•يبدو أننا نصاب بهستريا أحياناً، أو بعضنا على الأقل. فأول من أمس وبسبب خلاف داخلي بين التنظيمات في غزة، أُطلقت في اتجاه إسرائيل بضعة صواريخ لم تتسبب بأي أذى باستثناء هلع عابر، وأوضحت حركة "حماس" في أعقاب ذلك أنها ليست هي من يقف وراء القصف، وأنها اعتقلت الذين قاموا بذلك. وردّ الجيش الإسرائيلي بالطريقة عينها بقصف لم يؤدّ على ما يبدو إلى وقوع أضرار في غزة.
•الآن وفي أعقاب هذه الحادثة المنفردة، من المثير أن نسمع الصيحات التي تدعو إلى القيام بعملية للجيش الإسرائيلي، ونسأل: ماذا يمكن أن تحققه هذه العملية؟ هل علينا احتلال قطاع غزة كله وتحمل المسؤولية عن مليوني فلسطيني كي نمنع إطلاق صواريخ لا تتسبب بأي ضرر مرة في السنة؟ أم يتعين علينا أن نقتل ألفي فلسطيني مرة أخرى من دون احتلال غزة، كي نعود إلى النقطة عينها التي كنا فيها قبل عامين؟ إن هذا الكلام كلام غير مسؤول ولا علاقة له بالوضع في غزة وفي إسرائيل وفي العالم.
•تملك إسرائيل قوة هائلة هي ربما الأكبر في الشرق الأوسط، لكن من المفيد أن نتذكر أنه من المفضل لمن يملك القوة أن يكون عاقلاً وأن يستخدم عقله. فهل في كل مرة يطلقون علينا بضعة صواريخ يجب أن نرد ونستخدم كامل قوتنا أو الجزء الأكبر منها؟ أليس من الأفضل التلميح باستخدام هذه القوة والقدرة التي تنطوي عليها من خلال القيام بعملية لا توقع اصابات لدى الطرف الثاني، وتؤدي إلى قيام طرف آخر بالعمل بدلاً منا؟ على سبيل المثال أن تعتقل "حماس" الذين أطلقوا الصواريخ. وهل ندخل في مواجهة جديدة مع العالم كله بسبب قصف غير متوازن رداً على اطلاق نار من جانب فصيل في تنظيم في غزة؟
•صحيح أن هناك حلاً جذرياً للتهديد من غزة هو احتلال القطاع، وعلى الأرجح فإنه بعد نحو نصف سنة من المعارك من أجل تنظيفه من السلاح والمخربين لن يتم إطلاق أي صاروخ ولن يُحفر أي نفق. لكن السؤال هل يستحق ذلك الأمر الثمن الذي سيدفع في الأرواح، والعبء الاقتصادي الذي سيلقى على عاتق إسرائيل بوصفها المسؤولة عن غزة المدمرة؟ إن جميع العمليات المقترحة من دون تفكير عميق بانعكاساتها، ذات فائدة جزئية، وبعد مرور أشهر أو بضع سنوات عليها، ستستعيد التنظيمات في غزة قدرتها على العمل المحدود وستستعد لجولة جديدة.
•حتى الآن استغلت إسرائيل فترات الهدنة بين هذه العمليات ذات الفائدة الجزئية بصورة أفضل من "حماس". وتمكنا بهذه الطريقة من توجيه ضربة إليها في العملية الأخيرة مع أضرار محدودة بالنسبة لدولة إسرائيل. وخلال الصيف الأخير في عملية "الجرف الصامد"، اكتشفنا نقطة الضعف في ما يتعلق بموضوع معالجة الأنفاق، ويمكن افتراض أن الجيش الإسرائيلي سيكون أكثر قدرة على التصدي لهذا الخطر في المواجهة المقبلة. لكن في أكثر الحوادث من مصلحة إسرائيل تأجيل الجولة المقبلة قدر الإمكان. ويثبت الواقع أن شعب إسرائيل يستفيد من فترات التهدئة هذه، حتى عندما يجري إطلاق بضعة صواريخ مرة واحدة في السنة، أكثر مما يستفيد منها أهالي غزة.
•يتعين على دعاة استخدام القوة ضبط النفس. وفقط عندما تنتهي فترة ضبط النفس، يجب أن يكون الرد قوياً جداً كي نذكر البيئة المحيطة بنا بمن يملك القوة في المنطقة، وأن نعمل بهذه الطريقة على تأجيل الجولة المقبلة الآتية لا محالة.
•بناء على ذلك، فإنه حتى عندما يقع إطلاق نار من غزة، يتعين علينا الرد بتعقل وبكثير من الصبر والدهاء. وفي الوقت عينه، علينا مواصلة التوظيف في تحسين قدراتنا من أجل استخدام القوة بفاعلية أكبر عندما يُتخذ القرار بذلك.