الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر سنة 1956]. ولهذا بادر مناحيم بيغن إلى شن عملية "سلامة الجليل" [الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران/يونيو 1982] والتي كان هدفها حماية السكان المدنيين في الشمال من الصواريخ التي تُطلق عليهم من لبنان. وكان هذا هو السبب الأساسي للوجود الإسرائيلي الطويل في المنطقة الأمنية [ في جنوب لبنان]. 

 

•لكن منذ ذلك الحين أدت الانسحابات الإسرائيلية والصواريخ البعيدة المدى التي يملكها حزب الله إلى وضع أصبح فيه جميع السكان المدنيين في إسرائيل معرضين لخطر هجمات صاروخية. واللعبة لم تنته بعد.